جدد موقف الأزهر الرافض لتكفير تنظيم داعش الإرهابي عقب العملية التي وقعت بمسجد الروضة, الإنتقادات الموجهة للمؤسسة الأزهرية ومنهجها فى التعامل مع الفكر المتطرف.
وكان الأزهر قد أصدر بيانا رفض فيه تكفير تنظيم داعش الإرهابي، حيث أعلن عباس شومان, وكيل مؤسسة الأزهر أن رفض المشيخة الأزهرية تكفير داعش يرجع لأن مسالة التكفير تفتح أبوابا لا يمكن إغلاقها، وذلك على الرغم من تأكيده أن من قاموا بحادث مسجد الروضة ليسوا من المسلمين.
وشهدت مصر الجمعة 24 نوفمبر أكبر عملية إرهابية فى تاريخها عندما أقدم مسلحون على اقتحام مسجد الروضة بشمال سيناء الحدودية واستهداف المصلين أثناء خطبة الجمعة ما ادي لسقوط أكثر من 300 ضحيّة بينهم أطفال ونساء وإصابة أكثر من 130 من رواد المسجد. وهي الجريمة التي أحدثت حالة من الصدمة بالشارع المصري خاصة أنها المرة الأولي التي يتم فيها استهداف مسجد وقتل المصلين أثناء الصلاة .
ويواجه الأزهر انتقادات عديدة من المثقفين المصريين تجاه مواقفه من الإرهابيين والتنظيمات المتطرفة, والتي يصفها البعض بالضبابيّة الرخوة فى نفس الوقت الذي يتبني مواقف مناهضة لحرية الرأي والتعبير ومطاردة المثقفين والمبدعين أمام ساحات المحاكم.
ويعتبر الأزهر الشريف جزء من النظام السياسي المصري، ويعتمد عليه النظام فى تعزيز شرعيته خاصة أن شيخه أحمد الطيب كان أحد الحاضرين فى بيان عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي فى 2013 .
وطوال فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي, الذي انتخب رئيسا لمصر منتصف 2014, كان الأزهر موجودا فى كل المناسبات، وكان شيخه أحمد الطيب مدعوا فى كل المؤتمرات التي يشارك بها الرئيس.
حالة الود بين الرئيس المصري والمؤسسة الأزهرية بدأت تذوب بعد أشهر قليلة من تولي السيسي السلطة بعد أن دعا الرئيس المصري فى أحد الإحتفالات الدينية لما أسماه "ثورة دينية" ضد الأفكار المتطرفة التي يمتلىء بها التاريخ الإسلامي ويتعامل معها المسلمون كمقدسات، وطالب السيسي علماء الأزهر بثورة لتصحيح الأفكار والمفاهيم الخطأ بالفقه الإسلامي.
دعوة السيسي لم تجد آذانا صاغية من مؤسسة الأزهر وهو ما أثار امتعاض الرئيس ونظامه، وبدأت وسائل الإعلام الموالية للنظام تشن هجوما على الأزهر وشيخه وتتهمه بالتقاعس أو العجز عن تطوير الخطاب الديني .
"تعبتني يا فضيلة الإمام", بهذه العبارة عبر الرئيس المصري لأول مرة بشكل علني عن امتعاضه من مؤسسة الأزهر وعدم تجاوبها مع طموحاته فى تجديد الخطاب الديني، وكان ذلك فى سياق حديث للسيسي فى أحد الاحتفالات العامة التي دعا خلالها لمنع الإعتراف بالطلاق الشفوي للحفاظ على الأسرة المصرية .
دعوة السيسي لمنع الطلاق التي رفضتها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف, مثلت طلاق بين الرئيس والإمام. إذ تصاعدت حدة الإنتقادات الموجهة لشيخ الأزهر فى الإعلام الحكومي وسط اتهامات للأزهر بأنه مخترق من الإخوان والسلفيين. وشهدت تلك الفترة مواجهات إعلامية ومقالات متبادلة بين أساتذة الأزهر والمثقفين المنتقدين للأزهر وشيخه .
وجاء رفض الأزهر تكفير داعش ليمنح المثقفين خنجرا جديدا فى معركتهم ضد المؤسسة الدينية بمصر، فقد قلّب المثقفون في الذاكرة، وأعادوا نشر معارك الأزهر مع رموز الثقافة والأدب في مصر.
واعتبر مثقفون أن الأزهر الذي يرفض تكفير داعش, حتى لا يقع في فتنة التكفير، فعل ذلك مرات عديدة مع مثقفين وإعلاميين. بداية من البلاغ الذي قدمه شيخ الأزهر أبو الفضل الجيزاوي ضد عميد الأدب العربي طه حسين وكتابه "في الشعر الجاهلي"، وكانت التهمة التعدي على دين الدولة، لم يكفر الأزهر طه حسين، فقط اتهمه بالتعدي على الدين، ليأتي التكفير بعد ذلك من المتشددين.
وفي 1950 قدم رئيس لجنة الفتاوي بالأزهر تقريرا إلى النيابة العامة عن كتاب "من هنا نبدأ" للمؤلف والمفكر الإسلامي خالد محمد خالد، وضم التقرير اتهامات للمؤلف بالتعدي على الدين الإسلامي، وتمت مصادرة الكتاب.
اضطهاد وعزل
وبينما يرفض الأزهر الآن تكفير داعش، شكك في عقيدة الإمام محمد عبده، مفتي الديار المصرية. فبعد الثورة العرابية، عاد الإمام إلى الأزهر وفي نيته التجديد والإصلاح، الأمر الذي أدى لاضطهاد مشايخ الأزهر له، ووصل الأمر للتشكيك في عقيدته، ليضطر الإمام إلى التخلي عن منصبه كمفتي للديار، وترك الأزهر.
لكن المعركة المهمة والتي تشرح الكثير، هي معركة كتاب "الإسلام وأصول الحكم". في عام 1925 وبعد سقوط دولة الخلافة العثمانية. كتب الشيخ الأزهري والقاضي علي عبد الرازق هذا الكتاب، وتحدث فيه عن الخلافة وما نتج عنها من حكم استبدادي، ودعا عبد الرازق في كتابه إلى مدنية الدولة، وقال إن الخلافة ليست لها أصول في الدين الإسلامي. الأمر الذي أحدث ضجة كبرى في أروقة الأزهر، وقامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة الشيخ علي، وجردته من درجته العلمية وعزلته من القضاء.
رِدّة وإغتيال
في أواخر الثمانينات, صدرت فتاوي بارتداد المفكر فرج فودة، بسبب نقده للدولة الدينية، والدعوة لمدنية الدولة، وشنت جبهة علماء الأزهر هجوما كبيرا عليه، أدى في نهاية الأمر لاغتياله، وأثناء محاكمة قاتليه، شهد الشيخ محمد الغزالي وأفتى بـ "جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها. وإن كان هذا افتئاتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة".
في الوقت الذي اغتيل فيه فرج فودة، كانت هناك محاولة لاغتيال الأديب نجيب محفوظ، الأزمة التي بدأت في نهاية الخمسينات بتقرير رفعه الشيخ محمد الغزالي إلى جمال عبد الناصر، بخصوص رواية "أولاد حارتنا"، انتهت الأزمة بعدم نشر الرواية في مصر، ولكن في نهاية الثمانينات، دافع نجيب محفوظ عن الكاتب الهندي سلمان رشدي صاحب "آيات شيطانية"، الأمر الذي أدى في النهاية لمحاولة اغتياله.
تكفير وتفريق
بسبب بحث قدمه نصر حامد أبو زيد، الذي كان يعمل أستاذا بكلية الأداب جامعة القاهرة، تم تكفيره، وصدر حكم بالتفريق بينه وبين زوجته، فلا يجوز لمسلمة أن تتزوج كافرا ، اضطر ابو زيد وزوجته للهجرة من مصر واللجوء إلى هولندا.
وكان أبو زيد قد تقدم ببحث عنوانه "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية وانعقدت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة، رأسها الدكتور عبد الصبور شاهين، وكتب شاهين تقريرا أوضح فيه عداوة أبو زيد لنصوص القرأن والسنة، والدفاع عن العلمانية، الأمر الذي أدى إلى رفع دعوى الحسبة ضده، وصدر حكما من المحكمة باعتبار أبو زيد مرتدا عن الدين الإسلامي.
منع وتكفير
تدخل الأزهر في مرحلة ما قبل ثورة 2011 لمنع رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي السوري حيدر حيدر بدعوى الإساءة إلى الدين الإسلامي ، كما اتُهم الشاعر حلمي سالم بالكفر بسبب قصيدته "شرفة ليلى مراد"، بعد أن رفع الأزهر تقريرا إلي المحكمة واتهم فيها الشاعر بالكفر.
محاكمة وسجن
فى يوليو 2016 قررت محكمة النقض في مصر تأييد عقوبة حبس الإعلامي والباحث إسلام بحيري بالحبس لمدة سنة لإدانته بارتكاب جريمة ازدراء الدين الإسلامي.
تعود القضية إلى شهر إبريل من العام الماضي عندما تدخل الأزهر الشريف لوقف برنامج تلفزيوني اعتبره مسيئا للإسلام وقرر ملاحقة مقدمه والقناة التي تبثه قضائيا.