وأوضح الكاتب في مقاله المنشور بموقع المونيتور الأمريكي يوم الأثنين، أن الحكومة التركية مصممة على اتباع سياسة التعتيم في التعامل مع الجمهور حول مواجهة فيروس كورونا، معتبرا إن إشارة أردوغان إلى إسطنبول وأنقرة وإزمير وكوجالي، ضمن حديثه عن الاجراءات المتخذة في 30 مدينة تركية، ربما "لأن هذه المقاطعات الأربع هي الأكثر تضرراً في تفشي المرض؟"، لكن لا توجد بيانات رسمية متاحة للإجابة بثقة على هذا السؤال بالإيجاب.
وتابع غورسيل: "يمكن للمرء أن يجمع فقط الشائعات وبعض الحقائق لتقدير أن التفشي قد وصل على الأرجح إلى أبعاد خطيرة في اسطنبول وأنقرة وإزمير وكوجالي. فالاستنتاج هو الخيار الوحيد هنا لأن حكومة أردوغان تنتهج سياسة التعتيم التي تعتبر فيها احصائيات العدوى شيء يجب إخفاءه عن الجمهور كما لو كان سرًا من أسرار الدولة."
أصبح اتّباع أنقرة لسياسة التعتيم واضحًا بفضل فيديو تم تسريبه من مستشفى مرموق في 18 آذار/ مارس، عندما وصل الاحصاء الرسمي للحكومة لوباء فيروس كورونا الجديد إلى حالتي وفاة و 191 إصابة، بعد أسبوع من تأكيد الحالة الأولى، بحسب المقال.
وأظهر الفيديو، الذي تم تسجيله سريًا وانتشر بصورة سريعة، ظهور طبيبة تطلع العاملين في المستشفى على تفشي المرض. وظهر طبيب آخر، والذي عرف لاحقًا أنه دكتور غول سينار، وهو يأسف لطريقة استجابة تركيا للوباء، قائلا: "يبدو أننا بدأنا بداية سيئة. لا نعرف كيف ستسير الامور. نأمل ألا نصبح إيطاليا أخرى ... الحالات الآن بالآلاف، وليس بالمئات كما يقولون".
بالإضافة إلى تأكيده وجود حالات "بالآلاف" في حين بلغ العدد الرسمي 191 ، وذكرت الطبيبة بعض المحافظات المتضررة من تفشي المرض. وقالت: "انطلقت اسطنبول بداية فظيعة للغاية ، وأنقرة، أيضا، بدأت بداية فظيعة". "هناك حالات في الشرق، في فان، وكذلك في قيصري (في وسط تركيا)".
وأوضح المقال ان الفيديو المنتشر كان مزعجا للحكومة وافشل سياسة التعتيم، لكن الطبيب سينار ظهر يعتذر لاحقا، مؤكدا انه لم يكن يهدف إلى إثارة السخط أو أي دوافع سياسية، واعتبر الكاتب إن اعتذار الطبيب الذي قام على نفى استخدام "أي خطاب له دوافع سياسية ويهدف إلى إثارة سخط الجمهور "، واعتذاره "للجميع" عن "التسبب في تصور عام سلبي"، يشير إلى العنصر الأساسي في سياسة الحكومة وتدابيرها، التي تخشى "إثارة السخط"، أو "أن تغرق الجمهور في الخوف والذعر من خلال التسبب في السخط"، موضحا أنها تستخدم ذلك كذريعة أو مبرر لتدابير يصعب الدفاع عنها لأسباب مشروعة.
وتابع الكاتب: "إن التصريحات التي أدلى بها وزير الصحة في 24 آذار مارس هي مثال على كيفية ظهور هذا الدافع، حيث أكد وزير الصحة فخر الدين قوجة أن "(الحكومة) تجنبت الاستراتيجيات والممارسات التي يمكن أن تؤدي إلى حالة من الذعر وتسبب انتشار (مزيد) من المرض و(بالتالي) تضييق نطاق الخطر".
وفي ضوء عدم افصاح الحكومة عن ماهية الاستراتيجيات والتدابير التي اتبعتها لمواجهة الجائحة، اوضح الكاتب أن هناك عدة ملاحظات توضح ماهية تلك الاستراتيجية، مشيرا إلى أن "الملاحظة الأولى هي أن الحكومة تجنبت إبلاغ الجمهور بالمناطق والمحافظات التي تتزايد فيها حالات وفيات فيروس COVID-19. وبالمثل، حجبت معلومات حول التدابير، إن وجدت، التي يتم اتخاذها فيما يتعلق بالدوائر الاجتماعية للأشخاص الذين يعانون من إصابات مؤكدة."
واضاف الكاتب: "من خلال إبقاء أسماء المدن والمناطق الأكثر تضرراً طي الكتمان، تتنصل الحكومة إلى حد ما من مسؤوليتها في العزل الكامل وفرض الحجر الصحي في تلك المناطق".
قد يؤدي تلافي عمليات الإغلاق والحجر الصحي إلى إبطاء الأضرار الاقتصادية على المدى القصير، ولكن تردد أنقرة والمماطلة التي تتبعها تؤدي إلى تفاقم تأثير وتفشي المرض على الصحة العامة.
ومع ذلك، فإن الكيفية التي يمكن أن تساهم بها هذا التعتيم في انتشار المرض كانت ظاهرة بالكامل في إسطنبول مؤخرًا عندما توافد عشرات الآلاف من الأشخاص، في ظل تعتيم حول خطورة التهديد الذي يواجهونه، إلى شواطئ البوسفور ومواقع التنزه للاستمتاع بطقس عطلة نهاية الأسبوع اللطيف كما يفعلون في الأوقات العادية، مع عدم مراعاة التباعد الاجتماعي وربما ساهم ذلك في انتشار الفيروس. لو تم تحذير هؤلاء الناس من أن إسطنبول كانت نقطة محورية لتفشي المرض، لما كانوا سيتصرفون بشكل عشوائي ويعرضون عائلاتهم للخطر.
إن افتقار تركيا إلى الإعلام الحر هو سوء حظ كبير في وجه غموض الحكومة. وفقًا لمؤشر حرية الصحافة لعام 2019 الذي اصدرته منظمة مراسلون بلا حدود، تحتل تركيا المرتبة 157 من أصل 180 دولة، ضمن قائمة البلدان التي ليست حرة فيما يتعلق بالاعلام. وبدون وسائل الإعلام السائدة التي يمكنها الاستقصاء والاستجواب والإبلاغ عبر التقارير والنقد، تواجه الحكومة عقبات قليلة في تنفيذ "سياسة" التعتيم "بنجاح"، مشيرا إلى أن سياسة التعتيم التي تتبعها الحكومة التركية يمكن تعريفها على أنها تحجب أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الجمهور، وبالتالي يمكنها الإفصاح عن قدر ضئيل من المعلومات بعد تقييم تأثيرها، لكن حتى هذه السياسة كانت غير متناسقة. على سبيل المثال ، تحدث أردوغان، في خطاب موجه إلى الأمة في 25 مارس / آذار، عن 8554 مريضاً يتلقون العلاج في المستشفيات. بعد ساعات، قدر وزير الصحة العدد الإجمالي للمرضى بـ 2433 في حسابه على تويتر، والذي استخدمه لتقديم تحديثات على مدار 24 ساعة حول عدد الاختبارات الجديدة والحالات المؤكدة والوفيات منذ 11 آذار/ مارس.
وبحسب رئيس اتحاد الأطباء الأتراك سنان آديامان، فإن حصيلة وزير الصحة تمثل فقط المرضى الذين تم اختبارهم لفيروس كورونا ووجدوا أنهم إيجابيون، في حين يشير رقم أردوغان إلى "العدد الإجمالي للمرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بـ COVID -19 تمشيا مع النتائج السريرية والإشعاعية ووضعوا تحت العلاج في المستشفيات". وقال آديامان إن أردوغان هو الذي أعطى "العدد الحقيقي للمرضى الخاضعين للعلاج بتشخيص COVID-19". لكن تحديث قوجة الرسمي في اليوم التالي أدى إلى استمرار التضارب.
في حين لم يقدم المسؤولون الحكوميون أي تفسير لسبب اختلاف أرقام أردوغان وقوجة، قال اتحاد الاطباء في بيان في 26 آذار مارس أن الرقم الذي ذكره وزير الصحة كان مجرد "قمة جبل الجليد". قال اتحاد الاطباء، أنه بدلاً من التعامل مع "رسائل Twitter ذات عدد الكلمات المحدود"، يجب على وزارة الصحة البدء في نشر بيانات تفصيلية على موقعها الرسمي، بما في ذلك تفاصيل مدينة المريض والعمر والجنس والمهنة. بالإضافة إلى الأرقام المتعلقة بأولئك الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، يجب على الوزارة أيضًا الكشف عن عدد الحالات التي تتوافق سريريًا وإشعاعيًا مع COVID-19، بغض النظر عن نتائج اختباراتهم. وحذر الاتحاد من أن "الناس سيظلون غير مقتنعين بما فيه الكفاية باتخاذ الاحتياطات الشخصية، من غسل اليدين إلى التباعد الاجتماعي، ما لم يتم إطلاعهم بشكل كاف على مدى انتشار المرض بين الجمهور".
وشدد التقرير على إن شكوك التستر ليست جديدة في الواقع. على سبيل المثال، أثار أمراه آلتينديش، الباحث التركي في كلية الطب بجامعة هارفارد، مثل هذا الشك في مقابلة نشرت في 21 آذار مارس. وعندما سُئل عن سبب إخفاء أنقرة للأرقام الفعلية، قال: "تجري حاليًا حملة دعائية تتم إدارة العملية بشكل جيد للغاية. حتى وقت قريب، ادعى وزير الصحة أن تركيا لم يكن لديها حالات وكانت تفاخر بذلك. إنهم يعرفون أن هذه القضية ستكون لها تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة، لذا فهم يمهدون الطريق ليقولوا لاحقًا أنهم بذلوا قصارى جهدهم. وهل من هم في السلطة يبذلون قصارى جهدهم؟ في رأيي، لا".