احتفلت جنوب السودان اليوم الأربعاء بتوقيع اتفاق السلام بين الفرقاء الجنوبيين، لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات في البلاد، وذلك بمشاركة عدد من القادة الأفارقة وأبرزهم الرئيس السوداني عمر البشير الذي أكد مجددا التزامه بالعمل على وقف الحرب وإعادة السلام والاستقرار لجنوب السودان، كما شارك رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي باحتفالات السلام في جوبا نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلا عن مشاركة رئيسة إثيوبيا سهلي زودي، وفي هذا الإطار أجرت وكالة فرات للأنباء ANF، حوارا شاملا مع المستشار الإعلامي بالسفارة السودانية بالقاهرة المستشار راشد عبد الرحيم، تحدث في جانب منه عن جهود بلاده التي نجحت في إبرامه في الخرطوم برعايتها ووساطة منظمة "الايجاد".. فإلى نص الحوار:
- عزز السودان مؤخرا من تحركاته لدعم السلام في شرق القارة الافريقية، وخاصة بعد توقيع اتفاق السلام في جنوب السودان في الخرطوم الشهر الماضي، كيف تطلعنا على هذا الدور؟
أعتقد أن اسهام السودان في السلام كبير حتى قبل الاتفاقيات الاخيرة، فهو المساهم الأكبر في جهود السلام في القارة الافريقية، فكلما كانت هناك أزمة في دولة مجاورة، سواء كانت نزاع سياسي او حتى اشتباكات عسكرية او حتى كارثة طبيعية، فكثير من هذه الدول تجد الملجأ في السودان الذي ظل على الدوام دولة مفتوحة لكل دول الجوار، ونستطيع ان نقول ان السودان الأعلى استقبالا للاجئين في كل العالم، ولدينا لاجئين الأن من جنوب السودان بأعداد كبيرة، وإنفاذا لجهود السودان في العمل السلمي صدرت القرارات، باعتبار المواطن الجنوب سوداني معاملة المواطن السوداني حتى تنتهي الاشكالات القائمة في دولته ويعود اليها معززا مكرما، وقد شاهدنا ذلك على مدار التاريخ الحديث خلال الاحداث التي جرت في اثيوبيا واريتريا وقت الانقسام، وما شهدته افريقيا الوسطى وكذلك في التشاد قبل حكم الرئيس ديبي. وهذه الجهود تزامنت مع جهود سياسية سودانية أيضا لإحلال السلام في الكثير من البلدان في القارة.
ومشهودة الأن جهود السودان في جنوب السودان باعتبارها الاخيرة والاكبر من حيث خسائر الحرب من البشر والامكانيات، وتكاد تكون للأسف قد دمرت الدولة، وهذا الجهد السوداني كان واضحا، والعوامل الاساسية لنجاح جهود السودان في تحقيق السلام في جنوب السودان يرجع الى اننا أولا كنا دولة واحدة، ولذلك نحن الأعرف بهذه الدولة، ونعرف شعبها وقياداتها تماما لأنهم كانوا جزء منا، وكلهم تلقوا تعليمهم لدى جامعات الخرطوم وجزء كبير من حياتهم في السودان، ولذلك العلاقات والثقة متوفرة، بالإضافة لعلاقات المصاهرة وغيرها.
- ماذا عن العلاقات التجارية مع جنوب السودان والعمل على تخفيف الأزمة الاقتصادية؟
نكاد نجزم أن الحياة الاقتصادية في جنوب السودان وخاصة ما يتعلق بمعيشة الناس تعتمد بالدرجة الأولى على السودان، فكل المواد الغذائية الأن تصل من جنوب السودان إلى السودان، حتى من الدول الأخرى، حاولت بعض الحكومات التي تولت السلطة في جنوب السودان ان تعتمد على دول أخرى ولكنها لم توفق في هذا، لأن المسار الطبيعي هو السودان، ولذلك نحن لدينا اكثر من 160 سلعة أساسية تنقل من الشمال إلى الجنوب، وتشمل الحبوب ومواد البناء والملابس والملح والمواد التي يتعذر زراعتها في الجنوب غيرها، وكذلك السلع التي تخرج من الجنوب لا تجد منفذ غير السودان، لذلك دائما كانت السودان هي الدولة القادرة على تحقيق السلام في جنوب السودان.. ويمكن القول ان هذه الجهود تأخرت بعض الشيء لأن السودان كان ينظر بعين الترقب لجهود أخرى من دول متعددة لإحلال السلام في جنوب السودان، وكانت الخرطوم تدرك أن هذه الجهود لن تحقق نجاح، ولكن لأن بعضها كان يرى أن السودان مساهم في الأحداث في جنوب السودان، رأينا ألا ندخل في ذلك التوقيت في عملية السلام حتى فشلت كل الدول وأقرت بفشلها في تحقيق السلام وكادت أن تعلن دولة جنوب السودان بأنها دولة تحت الرعاية الأممية، وبعد أن يئست تلك القوى وفشلت، طلبت من السودان التدخل، وبعد أن تأكدنا من ان النظرة إلى السودان عادت للوضع الطبيعي والسليم، دخلنا في عملية السلام وتحققت الأن، وهناك الأن أمن مستتب في جنوب السودان وبدأت السلع السودانية بالخروج إلى جنوب السودان بعد أن كانت متوقفة، وبدأ المواطنون في وخاصة في المناطق الحدودية التي تمتد بطول 2100 كم، وبدأت حركة كبيرة من قبل المواطنين، وفتحت الحدود، وبدأت عمليات مساعدة الجرحى والمرضى والمحتاجين، ونأمل ان تكتمل جهود استئناف تصدير البترول، وتم اصلاح الكثير من الخطوط التي دمرت أثناء الحرب إما عن قصد أو عن إهمال، وأنابيب النفط لكي تعود للعمل تحتاج إلى ترتيبات فنية كبيرة والان عادت ونحن نعرف ان جنوب السودان يعتمد على البترول بنسبة 95% من الدخل القومي للدولة، والان هذه المسألة تسير في الخط المرسوم واذا تحقق السلام وأصبح هنالك امكانيات لجنوب السودان ستبدأ في الخروج الفعلي من الازمات المترتبة على الحرب، وفرص السلام أصبحت كبيرة لأن السودان اتفق على انشاء قوة عسكرية في جنوب السودان وتخرج القوات المتقاتلة من المدن وسيتولى تدريب القوات الجيش السوداني وبعد ذلك من الدول الاقليمية المشاركة سيتم تسليحها، واذا استقر الحال في المدن سيكون من الايسر انتشار السلام والامن في القرى وغيرها. والسودان سعى في مصالحات في افريقيا الوسطى أيضا، وأعلن الفرقاء في هذه المنطقة ثقتهم في السودان.
- كيف ينظر السودان لتحركات المصالحة في القرن الافريقي؟
نحن لم نكن بعيدين عن اتفاقيات السلام بين اريتريا واثيوبيا، والسودان موجود وفاعل في هذه المنطقة، ولدينا وجود كبير في جيبوتي والصومال ومنشآت ومنظمات سودانية كبيرة جدا تعمل في مجال الاغاثة والعون وايضا الجامعات السودانية، واعداد من الطلاب الذين تخرجوا من الجامعات السودانية هم القيادات الادارية والتنفيذية العليا في دول القرن الافريقي، خاصة الصومال، حيث فتح السودان أبوابه لكل الطلاب الصوماليين، ووفرنا لهم كافة الامكانيات والتكاليف الخاصة بالدراسة، وكل القيادات حتى بمن فيهم رؤساء جمهورية في الصومال تخرجوا من جامعات سودانية، ولدينا علاقات قوية بالتشاد والان المواطن السوداني لا يحتاج إلى أوراق ثبوتية في تشاد، والعكس صحيح، والاسواق في منطقة الفاشر مثلا واحدة، واللهجة واحدة، وكثير من القيادات العسكرية تخرجت من الكليات العسكرية السودانية، واعتقد ان التطور الموجود في هذه المنطقة مفيد والسودان قريب منه.
وفي كل هذه الدول كان السودان موجود عبر الفن، فالمطرب السوداني هو المطرب الأول حتى قبل المطربين المحليين، والموسيقى السودانية هي السائدة في هذه المنطقة.
وهذه المنطقة تحتاج إلى جهد عربي وننسق الجهود مع مصر من اجل تعزيز الانفتاح العربي على هذه المنطقة، والعالم العربي يحتاج إلى ان يتعرف عليها، ونشهد تحركات متغيرة، وهناك امكانية لحدوث نهضة عبر التعاون مع تلك البلدان وخاصة إثيوبيا، وبقية القارة الافريقية، وكثير جدا من الذي يربطنا بالحياة موجود بإفريقيا، فنحن نشرب من منابع افريقيا، ونأكل من خيراتها، وحتى الذهب والماس وكافة المواد الخام موجودة في القارة، ولا توجد قيود أو موانع ثقافية أو حضارية أو سياسية، بل هناك توحيد لكل ما هو عربي، ولكن السؤال هل هناك اهتمام منا بما يلبي هذه الطموحات، وهذا ما نأمل ان تتعاون السودان ومصر فيه للإسهام بتكامل الجهود العربية الإفريقية.
- كيف نحقق هذا التكامل بين العالمين العربي والإفريقي؟
العرب دخلوا إفريقيا قبل قرون بعيدة، ولكن حاليا تراجعت هذه العلاقات المتينة، إلا من بعض الجهود الفردية من بعض الدول العربية وهي تبقى جهود غير مترابطة ومنسقة، واعتقد انه ببرنامج استراتيجي موجه وخطط ودعم من كل الاطراف المعنية، يمكن لمصر والسودان ان يشكلوا رابط قوي جدا بين المنطقتين العربية والإفريقية.
- السودان يتحمل عبء كبير من اللجوء وكلفة السلام في شرق القارة الافريقية، كيف يساعد المجتمع الدولي السودان في تحقيق ذلك؟
نحن لا نشترط أي شروط لاستقبال اللاجئ، بل نعتبر ان اللاجئ يأتي في ظروف صعبة ويأتي مكرها، وغير قادر على مواجهة ما يعانيه، وخاصة ظروف الحرب أو المجاعة، وبالتالي نحن نستقبل اللاجئ ونستضيفه وننظر بعد ذلك في احتياجاته، ونقدم ما نستطيع، وبعد ذلك نلفت نظر المجتمع الدولي الى ان هنالك من يحتاج من غير السودانيين للمساعدة، ونعتقد أن للأسف الاستجابة ضعيفة جدا، واعداد اللاجئين كبيرة جدا ولديهم احتياجات واسعة جدا، ولكن السودان يظل يحتفظ بملايين اللاجئين من كل القارة الافريقية، بل لدينا لجوء سوري ضخم جدا، وفي فترة من الزمان كان هناك عراقيين، ولم نكن نمنع او نشترط، اي لاجئ سواء من اثيوبيا أو سوريا أو افريقيا الوسطى، يدخل السودان ويستطيع أن يعمل ويمارس حياته كأنه مواطن سوداني، وحتى التعليم دون الجامعي والعلاج بالمستشفيات الحكومية كله على نفقة الدولة.