الباحث الكويتي سلطان الأصقة لـ (ANF): أردوغان يمارس سياسة الاحتلال التي عاشها أجداده لمدة 4 قرون

أكد الدكتور سلطان الأصقة أن حكم الدولة العثمانية كان إحتلالا وإحتقارا لشعوب المنطقة، وهو ما يتمسك أردوغان بتجديده رغم فشل مشروعه سعيا لإحياء وهم يسميه أمجاد الدولة العثمانية المجرمة، وكشف الباحث الكويتي الشهير عن تدشين مشاريع ثقافية لمواجهة دعاية أردوغان.

أشتهر بظهوره في العديد من وسائل الإعلام الخليجية بحقائق تاريخية صادمة، حول تاريخ الأتراك وحقيقة الدولة العثمانية، متحثا بالاقتباس والصورة وأحيانا المقاطع المصورة ليجدد قراءة التاريخ وليكسر نمطا كان سائدا لبعض السنين من خلال مفكرين وكتاب عُرف عنهم نتيجة ميولهم الأيديويوجية، الانبهار والترويج للفكر "العثماني الجديد" الذي حاول غزو المنطقة خلال السنوات الأخيرة من خلال مشروع توسعي دشنه نظام حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، ينظر للمنطقة كفناء خلفي يسعى للهيمنة عليه بإعتباره إرث وتركة من الدولة العثمانية البائدة، ولكن سرعان ما ظهر من وصفهم الدكتور سلطان الأصقة بأنهم "صناع الوعي" الذين واجهوا الدعاية التركية الزائفة، فإلى نص الحوار:

 

-        ما هي أبرز الاستنتاجات التي توصلتهم إليها حول التاريخ العثماني في المنطقة؟

التاريخ العثماني في المنطقة؛ كما قال المؤرخ حسين مؤنس في كتابه "الشرق الإسلامي في العصر الحديث" سكن كل شيء في المنطقة وخمد وخمل، وأظلمت جوانبها، وعاشت في ركود 4 قرون... إنتهى كلامه. والجميع يعلم أن الأتراك خرجوا من أواسط آسيا واستوطنوا الأناضول، بعد سقوط الدولة السلجوقية التابعة للعباسيين، واستمرت دولتهم قرابة 600 عام، من بينهم 400 عام قاموا خلالها باحتلال العرب.

وهذا واقع تاريخ تلك الفترة، فإنك ترى البلاد العربية منذ الاحتلال العثماني، لا تجد فيها مراكز فكر وعلم، ولا مدارس أو جامعات، سوى ما تبقى من الأزهر في مصر، والحرمين الشريفين، والمسجد الأموي في سوريا. وعليه؛ فإن اعتبار الوجود العثماني احتلالٌ للمنطقة، فهو اعتبار له وجاهته، ولا يوجد ما يقارعه أو يدحضه؛ فالدولة العثمانية لم تبن مدرسة واحدة، بل إن السلطات العثمانية كانت تتعمد تجهيل العرب؛ كما شهد بذلك المعاصر لحكم الدولة العثمانية آنذاك؛ وهو الشيخ والمفكر والمصلح طاهر الجزائري في سوريا، وذكره عنه المفكر والأديب محمد كرد علي في مذكراته المجلد الأول، وذكره عبدالرحمن الكواكبي قي كتابه أم القرى.

لقد تحدثوا عن أنهم آخر دولة للخلافة الإسلامية، لكن شروط الخلافة لا تتوافر في الدولة العثمانية، هي دولة احتلال وليست فتوحات، حيث إنها لم تدخل بلاداً عربية إلا ومارست صفات المحتل من سلبٍ ونهبٍ لا صفات الفاتح المُنقذ.

إضافة إلى احتقار العثمانيين للعرب عبر التاريخ، وللكرد ولكافة الاقليات في الدولة العثمانية من أرمن وأزيديين وأبناء الجزيرة العربية والخليج العربي وحتى الفرس وغيرهم، حيث كانوا يسمّون أهل نجد، مثلا، بقاذورات الخوارج والحشرات وغيرها.

-        من خلال قراءتكم للتاريخ الى اي مدى يسعى الرئيس التركي لاستنساخ الممارسات التركية خلال الفترة الراهنة؟

أردوغان من خلال حزب العدالة والتنمية، النخبة التي كونها على مدار عقدين من الزمان صنع وهم يسمى بــ"العثمانيين الجُدُد". وأردوغان نفسه قد أعلن أنه يسعى لاستعادة ما يراه مجداً للدولة العثمانية، فقد صرح أردوغان في يناير 2009 بعد حرب غزة، قائلاً: "أنا لست زعيم دولة عادية... أنا زعيم أحفاد العثمانيين"، وقال أحمد داوود أوغلو في كتابه الشهير: "يسموننا العثمانيون الجُدد، نعم؛ نحن العثمانيون الجُدُد، وسنعيد الاهتمام بالمنطقة"، في إشارة إلى الشرق الأوسط، وهو يقصد المنطقة العربية المحيطة بتركيا، التي سعى بعد عامين من هذا التاريخ أي حرب غزة مع ظهور ما سمي وسمته تركيا بالربيع العربي للهيمنة على المنطقة من خلال تيار الإسلام السياسي. وتصريحاتهم تلك مشهورة معلومة، في وسائل الإعلام التركية، ومفاهيم العثمانية الجديدة رصدتها وحللتها مجلة "شؤون تركية" التابعة للمركز الاستراتيجي للأهرام في مصر منذ سنوات طويلة.

-        العداء التركي للكرد ما يزال مستمرا ليس فقط داخل تركيا حيث يزيدون على خمس السكان ولكن ايضا انتقل الرئيس التركي لشن الهجمات ضدهم في سوريا والعراق والتنسيق مع إيران لقمع الوجود الكردي.. كيف تجد هذه الممارسات في تاريخ الفكرة التي يروج لها أردوغان "العثمانية الجديدة"؟

أردوغان أول ما استخدم من سياسات، استخدم "سياسة القوة الناعمة"، وقد أفلحت سياسة قوته الناعمة في البلاد العربية إلى مدىً بعيد خلال السنوات الماضية.

وسياسة القوة الناعمة لديه تقوم على غزو العالم العربي غزواً فكرياً، ولذلك قام بغزوه من خلال الأعمال الدرامية، والترويج السياحي، والسياحة العلاجية، وغيرها.

لكن حينما لا تفلح سياسة القوة الناعمة في مكان من الأماكن، ينتقل إلى استخدام سياسة القوة الخشنة؛ كما فعل في عفرين المحتلة ومعارك ما أسماه "غصن الزيتون"، وهو استغل الحرب من أجل تحقيق أطماعه في المنطقة، من خلال احتلال شمال سوريا، بحجة مواجهة داعش التي صنعها، ثم يجدد عداءه الدفين نحو الكرد، وهو عداء يمكن أن نلمس جذوره في العثمانية التي اعتمدت على إبادة الأقليات.

-        هناك مساعي لاعادة تدخل تركيا في الحج والعمرة من خلال سيطرتها على جزيرة سواكن السودانية لتكون مركزا للحجاج والمعتمرين من قارة أفريقيا إلى بلاد الحرمين كيف تقرأ ذلك في ضوء الادعاءات الأردوغانية بأن أجداده كانوا يدافعون عن البيت العتيق وانت قلت لم يسبق لسلطان عثماني طوال فترة الدولة العثمانية زيارة بيت الله الحرام للحج أو للعمرة؟

أبداً، أبداً، أنا لم أقل في يوم من الأيام أن سلاطين الدولة العثمانية لم يحجوا ولا مرة في حياتهم، أنا لم أقل هذا!

إنما الذي قاله ووكّده ووثقه المصادر التاريخية، وأنا أنقل عنها ذلك، أنه لم يحج ولا سلطان من سلاطين الدولة العثمانية إطلاقاً، لا قبل توليهم السلطنة ولا بعدها.

بل لن تجد من يشكك في ذلك. وقد نشرت من مراجعهم وأرشيفهم ما يثبت ذلك، ومن بينها شهادة مؤرخ تركي متعصب للترك العثمانيين، وهو يلماز أوزتونا، في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية".

وهذا أمر غريب غاية الغرابة، أنهم لم يحجوا أو يعتمروا طوال حياتهم.

وانظر للمصادر التاريخية وسترى توكيد تلك الصدمة. وعلى الرغم من هذه الحقيقة التي لا ينكرونها نراهم يصورون أنفسهم كواجهة للعالم الإسلامي كما حاولوا أن يدعوا قيادة العالم الإسلامي، وهو جوهر فكرة العثمانية الجديدة التي تزعم أحقية تركيا بهذه القيادة المزعومة، وقد ظهر وجهها الحقيقي اليوم في سوريا وليبيا والعراق وغيرهم، حتى في الدول التي بها أقليات مسلمة أو "تركية" سواء في شرق أوروبا ودول البلقان وحتى ألمانيا وفرنسا.

-        ما هي حقيقة شخصية أرطغرل التي يروّج لها بأنها شخصية عظيمة لها ملاحم بطولية في التاريخ العثماني؟

في كتابي القادم جمعت كل ما يوثق أنه شخص مرتزق، وثني وليس بمسلم من الأساس، كما زعموا أنه شخصية عظيمة. وابنه أوصمان مثله وثني مرتزق، أسلم فيما بعد وصار اسمه عثمان.

وهذا موثق في التاريخ، ومن يقولون غير ذلك فاعتمادهم أساطير وخيالات... وقد بدأت تلك الشخصية تظهر حقيقتها الآن للمشاهد ومن يبحث، وقد قدمنا للجمهور العربي كل ما يلزم للبحث في المصادر التاريخية ومعرفة حقيقة هؤلاء.

-        وجدنا كيف اطاح أردوغان خلال مسيرته السياسية بحلفاءه السابقين من الاسلاميين وكيف يستعد رموز حزبه لتدشين حزب جديد ايضا ينقلب على العدالة والتنمية، كيف تجدون جذور تاريخية لهذه الصراعات على السلطة بين أنصار العثمانية الجديدة؟

هو مثل السلطان سليم الأول، ومثل سليمان القانوني وعبد الحميد الثاني، بل حتى أتاتورك، وسننهم سنن مغولية في الحكم. ينقلبون على بعضهم البعض إنقلابات دموية لا تعرف سوى لغة الدم والتصفية الجسدية.

-        لماذا لم يعد هناك قبول من الجماهير العربية للدراما والمسلسلات والثقافة التركية التي حاولت غزو المنطقة خلال السنوات الاخيرة.. وما هو دوركم كباحثين في التنبيه لخطورة السموم التركية التي تدسها في هذه الأعمال الفنية التي تسعى من خلالها لممارسة الحروب النفسية والاختراق الثقافي للمنطقة من خلال القوى الناعمة؟

صناعة الوعي التي يقوم بها الكثيرون آتت أكلها اليوم والحمدلله، فبدأ الناس يقرأون ويبحثون ليجدوا خلاف ما تروجه الدراما التركية من أباطيل. واذا تابعنا على سبيل المثال الدراما الرمضانية سنجد شبه اختفاء للدراما التركية التي كانت مسيطرة، كما ان جاذبية وسائل اعلامهم الناطقة بالعربية في تراجع كبير، وكشفت عدم مصداقيتها. وهناك مشاريع ثقافية نعمل عليها من أجل مواجهة الدعاية الأردوغانية الباطلة، وسيتظهر قريبا جدا.