بشرى علي: سكينة جانسيز أيقونة كردية فريدة.. وترجمة مذكراتها كان ضرورة لتتبع مسيرة أحد رموز التمرد المتعطشة للحرية

تعكف الكاتبة الكردية بشرى علي هذه الأيام على إنجاز سيرة المناضلة سكينة جانسيز "حياتي كلها صراع" في إطار سعي جاهد لنقل ما كتبته الراحلة عن نفسها وعن مسيرة حياتها الملهمة.

سبع سنوات كاملة مرت على استشهاد سكينة جانسيز ورفيقتيها ولا تزال ذكراها حدث مؤثر يأتي كل عام ليحكي ليس فقط قصة محتل هدفه إبادة كل بقعة ضوء كردية لكنه يحكي أيضا قصة امرأة كانت أمة من النساء. 

وتزامنا مع ذكراها أجرت وكالة فرات لقاءً مع الكاتبة الكردية بشرى علي التي اتخذت على عاتقها التأريخ لسيرة المرأة الكردية ونضالاتها.

وفي هذه الآونة تسعى بشرى لترجمة السيرة الذاتية لجانسيز، التي خطت فيها مسيرة حياة ونضال مؤثر، وقدمتها باللغة التركية في ثلاثة أجزاء تحت عنوان "حياتي كلها صراع". 

وحول السبب في توجهها لهذا المشروع تقول بشرى علي: ترسخت لديّ قناعةٌ بعد متابعتي لهذه الجريمة النكراء عبر وسائل الإعلام أنه لا بد من تخليد سكينة، هذه الأيقونة النسائية الكردية كثورية كانت واحدةً من امرأتَين شاركتا مع رفاقهما الشباب في التأسيس لأهم حركة كردية تحررية معاصرة تهزّ أركان القوى الرأسمالية والإمبريالية في راهننا. فعلمتُ عن طريق بعض الأصدقاء أنها قامت بكتابة كتاب ضخم من ثلاثة أجزاء تحت عنوان "حياتي كلها صراع!". وأنها دوّنته باللغة التركية، تروي فيه مسيرة نضالها الشاق.

وتؤكد أن جانسيز أيقونة فريدة... إنها رمز للتمرد المتعطش إلى الحرية، مهما كلّف الثمن... وقد تشبثت بالأمل والعزيمة حتى في أحلك الظروف.

وتلفت إلى تحديها للفاشية التركية بإرادة نادرة، لتصبح مثالاً يحتذى به حتى وهي بين جدران سجن دياربكر الأربعة، مؤكدة أنها مدرسة تستحق التمعن فيها والاقتداء بفلسفة حياتها من جميع النواحي، وأنها من هذا المنطلق بدأت في ترجمة سيرتها.. فإلى نص الحوار:

 

- في ذكرى استشهاد المناضلة سكينة جانسيز أنت تقومين الآن على ترجمة سيرتها الذاتية.. فلماذا اخترت هذا العمل؟

أجل، مرت سبع سنوات قاسية على أبناء وبنات الشعب الكردي خصوصاً وعلى جميع نساء العالم عموماً، أكان بسبب المجزرة الشنيعة التي حصلت في عاصمة "الحرية!" باريس، والتي راحت ضحيتها ثلاث مناضلات كرديات ثوريات بحادثة اغتيال نكراء على مرأى من أجهزة الأمن الفرنسية! أم نتيجة ما تمر به منطقتنا من أحداث متسارعة تطال أولاً وأخيراً الشعوب عامةً والنساء والأطفال بخاصة في هذه الحرب العالمية الثالثة التي تتسبب بتقلبات جذرية اجتماعياً وذهنياً ونفسياً وروحياً وديموغرافياً وعرقياً ونسائياً...

ترسخت لديّ قناعةٌ بعد متابعتي لهذه الجريمة النكراء عبر وسائل الإعلام أنه لا بد من تخليد سكينة، هذه الأيقونة النسائية الكردية كثورية كانت واحدةً من امرأتَين شاركتا مع رفاقهما الشباب في التأسيس لأهم حركة كردية تحررية معاصرة تهزّ أركان القوى الرأسمالية والإمبريالية في راهننا. فعلمتُ عن طريق بعض الأصدقاء أنها قامت بكتابة كتاب ضخم من ثلاثة أجزاء تحت عنوان "حياتي كلها صراع!". وأنها دوّنته باللغة التركية، تروي فيه مسيرة نضالها الشاق.

 

- كيف جاءت فكرة ترجمة العمل؟ متى بدأت فيه؟ وإلى أين وصلت؟

حصلتُ على هذا الكتاب عن طريق إحدى الصديقات. قرأتُه وتأثرتُ به في الصميم، سيما وأنني ناشطة في منظمات المجتمع المدني، وبالتحديد في الشأن النسوي. وبعدما تأكدتُ من العديد من الجهات أن هذا الكتاب لم يُترجَم بعدُ إلى اللغة العربية، وجدتُ نفسي –طبيعياً- مسؤولةً عن القيام بهذه المهمة التاريخية والاستراتيجية، لقناعتي بأن هذه الخطوة سوف تُغني الإرث النضالي النسائي الإقليمي. لاسيما وأن حادثة اغتيال سكينة جانسيز ورفيقتَيها (فيدان دوغان وليلى شايلماز) هزت العالم أجمع، واستقطبت ردود أفعال النساء من كافة أرجاء المعمورة. وعليه، شمّرتُ عن ساعدي، وبدأتُ الترجمة في العام الماضي 2019، وما أزال في بداية الطريق عموماً... وبنحوٍ أدقّ، وصلتُ إلى منتصف الجزء الأول من الكتاب.

 

- من ضوء قراءتك لمذكراتها ما الذي خرجتِ به بأفكار عنها؟

سكينة جانسيز حقاً أيقونة فريدة... إنها رمز للتمرد المتعطش إلى الحرية، مهما كلّف الثمن... وقد تشبثت بالأمل والعزيمة حتى في أحلك الظروف... لذا، لم يعرف أليأس أو القنوط سبيلاً إلى فؤادها أو عقلها... تحدّت الفاشية التركية بإرادة نادرة، فأضحت مثالاً يحتذى به حتى وهي بين جدران سجن دياربكر الأربعة... كانت شغوفة للغاية بالتواصل مع الآخرين دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الدين... فعرفَتها نساء أجنبيات وعربيات كثيرات بقدر معرفة النساء الكرديات لها... إنها حقاً مدرسة تستحق التمعن فيها والاقتداء بفلسفة حياتها من جميع النواحي... وأخيراً؛ لن يفي الكلام حقها مهما قيل عنها...

 

- برأيك ما الذي قدمته سكينة للقضية الكردية وإلى أي مدى نجحت في ذلك؟

لإيفاء هذا السؤال حقه أيضاً، لابد من مطالعة كتابها... فهي إحدى المرأتين اللتين شاركتا في تأسيس الحركة التحررية الكردستانية... ومن المؤسِّسات للحركة النسائية التحررية المعاصرة، ومن اللاتي رصفن أرضية كل المحطات المهمة في تاريخها... علاوةً على بصمتها التي أسست لمقاومة سجن دياربكر التاريخية، والتي هزت أركان الفاشية التركية في وقتٍ كان اليأس والخوف والارتباك قد وجدوا لهم سبيلاً إلى قلوب أغلب الموالين للحركة الكردية، حصيلة انقلاب 12 أيلول الفاشي لعام 1982.

كما علينا الإشارة بالتأكيد إلى دورها في التأسيس للبُعد الأممي والعالمي في تواصل الحركة الكردية المعاصرة مع المثقفين والمناضلين والثوار من القوميات والإثنيات الأخرى في مختلف أصقاع العالم. وباختصار، فأينما حاولنا النبش في تاريخ النضال المعاصر للشعب الكردي، فسنجد بصماتٍ تشير إلى دور الشهيدة سكينة (سارة) المحوري في كل محطة أو جانب أو بُعد منه.

 

- كان استهداف سكينة ورفيقتيها العمل الأكثر دموية، لكنك تقولين أيضاً أنه كان شرارة نضال جديد. فكيف ذلك؟

ما ميَّز الحركة التحررية الكردستانية المعاصرة، هو تحويلها كلَّ حدثِ شهادةٍ مميزة إلى منطلق لتحقيق قفزة وانطلاقة أقوى. واغتيال سكينة ورفيقتيها هو أحد هذه الشهادات التاريخية. فقد استهدف المرأة الحرة، واستهدف من خلالها الحركة النسائية التحررية المعاصرة، وتطلَّع إلى إلحاق ضربة قاضية بالحزب النسائي الكردي المعاصر، طمعاً في زرع اليأس والذعر بين صفوف النساء والشعب الكردي.

لكنّ شهادتها دوّت عالمياً بقدرِ انتشار صداها كردستانياً وإقليمياً... فمَن لم يَعُد يعرف سكينة جانسيز؟ تلك القامة التي بصقَت على جلاّدها وهي في السجن! لقد اهتدت سكينة جانسيز بنضال روزا لوكسمبورغ وغيرها من المناضلات الأمميات... وهاهي آرين ميركان وآفستا خابور وبارين كوباني وهفرين خلف وغيرهن الآلاف ممّن سرن على هدى فلسفة سكينة... هذا عدا عن مئات الآلاف ممن ما زلن يناضلن في شمال وشرق سوريا، وفي تركيا وكل أماكن تواجد الشعب الكردي، في سبيل تحقيق أهداف سكينة في تعزيز حياة حرة وكريمة ضمن أجواء من السلام المستدام الذي يزدهر فيه التعايش المشترك للشعوب كل الشعوب...

 

- متى ستنتهي من ترجمتك الكاملة ولم جاء اختيارك لموقع مصري لنشر حلقات الترجمة مسلسلة؟

في الحقيقة، يبدو أن هذا العمل سيأخذ وقتاً ليس بالقليل كي ينتهي... ذلك أن الكتاب يتألف من ثلاثة أجزاء ضخمة... لكنّ المهمّ هنا هو القيام منذ البداية بنشر فصول هذا الكتاب مباشرةً على موقع "الديوان" المصري... وبذلك يتم تأمين وصول هذه الأفكار إلى أكبر عدد ممكن من القراء من ناحية، وتسهيل موضوع قراءة هذا الكتاب الضخم على شكل حلقات من ناحية أخرى.

أما لماذا موقع "الديوان"؟ فلهذا الموقع، وللقائمين عليه معزّة خاصة لديّ... إذ على صفحات هذا الموقع الإلكتروني نشرتُ في العام 2018 سلسلة حلقات عن نضال المرأة الكردية.. لكنّ الحس العالي بالمسؤولية لدى إدارة الموقع جعلتهم يقررون تحويل هذه المقالات إلى كتاب، بل وطبعوه بمبادرة منهم (وبالتنسيق معي طبعاً)... ولم يكتفوا بذلك، بل نظّموا إدراج كتابي هذا في المعرض الدولي للكتاب في القاهرة لعام 2018... فكان كل ذلك شرفاً عظيماً وغير مسبوق لي... ما حثّني أكثر فأكثر على البدء بترجمة كتاب "حياتي كلها صراع!" للشهيدة سكينة جانسيز، ونشر حلقات هذه الترجمة على هذا الموقع العظيم...

 

- أخيراً ما الرسالة الرئيسة التي تأملين في إيصالها عبر هذا العمل وما جديدك في هذا السياق؟

أتمنى من كل قلبي أن يطّلع جميع القراء على كتاب "حياتي كلها صراع!"... فالمزيد من الوعي يعني مزيداً من الحرية... فأياً يكن، فالحرية وعي متدفق، وفهم متجذر... ولن يكون هناك جديد، ما لم تنتهِ ترجمة هذا الكتاب الفريد...