توفيق شومان: الإعلان التركي عن المساعدة والمبادرة الفرنسية لا يمكن فصلهما عن صراع النفوذ بينهما حول شرقي البحر الأبيض المتوسط

قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي اللبناني، توفيق شومان، إن العرض التركي بالمساهمة في إعادة إعمار مرفا بيروت، قرأه اللبنانيون باعتباره محاولة لمد النفوذ التركي إلى لبنان، لذلك لم يتجاوب اللبنانيون مع هذه الدعوة.

وأشار الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، توفيق شومان من خلال حوار مع وكالة فرات للانباء ANF بأنه عندما زار رجب طيب أردوغان لبنان قبل عدة سنوات، زار القرية اللبنانية  الوحيدة التي تتكلم  اللغة التركية، وهذا كان مؤشراً على غلبة البعد القومي على سياسة أردوغان الخارجية، وتندرج مساعي تجنيس بعض اللبنانيين في هذا السياق، أي اتخاذ الجذور العثمانية ركنا لتوسيع مجال السياسة الخارجية منوهاً بأن الإعلان التركي عن المساعدة والمبادرة الفرنسية، لا يمكن فصلهما عن صراع النفوذ بينهما حول شرقي البحرالأبيض  المتوسط.

وإلى نص الحوار:

-في الرابع من آب اغسطس هز انفجار عنيف مرفأ بيروت مخلفاً دماراً شديداً نتيجة انفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم. يقال بأن هناك تحقيقات تجري حالياً حول الموضوع وحول مصدر الأمونيوم ومن قام بتخزينه.. إلى أين وصلت هذه التحقيقات؟ وهل بدأت حيثياتها تظهر؟

حتى الآن، لم تتوصل التحقيقات  حول انفجار مرفأ بيروت، إلى شيء، وعلى الرغم من  توقيف السلطات اللبنانية 25 مسؤولاً معنياً بإدارة المرفأ، إلا أن نتائج التحقيق ما زالت مجهولة، علما أن محققين أميركيين وفرنسيين وإيطاليين شاركوا ويشاركون في عمليات التحقيق، ومؤخراً أنهى فريق التحقيق الأمريكي عمله ولم يصدر عنه سوى تسريبات إعلامية تقول إن أسباب الإنفجار غير تخريبية ولم يتعرض المرفأ لأعمال تفجير، مما يعني أن الإنفجار وقع بسبب الإهمال المتمادي وانعدام المسؤولية.

هنا لا بد من الإشارة إلى أن السلطات اللبنانية كانت وعدت بإنجاز التحقيق خلال خمسة أيام بعد وقوع الإنفجار، طبعا لم يحدث هذا، وأغلب الظن أن التحقيقات لن تصل إلى شيء، مثلها مثل تحقيقات أخرى هزت لبنان وبقي الفاعل مجهولاً.

-بعد وقوع الانفجار سارعت عدة دول لتقديم المساعدة وعرض خدماتها على اللبنانيين، ومنها الدولة التركية والدولة الفرنسية. كيف تقيمون هاتين المبادرتين وماهي أهدافها برأيكم؟

عدا عن المساعدات الإنسانية العاجلة التي تلقاها لبنان من مختلف دول العالم،  فإن العرض التركي بالمساهمة في إعادة إعمار مرفا بيروت، قرأه اللبنانيون باعتباره محاولة لمد النفوذ التركي إلى لبنان، ولذلك لم يتجاوب اللبنانيون مع هذه الدعوة، فيما لقت المبادرة الفرنسية ترحيباً من قبل كل الأطراف اللبنانية، ومهما يكن فإن  الإعلان التركي عن المساعدة، وكذلك المبادرة الفرنسية، لا يمكن فصلهما عن صراع النفوذ بينهما حول شرقي البحر المتوسط.

-هنالك منظمات تركية أتت إلى لبنان بذريعة تقديم المساعدة والدعم للبنانيين، وأيضا جاء مسؤولون أتراك إلى لبنان وتحدثوا عن قضية تجنيس اللبنانيين من أصول تركية، كيف تقيمون هذا التدخل وهكذا تصريحات؟

عندما زار السيد رجب طيب أردوغان لبنان قبل عدة سنوات، زار القرية اللبنانية  الوحيدة التي تتكلم اللغة التركية، وهذا كان مؤشراً على غلبة البعد القومي على سياسة أردوغان  الخارجية، وتندرج مساعي تجنيس بعض اللبنانيين في هذا السياق، أي اتخاذ الجذور العثمانية ركنا لتوسيع مجال السياسة الخارجية، وهي السياسة التركية نفسها التي يتم اعتمادها في العراق وسوريا وحتى ليبيا، وفي مختلف الأحوال، فإن أنقرة تعمل على توسيع نفوذها في دول الإقليم ومن ضمنها لبنان، إلا أن هذه السياسة تلقى اعتراضاً واسعاً من أغلبية اللبنانيين.

-زار الرئيس الفرنسي لبنان بعد حادث التفجير وحدد 15 سبتمبر موعداً نهائيا لتشكيل حكومة لبنانية قبل تقديم أي دعم للبنانيين، لكن موعد 15 سبتمبر النهائي والذي وعد السياسيون العاصمةَ الفرنسية باريس بتشكيل الحكومة بحلوله، قد انقضى.. فهل ستكون هناك خطوات فرنسية شديدة ضد الساسة اللبنانيين بسبب تقاعسهم عن تشكيل الحكومة؟

مضت المهلة التي حددها الرئيس الفرنسي لتشكيل الحكومة اللبنانية، دون التوصل إلى توافق حول عملية التشكيل جراء النزاعات اللبنانية الداخلية، وحتى الآن لا يمكن الحديث عن مؤشر يدفع للتفاؤل، ولذلك يبدو الأفق مفتوحاً على تشاؤم خطير إذا لم تحدث معجزة تفكك التعقيدات الحاصلة، وفي ظل استمرار الخلافات حول تشكيل الحكومة وارتفاع منسوبها، يخشى اللبنانيون من انزلاقات أكثر نحو انهيارات أعمق، ولقد كان رئيس الجمهورية ميشال عون واضحاً تماماً في مؤتمره الصحافي يوم الاثنين عندما قال إذا لم يتم التوافق فنحن ذاهبون إلى جهنم، وأما لجهة ما يمكن أن يفعل الفرنسيون، فإن الرئيس ماكرون كان عمل على تخيير المسؤولين اللبنانيين بين الإصلاحات والعقوبات، وفي حال فشلت الطبقة السياسية بسلوك طريق الإصلاحات مثلما حددها الفرنسيون من خلال ما بات يُعرف ب "الورقة الفرنسية"، فأغلب الظن أن باريس سوف تنسق مع الأمريكيين في مجال العقوبات.

- بحسب الأنباء الواردة فإن حزب الله وحركة أمل يعيقون تشكيل الحكومة بسبب تمسكهم بحقيبة المالية. لماذا يصر هذان الحزبان على التمسك بهذا الصندوق؟ هل بحسب المحاصصة الطائفية يسمح للحزبين بالحصول على حقيبة المالية؟ أي، هل هي من حقوقهم أم يجب ان يكون الموضوع بقرار من رئيس الحكومة؟

الإشكالية حول وزارة المالية، أبعد من نزاع حول حقيبة وزارية، ذلك أنه من خلال هذه الحقيبة، سيُعاد هندسة لبنان ماليا واقتصاديا، فوزارة المالية ستكون معنية بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وستشرف على إعادة هيكلة المصارف، وتسمي حاكم  مصرف لبنان، وسيكون لها الدور الأساسي في إعادة إعمار المرفأ، ومن هذه الزوايا المتعددة ينبغي النظر إلى النزاع الحالي حول وزارة المالية، أي أنها ستكون أم الوزارات، ومن يديرها يكون شريكاً أساسياً في صياغة مستقبل لبنان .

-هناك بالمقابل مناوشات عسكرية بين حزب الله واسرائيل على الحدود اللبنانية، فهل لهذه المناوشات علاقة بما يحصل سياسيا في لبنان؟ 

بما يتعلق بالحدود الجنوبية للبنان، لا شك أن إسرائيل تعمل بين حين وآخر على توتير الأوضاع العسكرية على الحدود، في محاولة منها للدخول إلى واقع النزاعات اللبنانية من الباب الأمني، مع ذلك ، ليس من المتوقع أن تذهب إسرائيل إلى فتح  جبهات الحرب، فالحرب سيكون لها ثمنها وكلفتها الباهظين، ولكن التوتير من قبل الإسرائيليين، ستبقى أبوابه مفتوحة إنما مدروسة.