تشهد الأزمة السورية جولة جديدة من جولات المشاورات السياسية بالتزامن أيضا مع الموعد الذي حدده النظام السوري وحلفاءه للهجوم على إدلب، آخر معاقل المعارضة، التي باتت تضم أيضا نحو 10 آلاف من أرهابيي جبهة النصرة، وأكد ستيفان دى ميستورا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا أن تشكيل اللجنة الدستورية السورية يمثل نقطة هامة في إطار عملية سياسية ذات مصداقية لحل أزمة هذا البلد.
وقدم "دى ميستورا" الدعوة لكل من (فرنسا والسعودية والولايات المتحدة وبريطانيا ومصر) وبمشاركة الاتحاد الاوروبي والجامعة العربية، للمشاركة في اجتماع جنيف في 10 و 11 من سبتمبر الجاري، لبحث ترتيبات اختيار اللجنة الدستورية السورية.
وفي هذا السياق، أجرت وكالة فرات للأنباء ANF مقابلة خاصة مع احد أبرز المشاركين في اجتماعات، رئيس منصة القاهرة للمعارضة السورية، الذي كشف عن تحركات لتوحيد جهود مجموعة أستانا والمجموعة المصغرة حول سوريا من أجل دفع عجلة الحل السياسي إلى الأمام... فإلى نص المقابلة:
ما هو تصوركم للمنتظر من اجتماعات جنيف (11 سبتمبر اجتماع مجموعة آستانة، 14 سبتمر اجتماع المجموعة المصغرة )؟
يكتسب شهر سبتمبر لهذا العام أهمية كبيرة جداً ، كونه حسب الأوساط المطّلعة سواء من طرف النظام أو المعارضة شهر الحسم من ناحية ما سيتم البناء على نتائجه لاحقاً .
والمعارضة تعوِّل على تصدي المجموعة الدولية المصغّرة لمسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية أمام شعوبها وأمام مؤسسات المجتمع والقانون الدوليين من خلال العمل على تثبيت مسار جنيف كمخرج وحيد للحل السياسي المنشود والذي يتمثل بالقرار 2254 الذي يكفل التأكيد على حق الشعب السوري في عملية الإنتقال السياسي الذي يتطلع إليه عموم الشعب السوري بعد مأساة إنسانية لا زالت مستمرة منذ ما يقارب ال 8 أعوام ، والنظام يعوِّل على استمرار دعم محور آستانة لمسعاه في استعادة كامل التراب السوري بالقوة المفرطة في ظل غياب الرادع المتمثل بمحور المجموعة المصغّرة، فالنظام يسابق الزمن لتثبيت انتصاره وفرض نفسه كلاعب أساسي من جديد على الساحة السورية بعد أن كانت قوى الثورة والمعارضة تدق أبواب دمشق واللاذقية بين عامي 2013-2014 قبل أن يتدخل الروس ويعيدوا له ولحليفه الإيراني ماء وجههم ويستعيد معظم المناطق التي خسرها خلال الأعوام ال 4 الأولى من الأزمة .
وتتطلّع قوى الثورة والمعارضة في نهاية اجتماعات جنيف أن يتم توحيد جهود المجموعتين (آستانة والمجموعة المصغّرة ) كخطوة أساسية لتنفيذ بنود القرار 2254 لدفع عجلة العملية السياسية للأمام ، كنّا نأمل التزام جميع الأطراف بإنجاح مساعي إنطلاق عمل اللجنة الدستورية ومناقشة كل التفاصيل المتعلقة به كمدخل رئيسي لتطبيق بيان جنيف بدلاً من انشغال جميع هذه الأطراف بمناقشة مخاوفهم ومشاركة هواجسهم حول الكارثة الإنسانية المتوقع حدوثها في إدلب في حال استمرّ التعنّت والصّلف الإيراني في تحريض النظام وجيشه لتغليب الحل الأمني العسكري في إدلب بدلاً من اتخاذ قرار وطني جريء بنبذ العنف والاعتراف بالآخر والتخلي عن فكرة الحسم العسكري وفكرة الانتصار على حساب باقي مكونات الشعب (لا مكان لنظرية الغالب والمغلوب في أي أزمة داخلية) واتباع الأساليب الدبلوماسية القائمة على ضرورة الحوار والتفاوض على أسس وطنية لإنقاذ ما تبقى من سوريا والشعب السوري على قاعدة الإنتقال السياسي، الذي يضمن للشعب السوري حريته وكرامته وأمنه في العودة والعيش في بلده دون أدنى خوف، ويضمن للشعب السوري تحقيق تطلعاته بنظام ديمقراطي جديد أسوةً بباقي الدول المتقدمة والمتحضّرة، وإحلال فكرة تطبيق العدالة محل فكرة الإنتقام التي أرهبت جموع الشعب السوري على اختلاف أطيافه ومكوناته .
- كيف ترى تشكيلة الأطراف المشاركة؟
بالنسبة للاجتماع الأول ( مجموعة آستانة ) :
كما هو معروف فإن هذه المجموعة تضم كل من روسيا وإيران وتركيا ، وإننا ننوّه هنا بعيداً عن محاولة الغرق في تفاصيل لا وقت لذكرها هنا بأنّ الخطورة الأكبر في هذه التشكيلة هي غياب العنصر العربي عنها ، وإننا نؤكد هنا على أنّ استمرار غياب العرب سيفقد سوريا يوماً بعد يوم هويتها العربية وهي من كانت ولا تزال ( رغم كل المحن والصعاب ) قلب العروبة النابض ، ولا يزال الشعب السوري يقاتل نيابةً عن الأمة العربية في حرب أعداء هذه الأمة عليها للنيل من وجودها ووحدتها والعبث بأمنها وأمانها والسيطرة على مقدراتها وطمس تاريخها ومحو هويتها .
بالنسبة للاجتماع الثاني (اجتماع المجموعة المصغرة ) :
هنا يتمثل العرب بكل من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، وبالنظر لكل دولة من هذه الدول على حدا نلتمس مدى أهمية وحدة موقف وقرار هذه الدول مما يحدث في سوريا، وعليهم أن يؤمنوا بقدراتهم في حالتي الحرب والسلم وليعلموا أن الشعوب العربية توّاقة لوحدة طال انتظارها ولو على مستوى المواقف فقط في المنعطفات التاريخية الكبرى التي نمر فيها اليوم، وعليهم أن يؤمنوا أنّ سقوط سوريا نهائياً في يد إيران وباقي أعداء الأمة يعني بالضرورة أن سقوط باقي العواصم العربية مسألة وقت ليس إلا، الرهان اليوم على جيش مصر وإمكانات المملكة العربية السعودية والحنكة والحكمة الأردنية في إدارة هذه الأزمة وفي ضرورة إقناع الدول العظمى بمدى أهمية الاستعانة بالعرب لحل أزمة دولة عربية، وهذا يتطلب إعادة تفعيل دور الجامعة العربية بالسرعة القصوى والاعتماد على الشارع العربي في دعم قضايا الأمن القومي العربي ومواجهة تحدياته وأبرزها التحدي السوري .
وفيما يتعلق بمخاوفنا من تزامن الحديث عن معركة إدلب مع الحديث عن البدء في تفعيل المسار السياسي وإزالة المعوقات التي تؤخر انطلاقه :
تفسير هذه النقطة يكمن في التفريق تماماً بين طبيعة عمل مجموعة آستانة والمجموعة المصغّرة ، فكما يعلم الجميع أن مجموعة آستانة التي تضم كل من تركيا وروسيا وإيران كما ذكرنا تمثل مساراً عسكرياً أمنيّاً بحتاً لم ينتج عنه سوى اتفاقات خفض تصعيد وهدن عسكرية في عدة مناطق وعمليات ترحيل لفصائل عسكرية لمناطق أخرى والإشراف على تشكيل فصائل عسكرية جديدة برعاية كل دولة من الدول الثلاث حسب ما تقتضيه مصالح كل واحدة منهم على حدا ( كل ذلك طبعاً كان لصالح النظام على حساب قوى الثورة والمعارضة )، وهذا الخلل في موازين القوى الذي أحدثه مسار آستانا أدى فيما أدى لمزيد من القتل والتهجير والتشريد وتغذية الأحقاد بين مكونات الشعب، وبالتالي جعل من فكرة الحل السياسي حلماً تذروه رياح الواقع المأساوي الذي فرضه تقدم هذا المسار على حساب المسار الرئيسي المتمثل بمسار جنيف، مسار جنيف الذي انطلق مع بدايات العمل المسلح خلال الأزمة تقريباً عام 2012 واستمر في مواكبة أحداث هذه الأزمة صعوداً وهبوطاً على وقع التغيرات في نتائج الميدان والتوازنات الإقليمية والدولية المتقلّبة إلى أن وصل لمرحلة ما من النضوج أنتجت معها القرار 2254 فيما بدا وكأنه نقطة الإلتقاء التي يمكن أن تجمع أطراف الأزمة الداخليين والإقليميين بالحد الأدني الذي يمكن أن يرضي الطرفين، المجموعة المصغرة هي من تتبنى اليوم مسار جنيف الذي يفضي للحل السياسي حقيقةً .
استمرار عمل مجموعة آستانا بنفس الآلية دون الاندماج والتوافق مع المجموعة المصغّرة يعني كما قلنا تغليب الحل العسكري الأمني على الحل السياسي وهذا يتناقض تماماً مع الغاية من جنيف .
- ماذا عن مشاركة مصر في الاجتماعات المرتقبة في جنيف وخاصة في ظل التحرك لتشكيل لجنة اعداد الدستور؟
نثمِّن عالياً الموقف المصري والجهود المصرية الحثيثة المبذولة على مدار سنوات الأزمة السورية ، فجمهورية مصر العربية لم تألُ جهداً في سبيل حقن دماء الشعب السوري وإنهاء معاناته دون المساس بوحدة التراب السوري وسلامة ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية التي تعود ملكيتها للشعب السوري بالأساس ، مصر التي دعمت الحل السياسي في سوريا وابتعدت عن كل ما له علاقة بالأنشطة العسكرية والأمنيّة بما تتضمنه من تجارة الإرهاب الدولي الذي تقاطعت حوله مصالح جهاتٍ عديدة أولها النظام وحليفه الإيراني الذين كانوا على وشك الإنهيار وثانيهما وثالثهما باقي الجماعات والجهات التي تتبع أجندات إقليمية ودولية تحاول استخدام الساحة السورية لتصفية حساباتها المعلّقة وتعزيز نفوذها على حساب الدم السوري.
دخول مصر ضمن المجموعة المصغّرة هو تعزيز لدور ومكانة المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية ضمن المجموعة كما يمنح المجموعة قوة ووضع متميز لا يستهان به إذا ما تقرر لعب أي دور في المستقبل لإعادة التوازن في الداخل السوري لحماية المدنيين ولفرض الحل السياسي في حال استمرار التعنّت والمكابرة من الأطراف الأخرى.
ووجود مصر هو فرصة جديدة لتثبيت الهوية العربية لسوريا في مواجهة محاولات تمزيق سوريا ومحو هويتها ، ويبدو أنّ مقاربة جمهورية مصر للأزمة السورية كانت الأكثر وعياً ونضجاً بين أقرانها ونظرائها من الدول الفاعلة في الملف السوري نظرا لفهمها الدقيق للأوضاع في البلاد.
نعم لمساعدة الشعب السوري في تحقيق تطلعاته كاملةً...لا لتحويل سوريا لبؤرة إرهاب كبرى وساحة لتصفية الصراعات... لا لتقسيم سوريا و ضرب ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية.