"من جنوب كردستان إلى شرقها.. ومن شمالها إلى غربها.. هو شاعر سنوات طويلة من المقاومة والنضال.. في إيران, حينما أخذت السلطات الفتاة الكرديّة شيرين ورفاقها إلى منصّة الإعدام. كان شيركو بيكس قد وجّه قلبه نحو تلك المنصّة قبلهم"..
بهذه الكلمات, استهلّ الرئيس المشترك للمجلس القيادي لمنظومة المجتمع الكردستاني KCK, جميل بايك حديثه لوكالة فرات للأنباء ANF عن صداقته الطويلة مع الشاعر الكردي شيركو بيكس, وذلك في الذكرى السادسة لرحيله.
ويشرح بايك قصّة تعرّفه على بيكس قائلاً: "في العام 1994, كانت علاقاتنا مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جيّدة جدّاً, وكانت لنا روابط متينة مع مسؤول العلاقات الخارجيّة في الحزب, ماموستا جتو. وفي سهرة معه, ناقشنا عظمة الشاعر شيركو, حينها طلبت منه أن يعرّفني عليه, وكان لنا ذلك في جلسة عشاء بمنزل في السليمانيّة, وكما يقول فيلسوف يونانيّ بأنّ ’الطاقة التي يملكها شاعر أو موسيقيّ أكبر من الطاقة التي يملكها قانونيّ’, هكذا وصفت شيركو. فالمجتمع الذي يملك مثقّفين وأدباء على درجة عالية من المسؤوليّة حول قضايا الشعب, بالتأكيد هو مجتمع ناضج, وهكذا عرفت شيركو بيكس, شاعراً ملتزماً بقضيّته, قبل أن أتعرّف عليه شخصيّاً. ونحن في حزب العمّال الكردستاني, لسنا حركة سياسيّة فحسب, بل لدينا أفكار حول تغيير بنية المجتمع نحو الأفضل دوماً. وكان لدى بيكس هذه القناعة حول نضالنا في الحزب, وقد تحدّثنا خلال تلك السهرة حول النضال الذي يقوده حزبنا في سبيل التغيير المجتمعي وكانت له آراء إيجابيّة جدّاً حيال ذلك".
ويوضح بايك أهمّية دور الأدباء والفنّانين في إحداث التغيير في ذهنيّة المجتمع والارتقاء بوعيه النضالي في سبيل نيل حقوقه "على مرّ تاريخ الشعوب, الأدباء والفنّانون هم الثوّار السبّاقون في عمليّة التغيير. وفي تاريخ نضال الشعب الكردي, الذي تعرّض لحربٍ شعواء استهدفت وجوده وثقافته, كان لأولئك دوراً كبيراً في الحفاظ على القيم الكرديّة, من الناحية الإيديولوجيّة والميراث الثقافي. عالم الشعراء والأدباء عالم واسع جدّاً, لا يمكن إبقاءه في قالب ضيّق, فالثقافة والفنّ تنبعان من المجتمع, وليست أمور شخصيّة, وهذا الخصلة امتلكها شيركو بيكس, لذا دخل إلى وجدان عموم الشعب الكردي, وبالنسبة له, كان تأثير القائد أوجلان على أفكار الشعب الكردي وشعوب الشرق الأوسط بالعموم حاجة ماسّة.
في رحلة بحثه عن التغيير المجتمعي, وجد شيركو بيكس أفكاراً مشابهة لأفكاره لدى حزب العمّال الكردستاني, وجدها لدى فكر وفلسفة القائد أوجلان, الذي رفض أن يبقى المجتمع تحت قوانين مجتمعيّة تبقيه في حالة التخلّف والرجعيّة.
هكذا بدأت علاقتنا مع الشاعر شيركو, وظلّت كذلك على الدوام. كلّما كنت أتوجّه إلى السليمانيّة, كان اللقاء مع شيركو بيكس في رأس قائمة أولويّاتي, وكنت أشعر بالسعادة والفخر دوماً حينما كنت ألتقي به, وكنت دوماً أستمدّ منه المعنويّات العالية. وكما شخّص القائد أوجلان كلّاً من الأدب والفن كأديان ميتافيزيقيّة, فإنّ دور الأدباء والشعراء كان هو الأهم في تغيير المجتمع".
وحول تأثير الخلافات السياسيّة على العلاقات مع شيركو بيكس, يشير بايك إلى أنّ شيركو كان يملك علاقات جيّدة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني, و"طالما كانت علاقاتنا مع هذه الحزب جيّدة ومتينة, لكن بسبب المتغيّرات التي كانت تطرأ بين الفينة والأخرى, شهدت علاقاتنا توتّراً في فترة ما, وكان لشيركو موقف من ذلك, وأعلن عن موقفه, ونحن من جهتنا تفهّمنا موقفه واحترمناه. ولم تؤثّر خلافاتنا مع الاتحاد الوطني على علاقتنا بشيركو بيكس, الذي من جهته ثمّن هذا الاحترام عالياً, وحاول على الدوام أن يعيد المياه إلى مجاريها بيننا وبين الاتحاد الوطني.
استطيع القول وبكلّ ثقة أنّ لدى بيكس شخصيّة عادلة, وذهنيّة منفتحة كانت تقبل كافة الاختلافات في وجهات النظر, ولم يكن يقبل بالظلم أبداً, وكان السبّاق في محاولاته لإيجاد حلّ الخلافات على الدوام. لذا اعتبره مثالاً على المثقّف الكردي الذي يجب أن يقتدي به كافة المثقّفين الكرد. فهو خير مثال على إبداء مواقف عادلة من أيّ خلاف كان يطرأ بين الأطراف الكردستانيّة, ولهذا كنا نحترمه دوماً".
ويلفت الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني أنّ علاقاتهم مع شيركو بيكس لم تنقطع يوماً بل "كنّا على تواصل دائم. كان يرسل لنا قصائده وكتبه التي كان يوقّع عليها. كانت بيننا رسائل صوتيّة. ودوماً كان ينقل لنا آراءه وانتقاداته التي كنّا نتقبّلها بصدر رحب.
وفي إحدى نقاشاتنا, اقترح شيركو بيكس أن يجمع الشعراء, الكتّاب, الروائيّين والفنّانين من جنوب كردستان على طاولة نقاش معنا في قنديل, هذا المقترح كان محلّ إعجابنا وقبولنا, لكن للأسف بسبب مرضه لم نتمكّن من عقد الاجتماع.
آلمني جدّاً مرض شيركو بيكس, وما يحزّ في نفسي أنّ رسالتي وصلته حينما اشتدّ عليه المرض, ولم يتمكّن من قراءتها. وصلت الرسالة إلى عائلته, ولو تمكّن من قراءتها في لحظاته الأخيرة, لكنّا تقاسمنا مشاعرنا معه وكان الأمر عزاء لي على فقدانه.
بعد رحيله, طلبنا من كافة مجلّاتنا وصحفنا أن تستذكر الشاعر الكبير وأن تنشر قصائده على الدوام إلى جانب التعريف به في كلّ الأعداد, كي يظلّ في ذاكرة الشعب الكردي.
يجب أن يعرف أبناء شعبنا هذه الحقيقة: القائد أوجلان كان يرى الشاعر شيركو بيكس إنساناً رائعاً وشخصاً جديراً بالاهتمام. وهذه ميّزة لدى القائد أنّه كان يولي المثقّفين والأدباء أهمّية كبرى لأنّه كان يعرف أنّهم محور التغيير في المجتمع وهم من يستطيع أن يقود النضال لدى الشعب".
ويرى بايك أنّ شيركو بيكس لم يكن شاعراً فحسب, بل كان "محارباً في سبيل الحرّية أكثر من كونه شاعراً, كان يعي حقيقة دوره الهام في المجتمع, وكان يسعى دوماً إلى لعب دوره على أكمل وجه. حيث كتب القصائد لأجل الحرّية وتغنّى بالمقاتلين في سبيلها. في تاريخ نضال كردستان, إذا لم يكن هناك مقاتلون لأجل الحرّية, فلمن سيكتب الشعراء قصائدهم؟ ولمن سيغنّي الفنّانون أغانيهم؟. هكذا كان يقول شيركو على الدوام, وموقفه ممن يبتعد عن النضال في شبيل شعبه كان موقفاً صادقاً وكذلك ممن يناضل أيضاً. شيركو بيكس احتلّ مكانة قيّمة لدى الشعب الكردي لأنّه كان شاعر المقاومة, النضال, الجبال.. كان شاعر الطبيعة والهواء وكلّ ما يمتّ للكرد بصلة.. سيبقى حيّاً في ذاكرة كردستان".
ويختم جميل بايك حديثه بالقول: "مضت 5 سنوات بدون شيركو بيكس.. الفراغ الذي تركه خلفه واضح ونحن نتلمّس هذا الفراغ الذي تركه بغيابه عنّا. في ظروف صعبة كالتي نعيشها الآن, نحن أحوج إلى شاعر بمرتبة شيركو, الذي كان شاعر القيم المعنويّة لدى الشعب الكردي. وفي هذه الأيّام التي تشهد ذكرى رحيله عنّا, نعاهد أنفسنا بأنّ ذكراه ستبقى في قلوبنا وضمائرنا ما حيينا. شيركو كان توّاقاً لأن تتحقّق وحدة الصفّ الكردي وكان ساعياً لأجل تحقيق هذه الرغبة بكلّ طاقاته. ونحن من جانبنا, نعتقد بأنّنا سنتمكّن من تحقيق رغبات شاعرنا الكبير, وسنحقّق وحدتنا القوميّة, وهذا مطلب عموم أبناء شعبنا الكردي".