خبراء: محاكمة البشير ستكشف علاقاته "المشبوهة" بنظام العدالة والتنمية التركي

قال خبراء ومتابعون للشأن السوداني أن محاكمة الرئيس المعزول عمر البشير ربما تكشف عن علاقاته المشبوهة بحكومة حزب العدالة والتنمية التي حصلت على إمتيازات كبيرة خلال عهده.

في أول محطات العدالة الانتقالية بعد الثورة التي اطاحت بحكمه، مثُل الرئيس السوداني المخلوع، عمر البشير، أمام المحكمة اليوم لمحاكمته في تهم فساد مالي، حيث ذكرت المحكمة أن البشير "اعترف بتلقيه ملايين الدولارات من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة".

ويواجه البشير تهما تتعلق بـ"حيازة عملة أجنبية، والفساد، وتلقي هدايا بشكل غير قانوني".

ولعل اعترافه بذلك قد أثار دلالات عدة حول رغبة الرئيس المعزول في التأثير على المشهد الراهن من خلال محاولة دق إسفين بين النظام الانتقالي الجديد في السودان وحلفاءه الخليجيين، في الوقت الذي كان فيه البشير حليفا للنظامين التركي والقطري، فقد شهد الشهر الذي اندلعت فيه المظاهرات ضد حكمه آواخر العام الماضي توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية بين الخرطوم وأنقرة، وسط حديث عن اتفاقية تمنح الحكومة التركية حق إدارة جزيرة سواكن الاستراتيجية ذات الطبيعية التاريخية على شواطئ البحر الأحمر، ما كان يمثل للنظام التركي أول موطئ قدم حقيقي على البحر الأحمر في ظل مساعيه للتغلغل في أفريقيا.

اتهامات أقل من المتوقع ولا يزال هناك المزيد

وقالت الخبيرة المصرية في الشأن السوداني أسماء الحسيني لوكالة فرات للأنباء ANF، أن هذه المحاكمة ربما جاءت أقل بكثير مما توقعه السودانيون الذين يرى قطاع واسع منهم أن البشير متورط في جرائم كبرى ترقى إلى المسؤولية المباشرة عن جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية خلال سنوات قمعه التمرد المسلح في دارفور وقمعه للعديد من الانتفاضات الشعبية في البلاد، معتبرة أن هذا المسار القضائي سيشهد قضايا عدة تقوم على اساس مجمل جرائمه خلال سنوات حكمه وفي مقدمتها جريمة الانقلاب الذي جاء به الى الحكم الذي تحالف لثلاثة عقود مع الاسلاميين داخل وخارج السودان. وقالت أن علاقات البشير المشبوهة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانت معلومة للجميع، ولكن ربما تكشف المحاكمات اسرارها، فقد فرط في موارد وسيادة بلاده لصالح حكومة حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، وهو ما كان يمثل تهديدا لدول المنطقة التي تضررت كثيرا من التدخلات التركية في شؤونها.

وبدوره، قال الاعلامي السعودي خالد المجرشي لوكالة فرات للأنباء ANF أن "علاقة تركيا بتنظيم الاخوان وحكومة البشير معلومة للجميع، حيث تكفل النظام العثماني بقيادة أردوغان بأن تكون تركيا المعقل الجديد لتنظيم الاخوان الدولي بدعم لوجيستي ومالي من قطر، في الوقت الذي انحازت فيه السعودية للشعب السوداني خلال ثورته وأيدت خيارات الشعب السوداني حتى قرر الشعب مصيره وأزال الطاغية البشير عن الحكم."

واعتبر الاعلامي السعودي إن "ما قاله البشير كلام غير منطقي حول منحه منحة شخصية من ولي العهد السعودي بقيمة 25 مليون دولار، لأن حكومة المملكة تقدم منحها ومساعداتها للحكومة السودانية وهذا أمر معلوم، أما المنح الشخصية فهذا مبلغ كبير جدا على أن يكون منحة شخصية، وهذه الشائعة ما هي الا أباطيل إخوانية مدفوعة الثمن من النظام القطري والتركي اللذين يريدان خلق مشكلة بين الشعب السوداني ودول المنطقة الداعمة للثورة السوانية وخيارات الشعب السوداني".

ما سر الاختفاء التركي عن الساحة السودانية حاليا؟

واعتبرت الصحفية والباحثة في الشأن السوداني صباح موسى أن تركيا حتى الان لم تظهر في المشهد السوداني بعد سقوط البشير بصورة واضحة ومباشرة، على عكس قطر وقناة الجزيرة التي تنشط كثيرا في تغطية احداث السودان وذلك على الخط المعاكس للامارات والسعودية اللتان تدعمان المجلس العسكري نجد قطر تحاول الوقوف مع "الثوار" كما تركز الجزيرة في استضافة المعارضين في تضارب واضح للأجندات الإقليمية.

وأوضحت "موسى" أن "البلاغات المقدمة حتى الان غير معلن بها علاقات البشير الخارجية، اليوم كانت محاكمته عن ضبط ملايين الدولارات بمنزله وهو رد على ذلك اليوم في أولى جلسات محاكمته ان الأموال ليس لديها سجلات صرف ولا يعرف تاريخ وصولها، واشار إلى أن جملة المبلغ المضبوط 25 مليون دولار من ولي عهد السعودية تسلمها حاتم حسن بخيت مدير مكتبه، ومبلغ 30 مليون دولار من العاهل السعودي الراحل، تسلمها مدير مكتبه السابق طه عثمان، مضيفا ان جزءا من الأموال تم تسليمه إلى “عبدالرحيم حمدان دقلو” شقيق حميدتي قائد قوات الدعم السريع.

وأكد في أقواله ان طارق سر الختم "شركة سين للغلال" حول له من المبلغ 5 ملايين جنيه سوداني. كما أن هنالك شيكًا من محمد بن زايد ولي العهد بدولة الإمارات بمليون دولار لكنه لم يتصرف في المبلغ لأن فيه استخفاف به، ولا يعرف أين ذهب الشيك."

"خسارة أردوغان الفادحة في السودان أخرسته عن الحديث في شؤونها"

واشارت موسى إلى أن "الشئ الملفت سكوت اردوغان، لا يوجد اي رد فعل مباشر حتى الان، وياتي التناقض المربك في تناول قنوات الاخوان الموجودة في تركيا للمشهد في السودان فهي ضد البشير والمجلس العسكري بشكل واضح، رغم ان اردوغان متعاطف مع البشير الا ان الاجندة التركية لم تظهر في السودان حتى الان."

وجاءت محاكمة البشير بعد أيام من حفل التوقيع النهائي على وثائق المرحلة الانتقالية بين المجلس العسكري والمعارضة بقيادة تحالف إعلان الحرية والتغيير.

ويرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي محمد حامد أن من الوارد توجيه اتهام للبشير بشأن علاقاته الخارجية، خلال الجلسات القادمة من المحاكمة او ضمن دعاوى قضائية أخرى، وخاصة فيما يتعلق بمحاولته التفريط في جزيرة سواكن الاستراتيجية على البحر الأحمر لصالح حكومة حزب العدالة والتنمية.

وأكد حامد أن تركيا لم تتحدث كثيرا عن الشأن السوداني بعد رحيل البشير نتيجة صدمتها الكبرى من خسارة حليف قوي كالرئيس المعزول، مضيفا: "رحيل البشير كان بالتأكيد خسارة فادحة ومدوية بالنسبة لأردوغان، حتى أن أنقرة لم تتحدث كثيرا حول هذا الأمر لأنها تعلم أنها خسرت خسارة كبيرة ومدوية، فتركيا الأردوغانية كانت تراهن على نظام هش وضعيف ومتهم اتهامات تخالف القانون الدولي، والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وكان حليف أردوغان مجرم حرب ومطلوب للمحكمة الجنائية الدولية".

وحول الخسارة الاستراتيجية التي تعرض لها أردوغان بسقوط البشير، أكد الصحفي المصري محمد حميدة على حسابه بموقع "فيس بوك": "بذلك فشلت تركيا في إنشاء قاعدة في ليبيا وكذلك قاعدة سواكن السودانية".