دعا أستاذ القانون الدولي والمحلل السياسي السوري، دكتور محمد الشاكر، إلى ضرورة الانتباه إلى مرحلة ما بعد إعلان نهاية تنظيم داعش الإرهابي، مؤكداً أن التحديات في المنطقة الآن أكبر من داعش الذي تخوض قوات سوريا الديمقراطية معركتها الأخيرة ضد التنظيم في الباغوز.
وأكد الشاكر أن الأزمة الأكبر بعد داعش تكمن في طبيعة المنطقة التي كان التنظيم يتواجد فيها لما يزيد على أربع سنوات قضى فيها على كافة صور الحياة، والأهم حالة التعلي، فأبناء الرقة ودير الزور بلا تعليم منذ أربع سنوات وبلا مدارس ظلوا خلالها قابعين تحت سيطرة هذا التنظيم.
وقال الشاكر في مقابلة مع وكالة فرات للأنباء ANF، على هامش معرض على طريق الحرية بالجامعة الأمريكية في مصر: "إن السوريين بكل أطيافهم ينظرون لهذا المسخ الإنساني على أنه محاولة لقتل كل ما هو جميل، وعانت المنطقة الشرقية سواء كانت الرقة أو حسكة أو دير الزور من هذا الغول المرعب (داعش) الذي جاء لينظر بأحادية فكرية واحدة وتكلم عن أوهام ما يسمى بالخلافة الإسلامية".
وأضاف "السوريون خرجوا ليطالبوا بدولة واحدة تجمعهم من كرد وعرب سريان وغيرهم، فالمنطقة التي تشهد الحرب على داعش تشكل فسيفساء متنوعة، فيها أكثر من 40 إثنيّة وطائفة يعيشون مع بعضهم في تناغم فريد منذ آلاف السنين، فهناك إرادة عيش مشترك، وكل شيفوني أو طائفي، سواء داعش أو النصرة أو غيرهم يحاول أن يلقي أبعاد مختلفة لتاريخ وإرادة العيش المشترك في هذه المنطقة فأنا اعتبره أمر طارئ وذائل لا محالة".
وحول المعركة الأخيرة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية ضد التنظسم الإرهابي في الباغوز قال: "بالتأكيد أن نهاية التنظيم المتطرف هي بداية صفحة جديدة في تاريخ سوريا المعاصرة، فالآن داعش سيتلاشى وسيتم الإعلان عن اندحاره، لكن أنا أرى أن هناك الآن تحديات أكبر من داعش، فالقضاء على اسم هذا التنظيم لا يعني أنه انتهى، فالمنطقة لا تزال تعاني، وهي منطقة هشه بها صور من المعاناة سواء في سوء الخدمات أو العدد الكبير من المهجرين، وحتى أبناء المدارس في الرقة ودير الزور هم بدون تعليم منذ سبع سنوات".
وأضاف "إذا نحن بحاجة إلى رؤية جديدة وإرادة عيش مشترك جديدة وصيغة توافقية لعملية سياسية قادرة على أن تُرجع الناس بأمان، لتبدأ عملية الإعمار، وهذا أمر مرهون بإرادة السوريين دون غيرهم نحو حل سياسي قادر على ايجاد اختراق فعلي للعملية السياسية".
وفيما يتعلق بمستقبل الوضع بالنسبة لعناصر التنظيم الذين تم القبض عليهم، خاصة أن قطاع كبير منهم ترفض بلادهم تسلمهم، قال: "هناك آليات كثيرة ممكنة للمحاسبة، فداعش تنظيم وهمي ولذلك فإنه من الصعب أن يطلع مجلس الأمن أو الأمم المتحدة بأكثر من إصدار قرار دولي بتوصيفه إرهابياً، وجرى ذلك من خلال التحالف الدولي الذي انضمت له أغلب دول العالم لمحاربة هذا التنظيم المتطرف".
وأوضح: "أما بالنسبة للعناصر التنظيمية فهناك إشكالية فيما يتعلق بمحاكمتهم، فهل تحاكمهم دولهم، أو تحاكمهم منطقة الاختصاص المكاني، وأعتقد أن هذه المسألة تعود لآلية التفاهم بين الدول التي يحملون جنسيتها وبين قوات سوريا الديمقراطية أو الحكومة العراقية".
وفيما يتعلق بالشخصيات الأكثر خطورة في التنظيم، فيرى دكتور الشاكر أنه أنها إذا لم يتم تصفيتها فإن هناك باب واحد لملاحقة هؤلاء وهو المحكمة الجنائية الدولية التي تضطلع بملاحقة مجرمي الحرب.
وتابع: "أعتقد أن هناك أسماء كبيرة في تنظيم داعش هي نموذج لأن تقدم للجنائية الدولية أو أن يتم القضاء عليها، وفي اعتقادي أنه سيتم القضاء عليها ولن يكون هناك وجود لهم، وذلك لأسباب كثيرة أولها أن هناك الكثير من الدول المتورطة في صناعة داعش، فالتنظيم لم يظهر من فراغ، وبالتأكيد الصراع في سوريا جعل من الأرض السورية رقعة شطرنج لصراع الإرادات، لذلك فالدول التي أسست داعش وجبهة النصرة كان هدفها بالأساس إطالة أمد الصراع".
وحول أهم المستفيدين يقول: "كانت تركيا مستفيدة من مسألة تمدد التنظيم لتصفية حساباتها مع الكرد، وكذا المليشيات الإيرانية مستفيدة من بقاء داعش لأنها طالما بقي داعش فإن النظام باقي وهي موجودة في سوريا وهي تعمل الآن على مسألة نشر التشيّع لتعيد صناعة دولة فاشلة أخرى إلى جانب العراق واليمن ولبنان".
وأكد أن الأمر الآن يتعلق أولا وأخيراً بإيجاد حل سياسي يجمع السوريين في دولة ديمقراطية قادرة على أن يؤمن أفرادها بالعيش المشترك بين جميع الأطياف، دولة قانونية يخضع فيها جميع الأطراف، من حكام ومحكومين تحت سقف القانون".
وأكد الشاكر أن "الضرورة الملحة الآن تتمثل في كيف نجد صيغة توافقية بين هؤلاء القوى ليعودوا آمنين ولتعود عملية الإعمار، وإلا فإن حالة الفوضى والتهميش هي أرض خصبة لولادة داعش أخرى وإن كان بصيغة أخرى".
وحول الحديث الأخير للمبعوث الأممي الجديد إلى سوريا بوجود خمس جيوش دولية متصارعة في سوريا ومدى تأثير ذلك علي سير العملية السياسية قال: "أعتقد أنه حتى هذه اللحظة فإن المبعوث الأممي سواء ديمستورا أو غير بيدرسون، ليسوا على الطريق الصحيح".
وأضاف "ديمستورا ارتكب خطأً كبيراً في مفاوضاته، التي أجراها لثلاث سنوات دون أن يشرك ثلث سوريا في العملية السياسية، والعملية السياسية وفقا للقرار 2254، تتحدث عن كامل سوريا، والآن غير بديرسون أيضاً عليه أن يعيد حساباته في مسألة الحل السياسي فهو يحتاج إلى آليات جديدة، وإلى دمج كل السوريين في جميع مراحل العملية السياسية".
وتابع: "مازالت المعارضة السورية المدنية الديمقراطية غير ممثلة في المعارضة التي تؤمن بالحل السلمي وبدولة ديمقراطية، أما المعارضات التي تتبع تركيا وإيران وقوى إقليمية فهذه هدفها فقط إطالة أمد الصراع وإدخال سوريا في أتون صراعات متواصلة".