الخطوة التي فسرتها وسائل وسائل اعلام عالمية باخر تطور يعكس التوتر بين الحكومتين السعودية والتركية، وهي توجيه النائب العام التركي اتهاما جنائيا لشخصيات سعودية على خلفية قضية الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي.. يؤكد مصادر على صلة بالأمر ان سببها الرئيس يرجع إلى خشية الحكومة التركية من الهجوم الاعلامي على أداء حكومة أردوغان المثير للجدل في التعامل مع جائحة كورونا.
وقالت وكالة رويترز "تأتي الخطوات المتبادلة فيما يبدو بعد أربعة أسابيع من اتهام الادعاء التركي 20 سعوديا بقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين أنقرة والرياض"، لكن العديد من المصادر المطلعة على الأمر أكدت لوكالتنا أن الخطوة التركية مرتبطة بشكل مباشر بتفاقم جائحة كورونا والانتقادات التي تتعرض لها الحكومة التركية بشكل متواصل في وسائل الاعلام العربية الرئيسية التي تتخذ من دبي والرياض والقاهرة واسطنبول وأنقرة ولندن مقارا لعملها.
ولم تعلق أي من الحكومتين التركية والسعودية على الواقعة، وتواصلت وكالة فرات للأنباء ANF مع عدد من الخبراء والمراقبين المقربين من حكومة أنقرة الذين رفضوا التعليق نظرا لحساسية الموقف، فيما أكد أستاذا جامعيا تركيا مقرب من حكومة أردوغان إن هناك تعليمات وجهت للمعلقين الاتراك المعتادين بوسائل الاعلام العربية "بعدم الحديث في الموضوع حاليا".
وقال مصدر عربي يعمل مستشارا خاصا لدى حكومة حزب العدالة والتنمية لوكالة فرات للأنباء ANF إن "قرار حجب المواقع السعودية في تركيا جاء على خلفية امتلاك السعودية والامارات لوسائل اعلام اقليمية مؤثرة ومعظمها ينشر نسخا من أعماله باللغة التركية ويتوسع في ذلك خلال الفترة الأخيرة، وهذه الوسائل الاعلامية كان لها دور رئيس في كشف القرارات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة التركية في مواجهة جائحة كورونا، فضلا عن مساهمة العديد من الاعلاميين العرب من خلال عملهم بمكاتب تلك الوسائل الاعلامية في تركيا في كشف حقيقة الأزمة في ظل تعتيم تركي حول تداعيات القرارات الكارثية التي اتخذها أردوغان وحكومته وساهمت في انتشار الوباء لتصبح تركيا أسرع الدول انتشارا للمرض بعدما كان الرهان الحكومي على احتواء الأمر خلال اسابيع."
وبحسب المصدر المقرب أيضا من الحكومة القطرية، فإن القرار كان قد تم نقاشه ودراسته منذ فترة، لكن العديد من المسؤولين عن الأمر كانوا يراهنون على احتواء الخلافات مع السعودية وبقاءها في حدود معينة بعيدا عن الهجوم المباشر على السياسات الداخلية في البلدين، وبعضهم يرى ان الخطوة ربما يكون لها تداعيات عكسية على وسائل الاعلام التركية، فضلا عن إمكانية تصعيدها لنبرة الهجوم الاعلامي العربي على تركيا. وذكر صحفي يعمل لدى شبكة تي أر تي التركية إن الحجب يشمل ليس فقط وسائل الاعلام السعودية والاماراتية ولكن ايضا بعد المواقع الممولة من البلدين، موضحا أنه حتى الأن لا توجد قائمة نهائية بالمواقع التي تعرضت وستتعرض للحجب، مضيفا "ابرز المواقع حتى الان هي: إندبندنت التركية، العربية، سكاي نيوز، الاخبارية السعودية، عكاظ، واس، وام".
واتخذت تركيا العديد من القرارات للرقابة على الانترنت في ظل جائحة كورونا التي اصبحت تمثل بتداعياتها الاقتصادية والسياسية تحديا رئيسيا أمام المستقبل السياسي لحكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، والذي يتعرض لانشقاقات كبيرة نتج عنها ظهور العديد من الاحزاب المعارضة التي يقودها حلفاء أردوغان السابقين، فضلا عن أزمات داخل الحكومة التركية تكررت مع اقالة وزير النقل وتهديد وزير الداخلية التركي الذي يمثل أحد اركان الدولة التركية العميقة سليمان صويلو بالانشقاق عبر الاستقالة التي رفضها أردوغان.
ومع تصاعد الخلافات التركية الخليجية، وخاصة في ظل الهجوم التركي المستمر على المملكة، تجددت دعوات مقاطعة تركيا في الخليج والسعودية على وجه خاص. ففي مقال بصحيفة عكاظ السعودية، دعا الأمير بدر بن سعود بن محمد آل سعود إلى مقاطعة وسائل الاعلام التركية وحجبها، وفي مقاله المعنون "الصفر التركي"، قال الأمير السعودي: "الأصفار ومحطات الفشل والتأزم التركية كثيرة، وحجب مواقع الإعلام التركي العربي مفيد كحل مؤقت، والمفروض أن نبحث عن حل دائم، ولعل الأنسب هو معاملة الأتراك بالمثل، ونقل المعركة إلى أرض الخصم، ويكون ذلك بالعمل على إيجاد منابر إعلامية سعودية ناطقة بالتركية، والاستعجال في تشغيل مشروع موقع الإندبندنت الناطق باللغة التركية، والذي استحوذت على حقوقه المجموعة السعودية للأبحاث والنشر قبل ما يقارب السنة"، وقد جاء قرار الحجب التركي بعد اسبوع من نشر مقال الأمير بدر بن سعود. وتستعد المجموعة السعودية للأبحاث والنشر لإطلاق شبكة بلومبرج الشرق خلال أيام، كنسخة شرق أوسطية من وكالة بلومبرج الأمريكية، وتتخذ من دبي مقرا رئيسيا لها.
وتعرض موقعي وكالة الأنباء السعودية "واس" ووكالة أنباء الإمارات "وام" وأكثر من 12 موقعا آخر للحجب، حيث تظهر لروادها في تركيا رسالة تقول إن هذه المواقع تم حظرها بموجب قانون يحكم المنشورات على الإنترنت في تركيا.
كان الموقع الإلكتروني لصحيفة الإندبندنت باللغة التركية ومقره بريطانيا، الذي تديره شركة سعودية، أحد المواقع التي تم حظرها يوم الأحد، ولم يعلق محمد زاهد جول الكاتب والباحث التركي الذي يتولى رئاسة تحرير إندبندنت تركي، عن اسباب الحظر، لكنه قال إن الخطوة تعكس التوتر السياسي بين السعودية وتركيا.
ونقلت وكالة رويترز عن رئيس التحرير نيفزات جيجيك، قوله "نعتقد أن التوتر بين السعودية وتركيا انعكس علينا". وأضاف أن قرار يوم الأحد بدا "ردا انتقاميا على السعودية.
كانت السعودية حجبت عددا من المواقع الإعلامية التركية قبل أسبوع، بما في ذلك موقع هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية (تي.آر.تي) ووكالة الأناضول للأنباء المملوكة للدولة التركية، والتي عادة ما تتناول اخبار سلبية عن المملكة بشأن علاقاتها بتركيا وكذلك الحرب في اليمن وليبيا والعلاقات مع قطر.
وتصاعد التوتر بشدة بين تركيا والسعودية، على خلفية استغلال أنقرة جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر تشرين الأول 2018، والتي صدر بها عقوبات مشددة ضد المتورطين فيها.
وينبه رئيس رابطة مهنية سعودية مختصة في المجال الاعلامي إلى أن من بين اسباب التوتر الاعلامي ما كشفته مؤخرا وسائل الاعلام التركية من تدخلها بصورة من صور الدعاية السوداء في الملف اليمني، وسط اتهامات لتركيا بتعزيز علاقاتها بفرع الاخوان في اليمن مؤخرا، وهو الملف الحساس بالنسبة للأمن الوطني السعودي.
ويرى منتقدو أردوغان الحظر على المواقع الأجنبية خطوة أخرى إضافية لإسكات الأصوات المعارضة لسياساته في الداخل والخارج.
دعوات المقاطعة تتجدد في ظل كورونا
وفي مقاله الذي يرى البعض أنه كان من بين اسباب اشتعال التوتر الاعلامي، اشار الأمير بدر إلى "دعوات وجهت من قبل شخصيات سعودية مؤثرة ومستقلة في منصات التواصل الاجتماعي، وفيها مطالبة بحجب مواقع الإعلام التركي الناطق بالعربية على الإنترنت، وعلى رأسها وكالة الأناضول التركية، علاوة على قطع العلاقات بكل أشكالها مع نظام أردوغان، وتسفير الأتراك العاملين في المملكة، والتوتر بدأ بعد الانحياز التركي للريال القطري في مواجهة دول المقاطعة الخليجية، وكان هذا في الربع الثالث من سنة 2017، وقد صاحب ذلك وفي نفس العام تراجع حاد في عوائد السياحة التركية، ومن ثم انهارت الليرة التركية أمام الدولار في أغسطس 2018 وبنسبة 30 في المئة."
وتابع الأمير السعودي: "حزب العدالة والتنمية الإخونجي يتحكم بمفاصل الدولة التركية، وخلافه مع المملكة بمنهجها السلفي، خلاف وجود ومدارس فكرية، ولا يقبل إلا الإلغاء التام للآخر المختلف، ويعتمد على سياسة الأحداث المصنوعة أو المفبركة (السودو إيفنتس) في محاولاته لاستهداف مشروعات الرؤية وعرابها، والمحتوى العربي في الإعلام التركي يتحرك على خط تحرير واحد مع الجزيرة القطرية والواشنطن بوست الأمريكية، وبطبيعة الحال، حالة الانسجام التركي القطري قائمة على أكتاف جماعة الإخوان من عرب الشمال في الحاضنة القطرية."
وتأكيدا لما ذكرته المصادر حول علاقة تفاقم الأزمات المتعلقة بفيروس كورونا بقرار حجب المواقع التركية، اشار الامير السعودي في مقاله المنشور بصحيفة عكاظ إلى أن "تركيا أردوغان لم تأخذ أزمة كورونا بالجدية الكافية، ولم يوفق إعلامها الإلكتروني الناطق بالعربية في وصف الإجراءات الاحترازية التي قامت بها المملكة، منتصف آذار مارس الماضي، عندما اعتبرها مبالغة وتعطيلاً لدورة الحياة الاجتماعية ورعباً غير مبرر، وتصرف تركيا غير المسؤول قادها إلى رعب حقيقي تصعب السيطرة عليه، خصوصاً وأن الأتراك ما زالوا يتجولون في شوارع إسطنبول بالملايين، ويستخدمون النقل العام والخاص بحرية تامة، وقد تجاوزت الوفيات التركية حاجز الألف إنسان ووصلت الإصابات المؤكدة إلى 50 ألفاً، بينما لا تزال الوفيات السعودية دون المئة، والإصابات في حدود الأربعة آلاف."
وفي مقال لكاتب خليجي آخر في صحيفة العين الاماراتية التي تنشر ايضا نسخة باللغة التركية، قال محمد نافع إن حجب المواقع التركية "يمثل البداية فقط"، مؤكدا ايضا ارتباط الحرب الاعلامية الراهنة بتداعيات جائحة كورونا، قال الكاتب: "وحتى تعرفوا كمية الحقد التي يخفيها الإعلام التركي تجاه المملكة، فقد نشر أحد المواقع الإعلامية الحكومية التركية تغريدة في حسابه الرسمي يشمت فيها بإصابة العديد من الأشخاص بفيروس كورونا المستجد، ووصف ما تقوم به المملكة من إجراءات احترازية بأنها تسببت بالرعب للشعب السعودي، ودوما كان يتباهى الإعلام التركي في بداية انتشار الوباء عن خلو تركيا من أي إصابة.. انظروا الآن ماذا حصل في تركيا في وقت قصير جدا، عشرات آلاف من الإصابات وارتفاع كبير بعدد الموتى، مما جعل الحكومة التركية تصدر أمرا بحظر عشرات المدن بشكل طارئ كي توقف انتشار الوباء والذي تسبب بشلل اقتصادي، مما فاقم الوضع سوءا رغم ضعف الاقتصاد قبل كورونا، إلا أن كورونا تسبب في مواصلة انهيار الليرة التركية حيث وصلت بالقرب من 6.8 لكل دولار، وهذا سوف يزيد الطين بلة على وضع صعب جدا في اقتصاد تركيا."
وتابع: "بدلا من أن يقوم الإعلام التركي بمعالجة ما تشهده تركيا من فوضى وضعف اقتصادي وحالات الإصابات وموت الناس في الشوارع، بدلا من ذلك يركز الإعلام التركي على الإساءة للمملكة العربية السعودية بشكل سافر، وهذا إن دل على شيء فيدل على ما يحمله أردوغان من حقد كبير على المملكة العربية السعودية وقادتها."