في مقال له، يربط الكاتب الصحفي فرهاد الشامي التحرّكات الروسيّة في مناطق شمال سوريا بمخطّطات دولة الاحتلال التركي في سوريا وليبيا على حدّ سواء، ويشير إلى إمكانيّة فنح جبهة حلب مجدّداُ "إذا تلقّت أنقرة دعماً من شركائها في الناتو" بهذا الخصوص.
نصّ المقال:
"على مدار اليومين الماضيين، حلّقت الطائرات الحربية الروسية بكثافة في أجواء مدن إعزاز، الباب وصولاً إلى منطقة جرابلس، كما نفّذت غارت وهمية على أهداف جوية في أجواء مدينة إعزاز التي يُفترض أنها واقعة في مناطق نفوذ الاحتلال التركي وظلت بعيدة عن التدخل الروسي منذ بداية الأزمة السورية. بدورها، نفذت طائرات الاستطلاع الروسية جولات في سماء مناطق النفوذ التركية وصولاً إلى الحدود التركية من جهة عفرين، تلك التحركات وإن ظلت بعيدة عن التناول الإعلامي إلا أنها مثيرة للتساؤل على نحو كبير ومصدر قلق للمجموعات المرتزقة العائدة لتركيا التي بقيت بمأمن من الاستهداف الجوي الروسي منذ عام 2016، وتظن أن الاتفاقيات الروسية – التركية ستمنحها المزيد من الوقت للاستقرار في المناطق المحتلة.
تتزامن التحركات الروسية الجوهرية تلك، مع وصول وزير الدفاع التركي وقائد الأركان إلى الأراضي الليبية، وتوجيه رسائل واضحة ومفهومة وجريئة بالدرجة المطلوبة لتحدي الروس والعرب بقيادة مصر، لقاء وزير الدفاع مع قادة وجنود اتراك وتوجيههم بحسب الخرائط إلى تجاوز الخطوط الحمراء المصرية والروسية في منطقة سرت والجفرة واقتناص الفرصة المناسبة لمواصلة الهجوم تؤكد ومن دون رادع أن المعركة في ليبيا باتت معركة تركية بحتة وأي إعاقة لها ستنذر بحرب إقليمية لن تكون تقليدية، لذا، وبغض النظر عن محاولات الفصل بين الملفين السوري والليبي، إلا أن مساحة المناورة والمقايضة في الملفين تبدو شاسعة بالنسبة لتركيا وروسيا ومثيرة لتوجيه الرسائل والرسائل المضادة بين الطرفين وإن كانت لا تحمل نفس النمط كما في مسألة المقايضة على الأراضي السورية، تجاوز سرت الليبية من قبل تركيا يعني تجاوز ادلب والوصول إلى إعزاز والباب وحتى جرابلس وعفرين السورية من قبل روسيا وإن كانت على مستوى تغيير الخرائط من الجو وما يتبعه من تهديد للتواجد التركي إن فقد الجو أو أصبح رهينةّ للسيطرة الروسية عليه، تحاول روسيا مراراً إفهام تركيا بأنها ليست حرة على الأراضي السورية، ووجودها مرتبط بتسيير مهمة الروس في السيطرة على الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام والضغط على التواجد الأمريكي.
بغض النظر عن ذلك، فأن روسيا وجهت خلال الأيام الماضية عدة رسائل تضع اللوم على تركيا لاستمرار الصراع في مناطق شمال غرب سوريا وخاصة ادلب ولم تبدي الارتياح المناسب للآلية التي اتفقت عليها مع تركيا في اذار الماضي بخصوص تسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي M4 في ادلب، وإن استثنينا نشر خبر تعرض إحدى دورياتها لهجوم بقذائف الار بي جي على طريق M4، فأن مهمة الإعلان عن إتمام الدوريات والترويج لها بقيت على عاتق وزارة الدفاع التركية فقط وبقيت خارج الاهتمام الروسي ولو على صعيد اختراق مناطق نفوذ مجموعات تركيا. كما وجهت روسيا عدة رسائل استباقية، أولها، الانسحاب من آلية حماية مستشفيات إدلب التي تقودها الأمم المتحدة وانضمت إليها روسيا طواعية، والثانية، هو التوجه الروسي لتسريع وضع جماعة ’حراس الدين’ المنتشرة في ادلب على قائمة مجلس الأمن الدولي للتنظيمات الإرهابية، وهو ما أثار حفيظة بعض الدول وعلى رأسها أمريكا في وجود خطط روسية لاستغلال ذلك لمواصلة الهجوم على ادلب وقضم المزيد من الأراضي، وهو ما تخطط له موسكو والنظام فعلاً، فالتحشيد العسكري المتواصل والتصعيد اليومي الميداني الذي كانت إيران ومجموعاتها المتهم الرئيسي في تأجيجها، حفزت المجموعات الروسية وجيش النظام أيضاً لتكثيف استهداف المجموعات المرتزقة لتركيا في مناطق محددة في جبل الزاوية وسهل الغاب، وتكثيف التواجد العسكري المنظم في شرق ادلب السهلية.
تدرك روسيا تماماً بأنها باتت بحاجة إلى خريطة جديدة لمناطق النفوذ التركية، ولكن ’صمت الضرورة’ يمنحها هامشاً عملياً للمناورة للتوسع والتثبيت الحقيقي في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، اختلاف ترتيب المراحل في تثبيت نفوذ الروس في تلك المناطق (على الرغم من تعقيدها) أو السيطرة على ادلب تفرض على موسكو إطالة أمد ’تسوية الضرورة’ مع تركيا وتقديم مرحلة ’بعثرة’ الإدارة الذاتية لشمال وشمال شرق سوريا على مراحل السيطرة على ادلب وتوسيع مناطق السيطرة في شمال وشرق حلب التي لن تبقى خارج الصراع في حال بدأت الحرب على إدلب، ولكن الرسالة التركية لروسيا وللعرب في ليبيا في حال دخولها حيز التنفيذ، وتجميد أحلام موسكو في وضع كامل الطريق الدولي M4 تحت سيطرتها بعد الاستقرار الأمريكي في تل كوجر وبناء القواعد العسكرية هناك، وكذلك بناء عدة نقاط عسكرية تركية على نفس الطريق في جنوب ادلب قد تدفع موسكو إلى تقديم مرحلة الحرب على ادلب إلى المرتبة الأولى مرة أخرى وتهيئة مرحلة أخرى من المقايضات سورياً واقليمياً وتوفير وسائل ضغط إضافية على الطراف كلها، ولكن، سيكون على موسكو أو النظام التفكير مراراً وتكراراً في المواجهة مع تركيا التي لم تكتفي ب 12 نقطة مراقبة في المنطقة، بل زادت عليها أكثر من 55 نقطة وقاعدة هجومية، وهي تعتقد – تركيا – بأن الاكتفاء بالدفاع عن ادلب فقط دون الدخول في حالة الهجوم سيكون أقل فعالية واستجابة لأحلامها، ومن غير المستبعد أن توجه مدافعها إلى حلب مرة أخرى وخاصة إن تلقت الدعم المناسب من شركائها في الناتو".