وأكد الدكتور خالد عكاشة عضو المجلس القومي لمكافحة الارهاب والتطرف برئاسة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حوار لوكالة فرات للأنباء ANF، على الرفض المطلق لأن تكون نتيجة الثماني سنوات من الأزمة السورية هو اقتطاع جزء من الأراضي السورية أو الحديث عن مفهوم مثل المنطقة الآمنة، مشددا على أن ما تقوم به تركيا في الشمال السوري لا يمكن تسميته إلا احتلال عسكري قائم ويفسر أطماع في ضم أراضي بالقوة، ويؤسس للصراع القادم. ولفت عكاشة إلى أن بلاده كانت سباقة في التحذير من خطورة عودة وانتقال المقاتلين الأجانب، مشيرا إلى أن مصر ترى ضرورة تحقيق التعاون في التعامل مع المقاتلين الأجانب من خلال إطار إقليمي ودولي.. فإلى نص الحوار:
- كيف تقيم التحديات الأمنية وأولويات الرؤية الشاملة لمكافحة الارهاب في ضوء الهزيمة المكانية لتنظيم داعش في سوريا والعراق؟
ربما نكون على أعتاب فصل جديد في حياة داعش، داعش الذي كان خلال السنوات الماضية ربما منذ 2011، أي قبل ظهور التنظيم بهذا المسمى، ثم عام 2012 وعام 2013، ثم عام 2014 باعتباره عام الذروة كما يطلق عليه، وفي هذا التوقيت التنظيم وصل لمرحلة سيطرة على الاراضي كانت في اقصى تمدد ممكن لها، والنقلة التي ستحدث بعد انتهاء هذه السيطرة أو هذه القدرة على السيطرة على الاراضي، فنحن نتحدث عن فصل جديد في حياة داعش، صحيح فقد هذه القدرة، وحدثت هزيمة مكانية كما اسميتها، وفي الحقيقة هي تسمية دقيقة، لكن الهزيمة المكانية لن تنسحب على "حياة التنظيم" بل هي ستدخله في طور جديد من أطوار العمل المسلح والخطط التنفيذية التي سيقوم بها على الأرض.
- فيما يتعلق بالمواقف الدولية، هل ترى ان هناك إدراك لأولوية هذه المرحلة، فيما يتعلق مثلا بموقف التحالف الدولي وغيره من الأطراف المعنية بمكافحة الارهاب؟
لا.. في الحقيقة انا انظر لهذا الأمر بتشاؤم والأطراف الدولية حتى الأن، وحتى بعد هزيمة تنظيم داعش، هي لم تحسم خياراتها الاستراتيجية ربما حتى الأن، ومواقفها مرتبكة إلى حد كبير ولا زالت بها قدر لا يستهان به من التخوف والقررارات والمواقف السياسية والعسكرية تتخذ على الأرض ويتم نقضها بعد اسابيع وربما بعد شهور، والقرارات تتخذ وربما يتم اتخاذ قرارات مضادة في نفس التوقيت، وهذه المؤشرات جميعها تدرك عدم ادراك أولوية المرحلة المقبلين عليها.
ابرز الأمثلة عندما نتحدث عن الشمال السوري، هناك ارتباك في التحالف الدولي في عملية صياغة ما بعد هذه الهزيمة المكانية، في بعض الأوقات القوات الأمريكية تعلن انسحابها ثم تعاود مرة أخرى التمسك بالتواجد، وتحاول ان تضفي عليه طابع الرمزية وطبيعة الأرض والأوضاع والمعادلات على الأرض تجعلها تجد نفسها أنها أمام حاجة إلى زيادة عددية للمقاتلين والمعدات وغيره، والمعضلة الأساسية والتي ستلقي بظلالها على المشهد القادم، هو أن النزاع على سوريا حتى الأن لم يحسم أمره، ولا يمكن الحديث عن طرف انتصر وطرف تلقى هزيمة، والخروج بهذه النتائج المتوازنة في اغلبها يؤسس لشكل آخر من اشكال الصراع واستدامته.
ما تقوم به تركيا هو أخطر ما يؤسس للصراع القادم
- في سوريا نتحدث عن قوى اقليمية طامعة في مقدرات الشعب السوري وتحاول ايجاد مظلات أو مفاهيم مغلوطة كذريعة لتدخلها مثل موضوع المنطقة الآمنة، هل ترى ما تتحدث عنه على سبيل المثال تركيا او انها وفقا لاتفاقية أضنة مسموح لها بالتدخل في الشمال السوري أو العراقي.. كيف تقيم ذلك في ضوء مفهوم الأمن القومي العربي؟
هذا أبرز النماذج على مفهوم التشوه الاستراتيجي التي تقع فيه الاطراف الاقليمية على وجه التحديد اكثر من القوى الدولية، وهذا تجاوز كبير ما تقوم به تركيا، والحاح على مفهوم ومصطلح يتم الترويج له منذ بداية 2018 وحتى اليوم في 2019 لا يوجد أحد داخل أو خارج سوريا لديه القناعة بمبررات وجود هذه المنطقة الآمنة داخل سوريا، ولا يوجد على الاطلاق توافق حول هذه المنطقة بين الاطراف الموجودة، ناهيك عن النظام السوري والشعب السوري نفسه، حتى بفرضية لاتخاذ خطوات، وتركيا بالفعل نجحت في اتخاذ خطوات، لصناعة مثل هذه المنطقة الآمنة أو فرضها كأمر واقع، هو أخطر ما يؤسس للصراع القادم، هو يؤسس لصراع إلى مدى اكبر، ولن تقبل اطراف عديدة جدا داخل سوريا وخارجها وجود تركيا داخل الاراضي السورية وصناعة ما تحاول ان تطلق عليه المنطقة الآمنة، واذا دخول على هذا المفهوم ونحن نتحدث عن انتهاء الصراع في سوريا، فهو مفهوم مغلوط بل بالعكس الدخول على هذا المفهوم يفتح الصراع ولا يساهم في انهاءه على الاطلاق، ويضرب التوافق الداخلي السوري في الصميم لو كان نتاج الثماني سنوات هو اقتطاع أراضي من الوطن السوري والسيطرة عليه من قبل تركيا على وجه التحديد.
ولا نذيع سرا، بأن الجميع ينظر لتركيا التي تجلس في مؤتمر سوتشي وأستانة وغيرها كراعية للمليشيات المسلحة والتنظيمات الارهابية وتجلس على مقعد لتمثل التنظيمات الارهابية ولتتحدث باسمهم في المحافل، وهذا الأمر ليس سرا على الاطلاق. ولا يمكن السماح لدولة اقليمية، لعبت هذا الدور، ان تكون دولة مؤسسة لما بعد الدولة السورية، هذا شيء لا اعتقد ان احدا سيقبل به.
تركيا دولة احتلال
- بالفعل تركيا قامت بالعديد من الخطوات والتغيير الديموغرافي والتهجير والنهب وغيره، ومحاولة ايجاد اذرع عسكرية لها في المدن السورية، ما هو توصيفكم لذلك.. هل ما تقوم به تركيا في شمال سوريا يمكن ان نسميه احتلالا بالفعل؟
هو يسمى احتلال، وجود قوات عسكرية وآليات ومعدات عسكرية على اراضي دولة اخرى هو ليس له تعريف سوى الاحتلال وليس له تفسير سوى انه احتلال عسكري، سواء سينظر إليه على انه مؤقت أو دائم أو يفسر اطماع في احتلال هذه الاراضي أو ضمها بالقوة أو غيره.. كل أو مثل هذه النماذج مجتمعة لا توصف الا بكونها احتلال عسكري.. قولا واحدا، ولذلك لم يخجل القادة العرب جميعهم ولم يتحدث احدهم الا بلهجات مباشرة التدخلات الاقليمية ومواطئ الأقدام ومواطئ النفوذ، وتحدث عن ذلك ربما الرئيس عبدالفتاح السيسي بلهجة هي الأوضح والأبرز، ولكن الامر تحدث عنه الكثير من القادة والرؤساء العرب حول ان هذه الأمور غير مقبولة وتتخذ الكثير من الاشكال، ولكنها غير مقبولة وفي النهاية لن يصح الا الصحيح، وستكون هذه التحركات والمساعي من دول اقليمية اخرى سواء تركيا او غيرها، ستكون سحابة تمر مثل كثير مما مر على الدول العربية وسيعود الأمر إلى نصابه.
مصر كانت سباقة في التحذير من خطورة المقاتلين الأجانب
- هناك ايضا انشغالا فيما يتعلق بمعركة مكافحة الارهاب، بمسألة مصير المقاتلين الاجانب.. فهناك دول تتلكأ ودول تختلف مع بعضها بشأن هؤلاء المقاتلين الاجانب والقادمين من اكثر من 40 دولة ويقدر عددهم بنحو 100 مقاتل، ومصر لها خبرة في التعامل مع العائدين من افغانستان وما شابه، فما هي ملامح التصور المصري لهذا الامر، وهل نحن في مصر معنيين بفكرة المقاتلين الاجانب، ويشغلنا على نحو وطني.. أو هل من بينهم مصريين؟
هذا الأمر بالطبع يشغلنا وهو في أولويات وأهم اهتمامات الدولة المصرية ربما مصر تحتفظ لنفسها بحق السبق ان منذ عامين كاملين، وقبل اي من الاطراف يتحدث عن عودة او انتقال المقاتلين، ومصر تضع المصطلحين بجانب بعضهما البعض، لأن الخطر ليس متعلقا فقط بعودة المقاتلين ولكن على سبيل المثال مصر لديها اقل عدد ممن هم منخرطين في صفوف التنظيمات الارهابية، ولكن هناك دول كثيرة لديها اعداد اكبر، هناك 10 كاملة وفق الاحصائيات العالمية تسبق مصر في عدد المقاتلين، والهاجس المصاحب.. وربما لهذا السبب مصر تصر على دمج مصطلح انتقال المقاتلين بجوار العائدين، ان هناك نقل حقيقي يحدث لهذه المجموعات وهذه المليشيات من ساحة صراع لساحة صراع اخرى لإنتاج مزيد من التهديد ومزيد من العمل الارهابي وتأمين حياة هؤلاء.
لماذا مصر تحتفظ لنفسها بحق السبق؟ لأن منذ عامين كاملين، والرئيس عبدالفتاح السيسي في اول زيارة له لفرنسا في عهد الرئيس الحالي، تحدث في المؤتمر الصحفي المذاع والمعلن وأفرد مساحة مهمة جدا للرد على وسائل الاعلام وهم يسألونه حول المهددات القادمة، فقال انتقال المقاتلين وعودتهم واشار لنقطتين على وجه التحديد، لم يكن الكلام عام، بل محدد، وهو أن سيناء وليبيا نقطتين مرشحتين بقوة لتحريك التنظيمات او مجموعات منهم أو من يتلقون الهزيمة ويتم استرداد الارض منهم سواء في العراق او في سوريا، ان ينتقلوا الى هذه البؤر ويعيدوا انتاج الخطر مرة أخرى.. كلمة أخيرة، السياسة المصرية أو ما يمكن ان نطلق عليه استراتيجية مصرية للتعامل مع هذا الملف.. اعتقد انه سيكون في سياق دولي او في سياق اقليمي لم يتشكل حتى الأن لأن حتى الأن لم تضع عمليات المكافحة أوزارها، حتى الأن المسألة تتطلب أكبر من هكذا دراسة وتبيان للمواقف، من سيساعد ومن سيعمل بشكل مشترك وبشكل فعلي وايجابي في محاصرة هذا الملف او علاجه من الدول، حتى تعلن مصر تحركاتها وخطواتها، ولكنها أبدت استعداد للدخول مع كافة الأطراف المعنية بمتابعة هذا الملف والحد من أخطاره، ويكون هذا شكل من اشكال المواجهة مع الإرهاب خلال الفترة القادمة.