وفي تقرير مطوّل نشره موقع "دويتشه فيله" الألماني، اعيد النقاش حول استغناء الغرب وحلف شمال الأطلسي (ناتو) عن "الحليف المزعج" و"الشريك غير الموثوق" الذي يسعى إلى "تدمير قوة الغرب" وبسط نفوذه على ليبيا وشرق المتوسط.
وأكد التقرير إن التمدد التركي في شرق المتوسط خلق توجسا متزايدا لدى عدد من دول المنطقة وكذلك في العواصم الغربية. ونقل التقرير ما كتبه باول أنطون كروغر في صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" (26 مايو/ أيار 2020)، حيث أوضح فيه أن تركيا "تتعرض لانتقادات مبررة، بعدما وسعت نطاق تدخلها العسكري في ليبيا ووضعت قوات (قائد الجيش الوطني الليبي) خليفة حفتر لأول مرة في موقف دفاع، منذ أن بدأ هجومه على طرابلس". وأضاف كروغر أن "هذا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي: فقد حصل الرئيس رجب طيب أردوغان مقابل دعمه لميليشيات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا على مكافأة على شكل اتفاق رسم الحدود البحرية ومناطق اقتصادية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يتعارض مع مصالح عدة بلدان كاليونان وقبرص، ولكن أيضًا مصالح إسرائيل ولبنان ومصر".
وانتقد التقرير كذلك الانقسام الأوروبي وعدم الحسم بوجه السياسة العدوانية التوسعية للنظام التركي، مؤكدا استمرار ما جرت عليه "العادة في السياسة الخارجية يجد الأوروبيون أنفسهم عاجزين عن بلورة موقف موحد بشأن الأزمة الليبية، فيما يبقى الموقف الأمريكي مترددا."
ولفت التقرير إلى مدى ارتباط العدوان التركي في ليبيا وسوريا، بتطوير مشروعات الصناعة العسكرية التركية وخاصة الطائرات المسيرة، وايجاد سوق لها في ظل البيئة الاقليمية المضطربة، وذلك في وقت "تطمح تركيا لأن تكون من بين أكبر عشر دول مصدرة للأسلحة في العالم بحلول عام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية."
وأكد كذلك أن نفس السلاح المدمر الذي استخدمه أردوغان ضد الكرد ومناضلي حزب العمال الكردستاني، اعاد استخدامه ايضا بكثافة في سوريا وليبيا.
واشار "دويتشه فيله" أيضا إلى مطامع أردوغان في النفط والغاز والسيطرة على موارد شرق المتوسط، موضحا أن "تدخل أردوغان في ليبيا ليس وليد الصدفة، وإنما هو جزء من عقيدة "مافي فاتان" (الوطن الأزرق) التي وضعها لبسط سيطرة بلاده على شرق المتوسط الذي تعتبره أنقرة جزء من أمنها القومي. ومنذ 2019 تاريخ إجراء تركيا لأكبر مناورات بحرية في تاريخها حملت اسم "مافي فاتان" باتت هذه العقيدة الأمنية معروفة أيضا لدى الدوائر الغربية. عقيدة تتناغم مع التوجه الأيديولوجي للسياسة الخارجية التركية في عهد أردوغان التي تسعى لزعامة العالم الإسلامي السني بدعم الإسلام السياسي في دول الجوار."
وأكد التقرير إن أردوغان "صنع لنفسه أعداءً على المستويين الإقليمي والدولي يتجاوز عددهم بكثير أنصار الجنرال خليفة حفتر. أعداء مستعدون في العلن كما في الظل للحد من طموحات أردوغان الإقليمية."
واشار أيضا إلى أن موقع "بيزنس إنسايدر" الاقتصادي الألماني كتب مرة بشأن الجدل حول بقاء تركيا في حلف الناتو من عدمه وقال "أردوغان على وشك تدمير قوة الغرب العظيمة - ولا أحد قادر على وقف ذلك"، في تلميح إلى أن تركيا لم تعد حليفا موثوقا به في الغرب، وأن انسحابها من الناتو سيخلق فراغا جيواستراتيجيا في الحلف الأطلسي. واعتبر التقرير إن ما تم كشفه من عملية سرية شملت "تحالف عملاء من عدة دول غربية بهدف ضرب سفن التموين التركية المتجهة لليبيا، يظهر سعة الهوة التي باتت تفصل أنقرة عن حلفائها الغربيين. كما أن تدخل أردوغان في ليبيا فاقم في الواقع العزلة الإقليمية المتزايدة لتركيا ورفع جدرانا من عدم الثقة بينها وبين حلفائها الغربيين."