قال الباحث المصري المتخصص في الشأن التركي بمؤسسة الأهرام إن عملية اعتقال وتسليم أوجلان تمت من خلال صفقة بين النظام التركي والسودان وبعض الدول الأفريقية فضلا عن تواطؤ وتآمر القوى الدولية، دور مصر لم يكن مرتبط بتسليم عبدالله اوجلان علي قدر ما كان مرتبطًا بانها نزاع سياسي كان يتطور إلى صراع عسكري بين تركيا وما بين سوريا.
وشدد أيضا على أن الكرد السويين باتوا يشكلون رقما هاما في معادلة التسوية في سوريا، وأيضا على أنه من الممكن ان يتأسس لحالة لبناء ضغط اقليمي او دولي لدفع الحكومة التركية الي تحسين شروط اعتقال عبدالله اوجلان.
اساليب كثيرة للنضال لجأت اليها الاحزاب والقوى الكردية المناصرة للقائد عبدالله اوجلان، وفي هذا الصدد أكد الدكتور كرم سعيد، الباحث في الشأن التركي، ان الاضراب عن الطعام داخل السجون التركية وموقف المناضلين ليلى كوفن وناصر ياغز، له دور هام للغاية في ذلك.
-هل المؤامرة الدولية التي أدت إلى تسليم أوجلان يمكن ان تستند إلى أي أساس شرعي أو قانوني... ما توصيفكم لهذه العملية؟
صفقة تسليم القائد عبدالله اوجلان بدأت من كينيا، بعدما ألقت وحدات أمن كينيا القبض عليه وتم تسليمه إلي تركيا في فبراير عام 1999، حيث كان الأمر مرتبطًا بصفقة ما بين النظام التركي وما بين السودان وبعض الدول الإفريقية، عبدالله اوجلان تم توقيفه بشكل يستند إلي اتهامات تركيا تدين الرجل بالتورط في جرائم قتل ونهب وغيرها من الاتهامات التي تلقيها عليه تركيا، برغم انه كان يقود صراع مع الدولة التركية من أجل الدفاع عن الاقلية الكردية ومن منطلق البحث عن حقوق الاقلية الكردية التي تمثل نحو سدس الكثافة السكانية في تركيا، وتمثل كتلة تصويتية في كل الاستحقاقات السياسية التي تشهدها تركيا.. هذا الصراع منذ العام 84 بقيادة عبدالله اوجلان تحت مظلة منظمة حزب العمال الكردستاني والتي حظيت بدعم العديد من الدول علي رأسها سوريا، وعندما تم توقيع اتفاقية "أضنة" في عام 1998، كان من ضمن شروط هذه الاتفاقية ترحيل عبدالله اوجلان عن الاراضي السورية، وبالفعل تم ترحيله إلي السودان الي ان تم توقيفه في العام التالي استنادًا الي لائحة اتهامات تركية تدعي اتهامه بخوض صراع مسلح ضد الدولة التركية.
-كيف يمكن كسر العزلة المفروضة على القائد أوجلان في جزيرة إمرالي، وماذا يمكن ان يقدم العرب في هذا الصدد في ضوء العداء التركي لمصالح المنطقة وأمنها؟
اولا كسر حالة الاحتجاز او الحبس الانفرادي الذي يعيشه اوجلان مرتبط ببعدين وهما بعد داخلي مرتبط بدور الكرد في الداخل التركي وبعض نواب الكرد واخرهم ليلي كوفن، قامت بالإضراب عن الطعام لعدة شهور رفضًا للسياسات التركية تجاه عبدالله اوجلان، وهناك بعض النواب الكرد يطالبون بتحسين الاوضاع المعيشية لأوجلان داخل معتقله، وهناك ايضا بعد خارجي مرتبط بجزء كبير بالمصالح السياسية، وهل للعرب مصالح سياسية مع التيارات الكردية الموجودة في المنطقة، لكن الرهان هنا يكون مرتبط مع الكرد في سوريا تحديدًا لانهم اصبحوا يشكلون رقمًا في معادلة التسوية السياسية السورية، ولديهم علاقات قوية مع الولايات المتحدة الامريكية ومع بعض الدول الاوروبية وتحديدا فرنسا، وهناك تواصل ما بين الكرد في سوريا والكرد في تركيا وبالتالي عبر هذا المدخل من الممكن ان يتأسس لحالة لبناء ضغط اقليمي او دولي لدفع الحكومة التركية الي تحسين شروط اعتقال عبدالله اوجلان.
-كيف شارك نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في عملية تسليم القائد للدولة التركية؟
في الحقيقة دور مصر لم يكن مرتبط بتسليم عبدالله اوجلان علي قدر ما كان مرتبطًا بانها نزاع سياسي ما بين تركيا وسوريا في ذلك الوقت، حيث كانت مصر طرف وسيط هي والاردن وبعض الدول العربية كان الهدف من تلك الوساطة هي تسكين اوجاع الازمة السورية التركية في هذا الوقت، لان الامر كاد ان ينقلب ليصبح نزاع عسكري بين البلدين، ونجحت الوساطة المصرية في ذلك الوقت في عقد ما عرف باتفاقية "أضنة" عام 1998، وكان من ضمن بنودها هو ترحيل عبدالله اوجلان عن سوريا ومنح تركيا حق التدخل في العمق السوري بواقع 5 كيلو متر لمواجهة اي ما يهدد الامن القومي التركي بالإضافة الي بنود اخري ترتبط الكرد و لواء اسنكدرون وغيرها، والدور المصري لم يكن الهدف منه تسليم عبدالله اوجلان بقدر ما هو لانهاء نزاع كاد ينقلب إلي مواجهة عسكرية بين البلدين علي خلفية ايواء سوريا لعبدالله اوجلان، وعلي خلفية الدعم السوري للكرد في ذلك الوقت، اضافة الي خلافات تتعلق بلواء الاسكندرون وغيرها ما بين البلدين، وبالتالي التدخل والوساطة المصرية كان الهدف منه انهاء نزاع مسلح فقط.
-كيف ترى مقاومة البرلمانية ليلى كوفن لكسر العزلة عن القائد آبو.. وحملات الاضراب المفتوحة عن الطعام في السجون التركية؟
هذه خطوة رمزية وخطوة معنوية مهمة واستطاعت ان تثير قلق السلطات في تركية ومنذ ايام منعت السلطات التركية مظاهرة من امام منزل النائبة الكردية، واضطرت السلطات الي الافراج عنها ووضعها قيد الاقامة في منزلها، ومثل هذه الامور تحدث خلل في المعادلة السياسية التركية، وبالتالي هذه الافعال برغم رمزيتها تستطيع ان تبني مواقف دولية ومواقف اقليمية مؤثرة علي القرارات التركية وبالتالي هذه المقاومة مهمة من الناحية المعنوية والسياسية وتحمل دلالات انسانية وتستطيع ان تربك الحسابات التركية بشكل شديد.
-كيف انقلب أردوغان ونظام حزب العدالة والتنمية الحاكم على مسار السلام مع الكرد؟
مسار التسوية السياسية للقضية الكردية لم يبدأه اردوغان ولكنه بدأه "تورغوت أوزال" رئيس الوزراء التركي السابق، بالفعل قرر الي تسوية سياسية مع الكرد وقام بعدد من المشاريع في التنمية الاقتصادية في جنوب شرق تركيا واستطاع ان يحقق نوع من الاستقرار لكن موت اوزال في التسيعينات وتولي عقب ذلك حكومات أكثر تشددًا تجاه القضية الكردية ثم مجيء حزب العدالة والتنمية أوائل عام 2002، استطاع ان يقدم خطة لتسوية الازمة ولكن هذه الخطة لم توضع علي موضع التطبيق بشكل كامل، ثم ذهبوا الي تطبيق تسوية اخري في عام 2009 سمية بمفاوضات "أوسلو" السرية بين جمعت ما بين الطرفين، هذه الاتفاقية ايضا قطعت شوط من المفاوضات لكن رغبة الرئيس التركي في ان لا يثير حفيظة التيارات القومية في تركية ادي الي انهيار هذه المفاوضات في عام 2012، الي ان بدأت مفاوضات اخري في نهاية هذا العام وتم منح الكرد جزء من حقوقهم فيما يتعلق باللغة والزي الرسمي وفتح قنوات ناطقة بالكردية لكن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح، لحاجة اردوغان لإعادة حسابته السياسية فيما يتعلق بتحالفه مع الاحزاب القومية في ظل تراجع شعبيته وبالتالي انهارت هذه الاتفاقية تحت تراجع شعبية اردوغان وحاجته الي التيارات القومية، وصعود الواقع السياسي الكردي في سوريا، لان للكرد اصبحوا يمثلوا رقم صعب في معادلة التسوية بالازمة السورية، مما جعله احد الاسباب التي ادت الي زيادة الطموح السياسي للكرد في تركيا وايران والعراق وبالتالي أخذ اردوغان موقف أكثر انحيازًا الي التيار القومي المناهض والرافض لمنح الكرد اي حق سياسي.
-كيف يمكن ان تساهم الافكار الديمقراطية لأوجلان في إيجاد نموذج للتعايش في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط؟
بالنسبة لما يطرحه اوجلان بشأن المسألة الكردية يقوم علي الاساس فكرة منح الكرد حكم ذاتي او الهدف الاكبر ان ينخرط الكرد بشكل كامل في العملية السياسية في البلاد الموجودين فيها، لأنه اذا كان هناك طموح للكرد يتعلق في بناء الدولة الكردية الكبيرة، هذا الحلم الذي تحقق لبعض الوقت في عام 1947، واقامت جمهورية "مهاباد" وهذا الحلم الذي لم يستمر سوي بضعة ايام، والكرد يدركون ان هناك واقع دولي وواقع اقليمي، غير متوافق مع مصالحهم وبالتالي الفكرة هي البحث عن حكم ذاتي لهم والبحث عن انخراط للكرد في الحياة السياسية والاقتصادية داخل البلدان المتواجدين بها، ولكن طموح الانفصال غير موجود، ونري مثال علي ذلك الكرد في سوريا برغم حالة التقدم السياسي والمكاسب التي حققوها خلال الفترة الماضية من تراجع القبضة الامنية السوريا علي الاراضي التي يقيمون بها، وتراجع الاسد، لم يتجهوا إلى المطالبة بالانفصال، بل على العكس من ذلك انخرطوا بجدية في مفاوضات مع دمشق اعتقد انها مدخل هام لمواجهة التهديدات التركية.