السياسي المصري بهاء شعبان: حرية أوجلان الآن فرصة تاريخية أمام تركيا والشرق الأوسط

أعرب السياسي المصري أحمد بهاء الدين شعبان عن أمله في نيل القائد أوجلان لحريته في أسرع وقت ممكن، مؤكدا أن إنهاء العزلة هو السبيل لإنهاء العديد من مشكلات الشرق الأوسط  وفرصة لإستفادة الشرق الأوسط من أفكاره التي تمثل بارقة أمل لشعوب المنطقة.

وقال المهندس أحمد بهاء الدين شعبان السياسي اليساري ورئيس الحزب الاشتراكي المصري، لوكالة فرات للأنباء ANF أن الرسالة الأخيرة التي وجهها زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، من محبسه في جزيرة إمرالي، سواء ما يتعلق بحملات الإضراب عن الطعام أو ما وجهه لقوات سوريا الديمقراطية والتي أرسلها عبر محاميه، فيما يخصّ عمليّة السلام في تركيا وأيضاً فتح حوار بين الدولة التركيّة وقوّات سوريا الديمقراطيّة، تمثل رسائل إنسانية في المقام الأول، ولكنها في نفس الوقت تعبر عن وصفة علاجية لمشكلات سياسية وأزمات مزمنة، وبأنه حان الوقت لمساهمة أوجلان في حلها بثقله السياسي والإنساني كداعية للتعايش الإنساني والديمقراطية الحقيقية.. وإلى نص الحوار:

  • بداية ما هي رؤيتكم لأفكار القائد أوجلان ودوره في المنطقة؟

عبدالله أوجلان إحدى الشخصيات المرموقة في السياسة الدولية والفكر الانساني بشكل عام وتجربته مليئة بالتطورات الدرامية والأحداث العظيمة والمأسوية المؤسفة أيضا وخاصة تلك المتعلقة بمرارة المؤامرة الدولية التي تعرض لها، والضغوط والعزلة، ولكنه في النهاية صمد في مواجهتها، ليصبح احد أهم رموز الحرية في العالم، وليس في المنطقة فقط.

وقد إمتدت فترة اعتقاله عقدين من الزمان وتعرض هو شخصياً خلالها للعزلة التي تمثل عزلة للشعب الكردي بأكمله، وهي تكاد تقترب من الفترة التي عاشها نيلسون منديلا في السجون ايام الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، فقد أصبح أوجلان الصامد أمام عنصرية الذهنية التركية احد اقطاب الحرية في العالم وضحى بشبابه وحياته كلها من اجل قضية وطنه. والمثير في رحلة اوجلان ان مثل هذه الشخصيات التي تعرضت لاجحاف تاريخي بهذا الشكل والظلم والتنكيل والاعتقال، ربما تدفعها هذه الظروف للتطرف والعنف والانتقام، ولكن أوجلان ليس كبقية الشخصيات المؤثرة في العالم، فهو فيلسوف ومفكر إنساني قبل أن يكون زعيم وقائد سياسي، وبحسه الانساني ووعيه الكبير تجاوز هذه الحساسيات الشخصية ، وردود الفعل الغاضبة بسبب ما حدث له مع النظام التركي وطرح هذه الافكار التي كتبها في مجلدات كبيرة لتصوره لحلول الازمة ليس للشعب الكردي فحسب بل لعموم المنطقة وشعوبها المضطهدة.

  • كيف ذلك؟

وجهة نظره القائمة على الأمة الديمقراطية بأن الدولة القومية لم تعد مؤهلة لحل مشكلات الشعوب وانما تجاوز الحساسيات القومية والتطرف الوطني والبحث عن حلول للجميع، وهو بذلك سبق عصره بأفكار نجد لها حالياً بعض النماذج والتطبيقات المعاصرة، وهي لاتزال قابلة للتطبيق بل تمثل الحل الوحيد للتعايش ونيل الشعب الكردي العظيم لحقوقه القومية والثقافية والتاريخية، بل انا اتصورها اقرب للمستوى الوطني من فكرة الدولة القومية، فالأمة الديمقراطية تضم الجميع بلا تمييز او حساسيات وتضع كل امكانيات الوطن لخدمة الشعب وتنتفي الحاجة للصراعات الاجتماعية والسياسية حول المكانة والمصالح من خلال توفير جميع الحقوق الاقتصادية والثقافية لكي لا يكون هناك مبرر للصراع الحاد على السلطة، ورغم أن البعض يعتبرها تصورات مثالية وافكار رومانسية واحلام وردية وهي بالفعل تصطدم بالظروف الواقعية التي تضع عقبات كبيرة أمام العدالة والحق في عالم تسوده الصراعات الاجتماعية والسياسية والاطماع الاقليمية، وخاصة أنه من الصعوبة بمكان اقناع دولة مثل تركيا للتنازل من اجل الديمقراطية  والسلام، ولكن فكرة أوجلان هي فكرة جديرة بالاهتمام والبحث وقد يكون بها خلاص للمجتمع الانساني من الازمات والحروب والصراعات الاجتماعية والسياسية، واوجلان اجتهد اجتهاداً  كبيراً وقدم للانسانية هذه الجهود الفكرية التي لابد ان يتم تلقيها بقدر كبير من الاهتمام ، وعلى المناضلين من اجل حرية اوطانهم أن يستعينوا بها فلا سبيل لشرق أوسط ديمقراطي دون تطبيق أفكار أوجلان على الأقل لحل المسألة الكردية، وهو ما سيساهم في واقع جديد ديمقراطي تصالحي لعموم المنطقة.

  • رسائل أوجلان تضمنت دعوة لوقف حملات الاضراب المفتوحة عن الطعام والتي تطالب اصلا بكسر العزلة على أوجلان، كيف تفسر هذا الموقف؟

هذه الدعوة تتناسق تماماً مع افكار أوجلان فلا يمكن لشخص تجاوز آلامه الشخصية وطرح افكار بهذه السماحة الانسانية، بأن يقبل استمرار الحملات النضالية التي نتج عنها ايضا معاناة كبيرة للمناضلين بسبب الممارسات التركية ضدهم، وخاصة اننا امام نظام غبي وضيق الأفق ومتطرف وعدواني وكاره للحياة ولن يتراجع ازاء الارواح البريئة التي يمكن ان تقضي ويفرج عن عبدالله أوجلان، وجميعنا شاهد استبداد هذا النظام وكيف بطش بخصومه السياسيين، وأعتقد ان رسالة أوجلان الموجهة للمناضلين في حملات الإضراب المفتوحة عن الطعام والاضراب حتى الموت هي دعوة انسانية ومفهومة وتتناسق مع افكاره الانسانية التي تتميز باتساع الافق، وهي نفس تجربة القائد الإنساني نيلسون منديلا إن لم تكن أروع منها ، وأوجلان أثبت أنه اقوى منهم وهو في سجنه وله الحق في ان يعيش كمناضل وقائد كبير وسط شعبه، وعزلة أوجلان لن تستمر طويلا، وأتوقع في المدى المنظور سوف تشرق شمس الحرية على اوجلان وتركيا والشعب الكردي لأنه شعب عظيم قدم تضحيات كبيرة ويستحق الحياة والوجود الانساني كما تعيش كل شعوب.

  • فيما يتعلق برسالته حول سوريا.. كيف يمكن ان تساهم في حل الأزمة؟

افكار اوجلان مناسبة تماما لسوريا المستقبل وتطلعات شعبها كله في ان تكون ديمقراطية، وليس فقط لحل المشكلات المتعلقة بالكرد السوريين، ولانهاء الشقاق الوطني والصراعات المستمرة بين الاطراف المتنازعة، فهي أفكار للتعايش عبر نظام متعدد الاعراق يشعر فيه كل مواطن ايا كان انتماءه انه مواطن له كامل الاهلية مثله مثل الاخرين بما تتنافى معه الحاجة للصراع والحروب الأهلية التي عانت منها البلاد لسنوات، وعندما تأتي هذه الدعوة من اوجلان التي يدين بأفكاره قطاع واسع من السوريين وليس فقط الكرد هناك، وتدخل شخصية مثل اوجلان ولها مثل هذا الثقل لدى الشعب الكردي والشعب السوري والشعب التركي، يمكن ان تكون مؤشراً لحل موضوعي للأزمة السورية ولكن يحول دون قدرة اوجلان على ممارسة هذا الدور التصالحي بسبب ظروف  العزلة والسجن في تركيا.. ولكن العزلة لا تجعلنا نظن أن هذا هو نهاية المطاف، ولا يوجد في السياسة دائم إلا التغيير، ووارد خلال فترة مقبلة ان تتغير الاوضاع في تركيا ويتم اطلاق سراح أوجلان، وهي فرصة تاريخية نادرة يجب ان تستغلها شعوب المنطقة للثقل الانساني والنضالي لأوجلان وأفكاره التقدمية، وفي المستقبل المنظور ستأتي فرصة للاستفادة من افكاره السمحة واراءه التي تجاوزت الانحيازات الضيقة، لبناء شرق اوسط جديد يعيش في وئام وسماحة ويمنع بهذه الروح فرص تدخل الغرب والدول الامبريالية والاستعمارية في شؤون شعوب المنطقة لنهب ثرواتها وتقسيمها.

  • كيف ترى مستوى تأييد هذه الأفكار لدى النخبة الفكرية والثقافية في مصر؟

هناك روابط كبيرة بين الشعبين المصري والكردي بطبيعة الحال، ولا داعي للتأكيد عليها وهي معروفة تماماً، وهناك كثير من الرموز الوطنية والثقافية المصرية مثل محمد عبده واحمد شوقي وآل بدرخان وكثير من المثقفين ينتمون لجذور كردية، وهناك تأثير كبير للكرد في الثقافة الوطنية المصرية ويكفي ان نشير لصلاح الدين الايوبي ودوره التاريخي والرمزي في الثقافة المصرية كقائد كبير، ونحن لدينا مصلحة ثقافية وانسانية كبيرة في حل مشكلة الكرد بما يحقق مصالحهم الوطنية وان تنتقل من قضية مستحيلة الحل بما تبدو عليه الأن، إلى نموذج للسلام والتعايش، والشعب المصري بطبعه يميل لهذا السلام والتعايش، ويناصر هذه القضية، ويعتبر أنه لا يوجد الا شعبين اضطهدا بهذا الشكل وهما الشعب الكردي والشعب الفلسطيني، وكان هناك ايضا الشعب الأرميني ولكنه اصبح لديه دولة وكان هناك حل لها ضمن الاتحاد السوفيتي سابقا، ونحن كمثقفين مصريين نرى أن هذه القضية لابد ان تحل لأن هناك ثقافة كردية وشعب كردي وأرض وشعب له انتشار جغرافي في اربعة دول، ويجب ان يتم حلها بالتوافق مع شعوب المنطقة وحتى لا تنشأ دولة معادية تستقبلها الدول المجاورة بالعداء، وهذا جوهر افكار أوجلان الذي كما ذكرت لم تدفعه عذاباته الشخصية و آلام شعبه لمزيد من التطرف والعنف والرغبة في الانتقام، بل دفعته لموقف انساني نبيل ومتجاوز يبحث عن حلول للانسانية المُعذبة.

  • على المستوى الشخصي كيف ارتبطت بأفكار أوجلان؟

في شبابي كنت متحفظاً على القيادة التقليدية للحركة الكردية لأنها كانت مثل بقية القيادات في المنطقة العربية، ولكن أوجلان مثل قيادة جديدة ومختلفة، وعندما تم القاء القبض على اوجلان كان لدي اهتمام كبير بهذه القضية، والتقيت في هذه الفترة بالمفكر رجائي فايد وبحماسي الشبابي وايماني بقضايا الشعوب وعملي السياسي دشنا معاً كتاب حول أوجلان، وكان الكتاب الوحيد الذي صدر عن اوجلان في المنطقة العربية، وكان اول احتكاك كبير لي ببقية الشعب الكردي، وبدأت اقرأ التراث الكردي والأوضاع في تركيا، وكانت تركيا لازالت تحت الحكم العسكري الفاشي، وكنت عندما اسافرالى أوروبا اقابل الشباب الاتراك والكرد، وارى كيف يعانون من مطاردات المخابرات التركية في العواصم الاوروبية وكيف يعاني اليسار الكردي وكنت اتضامن معهم، وأعتبر أن القضية الكردية هي جزء من قضايانا في المنطقة العربية.

وكنت انفعل بالظلم الذي يتعرض له الشعب الكردي، وأقول الأن أن صدام حسين على سبيل المثال كان يمكن ان يظل قائما لو اعطى للقوميات والمذاهب حريات كافية، ولكن مصير أردوغان سيكون كمصير صدام.

وأعتقد ستكون من اسعد لحظات حياتي عندما التقى أوجلان بعد نيله حريته، يشرفني ان التقيه ولن اذهب الى كردستان قبل تحرر القائد الكردي عبد الله أوجلان.