دبلوماسي: مصر احتضنت الكرد تاريخيا.. وسياسة "أردوغان" أحدثت ردّة في حقوقهم المُنتزعة

قال السفير السابق سليمان عثمان أول قنصل لمصر في جنوب كردستان، أنّ علاقات مصر بالكرد قديمة الأزل، موضحا انه بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي احتفلت مصر بذكراها مؤخرا كان الزعيم جمال عبدالناصر من أكثر المتفهمين للمسألة الكردية والداعمين لحقوق الكرد.

وأعتبر الدبلوماسي المصري والسفير السابق سليمان عثمان أن ما يقوم به رئيس النظام التركي أردوغان يمثل ردة فيما أنتزعه الكرد من حقوقهم المشروعة تاريخيا على مدار عقود، وقال في حوار خاص مع وكالة فرات للأنباء (ANF) بالقاهرة، انه يتدخل في شمال سوريا حاليا بغرض الهيمنة والسيطرة، وشدد على أن كرامة الشعب الكردي واعتزازه بنفسه لن تسمح بالصمت على الاضطهاد.. فإلى نص الحوار.

  • كيف كانت العلاقة بين العرب والكرد تاريخيا وخاصة في مصر؟ وأين وصلنا؟

بالنسبة لمصر، الموجة الأولى للوافدين من الكرد كانت مع مجيء صلاح الدين وتأسيس الدولة الأيوبية، وجاء اتباعه الى مصر، ولكن هناك كثيرين لم يعودوا واستقروا في مصر، ولذلك هناك في مصر الكثيرين جدا من اصول كردية ولكنهم تمصروا تماما، واحتضنتهم مصر، مثل العائلة البدرخانية قاسم أمين وكثير من المشاهير في الفن والادب من اصول كردية، مثل سعاد حسني ورشدي اباظة وامير الشعراء احمد شوقي ونجيب الريحاني وعباس العقاد وغيرهم. بل اننا لدينا علاقات مع الكرد منذ قديم الأزل تجسدها العلاقات بين الفراعنة والدولة الميتانية.

وفي عام 1898 كانت اول جريدة باللغة الكردية تصدر من القاهرة، وتطورت العلاقات ايجابيا، وجاءت ثورة 1952 وكان الزعيم عبدالناصر من الناس المتفهمة جدا جدا للأزمة الكردية، وكان هناك دائما صدامات بين الاكراد والقيادة مثلا في العراق، حيث قسمت كردستان اربعة اجزاء، وكان الرئيس عبدالناصر يساعد الاكراد حتى انه استقبل الملا مصطفى البرزاني خلال عودته من رحلته في الاتحاد السوفيتي، وحدث عليهم اضطهاد شديد جدا واضطر للهروب الى هناك وهو عائد مجددا لكردستان استقبله الرئيس جمال عبدالناصر وكان استقبال حافل... وهكذا وتطورت العلاقات ثم جاءت فترة الرئيس السادات وحدثت المقاطعة العربية وعمل صدام حسين ستارة سوداء على ما يحدث داخل جنوب كردستان.. وعموما عانى الشعب الكردي في الدول الاربعة خلال عقود من مشكلات في التمميز والمواطنة، واغلبها لم يعطي الجنسية لكل الكرد، اي كان هناك "بدون"، واحيانا كانوا يحصلون على الجنسية بالصدفة او بشكل عشوائي غير منظم، حتى ان الزعيم الكردي مصطفى برزاني اضطر للسفر للخارج بجواز سفر مزور... وفي تركيا كان غير مسموح باستخدام اللغة الكردية حتى بينهم وبين بعضهم البعض ولم يعطوهم حق الحفاظ على هويتهم.. وتطور كل جزء من كردستان وفقا للظروف التي يعيشها في كل بلد من الاربعة.

  • ماذا كانت نتائج هذا الاضطهاد في المشهد الراهن لمساعي الكرد للحصول على حقوقهم؟

الشعب الكردي شعب مسالم ولكن لديه كرامة واعتزاز بالنفس، وبالتأكيد البعض لجأ للحل المسلح، وحتى الان حصل الكرد على جانب ضئيل من الحقوق، ولكننا لا زلنا نرى ما يفعه اردوغان، فما قام به اردوغان يمثل ردة لما حدث من مكتسبات لحقوقهم في تركيا على مدى عقود، فهناك تراجع واضح. واردوغان يقوم بتدخل عسكري وتستغل الوضع الموجود لفرض الهيمنة والسيطرة في القضية السورية عندما يحدث فيها تسوية، وتقوم بغزو عسكري.

  • هل ما قدمته "سوريا الديمقراطية" في الشمال السوري يمكن ان يمثل نموذج للحل الفيدرالي الذي يحافظ ايضا على وحدة سوريا؟

هذا الامر مطروح ولكن هناك محددات كثيرة للأزمة السورية وتفاعلات اخرى يجب ان تؤخذ في الحسبان، وتعقيدات في الازمة السورية ذاتها. ولكي يكون هناك ادارة ذاتية حقيقية هناك شروط عديدة، ومن بينها عوامل جغرافية وقدرات وميزانية وموارد ومطارات وغيرها، وشكل الدستور السوري المستقبلي والسلطات التي ستأخذها المناطق السورية المختلفة، ومازالت هذه الامور حتى الان افتراضية لحين التوصل لها، فضلا عن الالتزام بتطبيقها والقدرة على تنفيذ بنود الدستور وغيرها.

  • لماذا في رأيك هناك استدامة للأزمة السورية بهذه الصورة؟

هناك دول كثيرة مسؤولة عن ذلك، ولكن أكثر ما يدهشني هو الدور القطري المشبوه والسيء، فهذه الدولة تقوم بأساليب كثيرة غير مشروعة بتغذية الارهاب وتصدير المفاهيم الاسلامية الخاطئة وزعزعة الاستقرار في الوطن العربي كله، ودعمها للإرهاب وتمويلها لمنظمات ارهابية في سوريا وليبيا، فهذه الدولة الصغيرة او الدويلة تقوم بسياسات مخالفة للواقع التاريخي والجغرافي، فلا يمكن ان تحصل على ما تريده من دور اقليمي، لأنها ليست سوى دويلة صغيرة.

  • كيف ترى تداعيات فوز اردوغان بالانتخابات الاخيرة على الكرد؟

بعد الانتخابات الاخيرة العلاقة بين تركيا-اردوغان والكرد تسوء بشكل تصاعدي، واعتقد سوف تسوء بصورة اسرع، وهذا هو الواقع من متابعتي للشأن الكردي، فهناك هجمات متكررة وضربات ضد الكرد وعمليات وحشية وغارات ضد حزب العمال الكردستاني وتدخل ارضي وجوي وتصعيد كبير، فاليوم اردوغان لن يبدأ فقط رئاسة جديدة، بل هو كان رئيس وسيستمر على سياساته وسيصعدها. ووجهة نظري ان مصر كان يجب ان يكون لها دور قوي جدا في الوساطة بين كردستان العراق والحكومة الاتحادية، وان تكون مصر منخرطة بقوة في المفاوضات بين الاحزاب الكردية وسائر الفصائل المعارضة السورية، وادعو لوجود مؤتمر في مصر لهذه القوى والا نغيب عن الساحة، فغياب مصر والسعودية عن هذا المشهد يعطي الفرصة الكاملة للتدخل التركي والايراني، فلابد من وجود تنسيق مصري سعودي في هذا الصدد.