وأوضح أديب أنّ مصر "تعتمد على مياه النيل ربما باكثر من 95% حيث تستخدمها سواء في الشرب او في كافه مناحي الحياة" وأنّ دور مياه هذا النهر بالنسبة لمصر "حيويّ للزراعة على وجه الخصوص" فضلاً عن "الصناعة وغيرها من الأنشطة الحيويّة التي تمثّل أساسيات بقاء الإنسان على وجه الأرض.. وهذا المورد مهمّ لمصر بالنسبة للدولة والشعب على حدّ سواء".
وفيما يتعلّق بالموارد المائيّة البديلة، أشار أديب إلى أنّ مصر "تحاول إيجاد بدائل للتعامل المتوقّعة من قبل إثيوبيا، لذا تقوم على تحلية مياه البحر وما يسمّى هنا بسفلتة الترع والمصارف حتّى تكون نسبة فقد المياه نسبة قليلة" إلى جانب أنّ الدولة أصدرت قوانين صارمة تجاه هدر المياه "ليتمّ الحفاظ عليها والتعامل مع أوضاع لا تدري مصر إلى أين تتّجه".
وأضاف "مصر ترى في مسألة المياه جزء من أمنها القومي ولن تفرّط فيها، وكونها تبحث عن البدائل، فهذا لا يعني أنّها استسلمت، بل هي تتحرّك على كافة المستويات ولديها العديد من الخيارات المتاحة. كي لا يتضرّر الشعب من نقص المياه باعتبارها حقّ طبيعيّ للشعب والدولة".
وتوقّع أديب أنّ مصر "ستحصل في المستقبل على حقّها الطبيعي في مياه النيل، كونها البلد المصب للنيل منذ آلاف السنين" معرباً عن أمله في إيجاد حلول للأزمة الحاليّة وأنّ مصر قادرة على حماية حقّها "حتّى في ظلّ التعسّف الذي تستخدمه إثيوبيا في المفاوضات على مياه النهر.. وستخرج مصر منتصرة في هذه المعركة حتّى لو بدا أنّ مصر لن تستخدم القوّة العسكريّة، التي لم تقل أنّها لن تستخدمها، لكنّها تصرّ على طرق المفاوضات كنوع من إظهار حسن النيّة" مستدركاً أنّ القاهرة "قد تتّخذ من الخيار العسكري سبيلاً إذا ما هدّدت إثيوبيا الأمن القومي المصري من خلال مياه النيل".
وبيّن أنّ بناء إثيوبيا لسدّ النهضة على نهر النيل "يؤثّر سلباً على كلّ من السودان ومصر، كونهما دولتا المصب ومصالحهما ترتبط بهذا الشريان الحيوي، وقد يتسبّب بناء السدّ، دون الرجوع للخرطوم والقاهرة، بكارثة على البلدين في المستقبل، إذ أنّ انهيار السدّ يعني غرق السودان الذي يجب أن يطّلع على فكرة بنائه حتّى لا تكون هناك عيوب فنّية تجنّباً للكارثة.. فالأمطار الغزيرة التي هطلت في إثيوبيا تسبّبت بغمر مساحات واسعة من أراضي السودان، إذ أنّ الأولى لم تحبس مياه تلك الأمطار خلف سدود تمّ بناؤها مسبقاً، وذلك بسب عدم وجود تنسيق كافٍ بين البلدين، وبالتالي قد يتكرّر الأمر مستقبلاً، لذا فإنّ السودان ملزم بكلّ هذه المخاوف".
ولفت الباحث المصري إلى أنّ إثيوبيا لا تحتاج إلى بناء سدّ النهضة "إذ أنّ لديها وفرة من المياه، وما سيكون من المياه خلف السد له أغراض تنمويّة أخرى، منها توليد الكهرباء بكميّات كبيرة تمكّن إثيوبيا من بيعها للشرق والغرب. لذا فإنّ الهدف من بناء السد ليس لأغراض متعلّقة بالحاجة للمياه، بل لأسباب تتعلّق بالتنمية في الداخل الإثيوبي، حيث أنّ هذا البلد هو بلد المنبع.. كما أنّ لها مطامع في بيع مياه النيل لمصر ولدول أخرى، ولديها بالأساس مشكلة مع مصر التي تريد أن تحدّد وقت ومدّة ملء السدّ وتحديد الكميّة المتناسبة مع احتياجات الشعب المصري".
وتابع "ما حدث خلال العام الماضي من ملء السدّ بمياه النيل كان بإشراف مصريّ وإثيوبي، وهذا الأمر لم يشكّل مشكلة بالنسبة للقاهرة، إّ أنّ نسبة المياه المخصّصة لها لم تتأثّر، لكنّ المخاوف من العام القادم، فربّما تظهر البوادر إذا ما استمرّ الجانب الإثيوبي في ملء سدّ النهضة بالمياه بقرار أحاديّ دون مشاركة القاهرة".
وقال أديب أنّ الجانب السوداني، في بداية الأزمة "كان منحازاً لإثيوبيا، حيث لم يبدي موقفاً صارماً تجاه بناء سدّ النهضة.. لكنّ التنسيق بين الخرطوم والقاهرة بات على أعلى المستويات فيما يتعلّق بمواجهة هذه الأزمة للوصول إلى نقطة توافق مع إثيوبيا، حيث أدركت السودان أنّ لديها أزمة حقيقيّة وأنّ إثيوبيا قدّ تهدّدها بشكل كبير، وبالتالي أدركت أيضاً عدالة القضيّة المصريّة وأنّ القرارات الإثيوبيّة قد تسبّب أزمة لها.. وأعتقد أنّ التنسيق بين مصر والسودان سيستمرّ بهذا المنحى حتّى الوصول لحلّ شامل لهذه الأزمة".
وأكّد أنّ مصر "لا ترغب في إشعال حرب ضدّ إثيوبيا، لكنّ كلّ الاحتمالات تبقى مفتوحة، حيث أنّ إثيوبيا تلقى دعماً استخباراتيّاً من دول عدّة، مثل تركيا، بالإضافة إلى المطامع الإثيوبيّة في استغلال سدّ النهضة.. لذا سعت القاهرة إلى تدويل القضيّة وأدخلت شريكاً دولياً هي الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وبالتالي ستتدخّل الأمم المتّحدة في ظلّ التسلّط الإثيوبي تجنّباً لنشوب حرب محتملة.. وأؤكّد أنّ مصر ستحافظ على حقّها الطبيعي في مياه النيل".
ونوّه أديب إلى أهداف تركيا من استغلال أزمة المياه بين مصر وإثيوبيا قائلاً: "تركيا تستهدف مصر لأنّ مشروع الإخوان المسلمين سقط في مصر والذي كان يمثّل بداية مشروع الإسلام السياسي في عموم المنطقة، حيث أنّ أنقرة هي الداعم الأساسي لهذا المشروع وهي أرادت الانتقام لسقوط نظام الإخوان على يد النظام السياسي الحالي في مصر وأيضاً الانتقام من المجتمع المصري الذي خرج في ثورة لإسقاط نظام الإخوان وإزاحتهم من السلطة وبالتالي إزاحة المشروع التركي من المنطقة.. حتّى لو رأينا أنّ تركيا تعتمد السياسة في تحرّكاتها الخارجيّة، بيد أنّ هدفها هو الانتقام لفشل مشروعها المعتمد على الإسلام السياسي. وباعتبار أنّ مصر دولة كبيرة وقويّة في المنطقة العربيّة، حاولت تركيا أن تضرب الأمن والاستقرار داخل هذه الدولة، لتعيد ترميم مشروعها في المنطقة وإعادة الإخوان إلى سدّة الحكم في مصر، وتعتمد على مرتزقة وميليشيات مسلّحة وتنظيمات متطرّفة جاءت بهم إلى ليبيا بهدف تهديد الأمن القومي في مصر وبالتالي إضعافها من خلال تأسيس إمارة إسلاميّة في ليبيا تكون بديلاً عن دولة تنظيم داعش التي أُعلن عن سقوطها في شهر آذار من العام 2019.. كما تدعم تركيا استخباراتيّاً إثيوبيا لتكون ورقة ضغط إضافيّة على مصر، وهذا ما ينتهجه النظام التركي من سياسة اختلاق الصراعات بين شعوب المنطقة خدمة لمصالحها ومشروعها التوسّعي".
وقال "نشاطات تركيا في المنطقة بدأت بعد العام 2013، بعد سقوط مشروع الإسلام السياسي في مصر، وهو مشروع مرتبط بوجود حزب العدالة والتنمية في السلطة وأيضاُ برؤية النظام التركي للنظام السياسي المصري. ولم تكن هناك أيّ نشاطات عدائيّة لتركيا قبل تلك الفترة، بل كانت أنقرة ترى في مصر عمقاً عربيّاً وإسلاميّاً لها وترتبط معها بعلاقات قويّة، خاصّة أنّ أوروبا لفظت حزب العدالة والتنمية وسلوكه. لذا كان توجّه تركيا هو الانفتاح على الدول العربيّة والإسلاميّة، لكن عندما هبّ النظام التركي إلى دعم المشروع الإسلام السياسي واصطدم مع أغلب الأنظمة السياسيّة والشعوب العربيّة والإسلاميّة، حدث الخلاف الكبير، واضطرّ إلى نشاطات استخباراتيّة ضدّ دولة مصر منذ التاريخ المشر إليه وحتّى وقتنا الحالي".
وختم الباحث المصري حديثه بالإشارة إلى الحرب التي تشنّها تركيا على شمال وشرق سوريا وسكّانها، وقال: "تركيا تضرب تلك المناطق ومواطنيها بالصورايخ والنابالم وقتلهم بدم بارد. كما أنّ ناشطات كرديّات قتلن على يد تركيا، إلى جانب قطعها المياه عن المنطقة لتعطيش سكّانها. النظام في تركيا هو نظام قمعيّ دموي يقتل شعوب المنطقة بالطائرات من السماء وبالدبّابات على الأرض، إلأى جانب قطع مياه الشرب عنهم. ولن يتوقّف هذا السلوك التركي إلّا إذا ذهب هذا النظام. بالنسبة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فإنّ المياه ستصل لمناطقها، وهذه المياه سوف تغرق النظام التركي وستتمتّع شعوب تلك المنطقة بالحقّ في العيش بكرامة في مناطقهم التي تحمل شخصيّة اعتباريّة.. عدالة القضيّة الكرديّة ستنتصر على النظام التركي.. وستنتصر إرادة الحياة لدى الشعب الكردي على هذا النظام السياسي الدموي الموجود في تركيا".