"استسلام ترامب لأردوغان.. هكذا بدأت قصة خيانة واشنطن للكرد في سوريا"

يرى الصحفي الأمريكي لوك موغلسون أن ما وصفه بـ"استسلام ترامب لأردوغان"، هو السبب وراء "خيانة الولايات المتحدة للكرد"، وتدميرهم لأنجح شراكة عسكرية قام بها الجيش الأمريكي في عالم ما بعد 11/ أيلول سبتمبر.

وكتب الصحفي لوك موغلسون تحقيقا بعنوان "تخلي الولايات المتحدة عن سوريا"، رصد فيه تداعيات قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، وما وصفه الكاتب بخيانة شركاء الولايات المتحدة الكرد الذين حاربوا تنظيم داعش الارهابي وهزموه، موضحا ابعاد عديدة في العدوان التركي على شمال شرق سوريا، كما نشر الكاتب في تحقيقه مقتطفات من مقابلات أجراها مع عدد من المسؤولين الأمريكيين، بالإضافة إلى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.

ورصد التحقيق محاولات هروب العناصر الارهابية من المخيمات والسجون خلال العدوان التركي على شمال شرق سوريا في تشرين الاول/ اكتوبر الماضي. كما اشار إلى ان تعاون الجيش الأمريكي مع قوات سوريا الديمقراطية في حربها ضد تنظيم داعش الارهابي كان أهم الاسباب التي اغضبت رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، معتبرا أن النظام التركي الذي شن العديد من الهجمات للاستيلاء على البلدات والمدن الكردية الحدودية سيواصل شن المزيد منها.

واعتبر الكاتب إن أول خيانة أمريكية للكرد كانت عندما توسط الأمريكيون في اغسطس الماضي في اتفاق لعدم اعتداء أردوغان وقيامه بالعملية العسكرية التي كان يتوعد بها، حيث وثق الكرد في الأمريكيين، الذين وفقا للاتفاق، سيعملون كضامنين، وعلى الرغم من تنفيذ قوات سوريا الديمقراطية لتعهداتها، وتسيير دوريات مراقبة تركية وأمريكية، وعدم عبور أي كردي للحدود التركية، "سرعان ما رفض أردوغان المنطقة العازلة باعتبارها غير كافية، وأصر على توسيعها، وقبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أعلن عن نيته ضم أكثر من خمسة آلاف ميل مربع من الأراضي الكردية، وإنشاء "ممر سلام" حيث يمكن إعادة توطين مليوني لاجئ سوري يعيشون في تركيا. سيكون اللاجئون من العرب بشكل ساحق ومن مناطق أخرى من سوريا. وستضم الحافة الجنوبية للممر عين عيسى ومخيم للاجئين ومصنع لافارج للأسمنت (الذي اشار الكاتب سابقا إلى استخدامه كقاعدة أمريكية). وندد المراقبون الدوليون بالمخطط باعتباره محاولة صارخة للهندسة الديموغرافية من المؤكد أنها ستؤدي إلى الصراع والكارثة الإنسانية".

بعد أسبوعين، أصدر البيت الأبيض بيانًا صحفيًا يفيد بأن الرئيس دونالد ترامب وأردوغان قد تحدثا عبر الهاتف. في حين أن تفاصيل المحادثة لم يتم الإعلان عنها للجمهور، إلا أنها كانت انتصارًا لأردوغان. وأوضح البيان الصحفي أن "تركيا سوف تمضي قدمًا في القريب العاجل في عملياتها المزمعة منذ فترة طويلة في شمال سوريا"، مضيفًا أن القوات الأمريكية "لن تكون في المنطقة المجاورة". وبعد إخلاء الولايات المتحدة للمنطقة العازلة، ضربت الطائرات التركية والطائرات المسيرة والمدفعية كري سبي/ تل أبيض والمدن الحدودية الأخرى. ثم رفضت الولايات المتحدة طلبات متكررة لقوات سوريا الديمقراطية التي لا تمتلك أي أصول جوية، لفرض منطقة حظر طيران.

وطوال تلك الفترة، راقب الأمريكيون في صمت قيام المرتزقة التابعين لتركيا بجرائم حرب وجرائم تطهير عرقي خلال عدوانهم على المناطق الكردية في شمال شرق سوريا، مشيرا إلى توثيق ذلك في مذكرة داخلية للمبعوث الأمريكي في سوريا وليام روباك، المستشار الامريكي الخاص في قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش.

ومن المفارقة، أن العالم اهتم في هذا التوقيت بالأنباء عن هروب عشرات الآلاف من مقاتلي وأقارب الدواعش من السجون الكردية، أكثر من اهتمامه بالاعتداء على الكرد وقتلهم على يد الجيش التركي، مشيرا إلى هروب عدد من المعتقلين شمالا باتجاه الحدود التركية.

ومن مشاهد "تخلي الأمريكان عن سوريا" بحسب التحقيق كان نقل الأمريكيين لأسلحتهم ومعداتهم خارج سوريا، وسط القاء السكان المحليون الحجارة عليهم، وتوبيخهم ووصفهم بالخونة. ومشهد أخر، عندما أطلق الجيش الأمريكي صاروخين من مقاتلة من طراز اف 15 على مصنع لافارج للأسمنت الذي كان يستخدم كقاعدة عسكرية أمريكية، حيث ذكر متحدث باسم الجيش الأمريكي أن الجيش فعل ذلك "لتقليل الفائدة العسكرية للمنشأة"، وهو استنتاج مذهل أطلقه على ما يمكن القول أنه كان "أكثر الشراكات العسكرية الأمريكية نجاحًا في حقبة ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول"، بحسب الكاتب.

ويرى الكاتب أن الشراكة بين الجيش الأمريكي والقوات الكردية، بدأت في عام 2014، عندما اقتحم داعش شمال سوريا وكانت المقاومة المسلحة ذات المعنى الوحيدة التي مواجهة التنظيم هي مجموعة صغيرة من الرجال والنساء الأكراد الذين أطلقوا على أنفسهم "وحدات حماية الشعب"، أو Y.P.G، وذلك في وقت سحبت فيه الحكومة السورية معظم قواتها من المنطقة قبل عامين، لقمع الانتفاضات في أماكن أخرى من البلاد).

حاصر آلاف مقاتلي داعش كوباني في نهاية المطاف، وهي مسقط رأس قائد وحدات حماية الشعب آنذاك مظلوم عبدي. وظهرت مقاطع مصورة للمجازر التي قام بها الدواعش. وتابع الكاتب: "عندما قابلت مظلوم، في فبراير/ شباط، تذكر أنه أخبر مقاتليه أنه لم يكن بإمكانهم تحت أي ظرف أن يتركوا داعش يتقدم خارج الشارع الذي نشأ فيه. استولى داعش على منزله مرتين، وبحسب مظلوم، في المرتين كان Y.P.G. قد استعاده. بحلول ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة قد بدأت في تقديم الدعم الجوي للكرد المحاصرين. وقال مظلوم إن القادة الأمريكيين نصحوه بتسليم كوباني وعرضوا تغطية تراجعه. رفض. عندما استولى تنظيم داعش على منزله للمرة الثالثة، اتصل بالأمريكيين، وطلب منهم تدميره. قال مظلوم "كان ذلك عندما تغير الزخم". "بعد أن قصفوا منزلي، استعادنا الحي، ومن هناك واصلنا في التقدم". دفع الكرد في نهاية المطاف داعش إلى خارج كوباني، وعندها اقترحت الولايات المتحدة مواصلة دعمهم من الجو، طالما أنهم تابعوا هزيمة داعش على الأرض".

كما اشار الكاتب إلى نشأة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وما كان يواجه كبقية الكرد من قمع في ظل النظام السوري الذي أرسى عملية قمع الكرد، كما فعل النظام في تركيا ايضا، ففي سن الثالثة عشر سُجن لقراءة كتاب باللغة الكردية، وكطالب في جامعة حلب تم اعتقاله أربع مراتب بتهمة المشاركة في "أنشطة سياسية".

واستعرض الكاتب كفاح وحدات حماية الشعب منذ تأسيسها خلال الحرب السورية، وبروزها في الدفاع عن المناطق الكردية ضد هجمات تنظيم داعش الارهابي، ثم تأسيس قوات سوريا الديمقراطية التي استوعبت آلاف المقاتلين العرب والأرمن والآشوريين والتركمان والسريان وغيرهم، مؤكدا على تمكن الكرد من إدارة المناطق المحررة من خلال ما وصفه بـ"البيروقراطية الناشئة" في ذلك الوقت، في إشارة إلى الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا.

وأوضح الكاتب أن ما تميز به مظلوم عبدي من مهارات عسكرية وقيادية ودبلوماسية، ساهمت في تطوير علاقات غير عادية بين قوات سوريا الديمقراطية والمسؤولين الأمريكيين، مشيرا إلى تصريحات خاصة لبريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص السابق للتحالف الدولي ضد داعش، قال فيها: "أثبت مظلوم أنه فعال بشكل لا يصدق عسكريًا ودبلوماسياً، حيث جلب عشرات الآلاف من المقاتلين العرب إلى القوة. النتائج تتحدث عن نفسها". على الرغم من التفاني المتناهي وحتى آخر نفس للحقوق الكردية، كان مظلوم حاسماً في توحيد الفصائل غير الكردية المتنوعة في قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة القبائل العربية المتنافسة. قال ماكغورك: "إنه عملي ومهذب". "لقد أصبح محاورًا ومفاوضا موثوقًا به".

وتابع الكاتب: "اليوم يقود مظلوم أكثر من مئة ألف مقاتل، أقل من نصفهم من الكرد. إن ذلك هو مساره المذهل، من زعيم قوة وليدة إلى جيش متعدد الأعراق يسيطر على مساحة كبيرة من سوريا، لقد منحه ذلك مكانة أسطورية تقريبًا... قال لي عنه ضابط في الجيش الأمريكي، "مظلوم هو جورج واشنطن الخاص بالكرد".

واوضح الكاتب أن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية ظل بعيدا عن الصحافة والظهور الاعلامي حتى اعلان الانتصار على داعش في اخر معاقلها ونهاية "الخلافة" المزعومة، مشيرا إلى أنه منذ ظهوره في آذار مارس 2019 لإعلان ما حققته قوات سوريا الديمقراطية من انتصارات على داعش، حذر العالم بأسره من أن خطر داعش والقاعدة لا يزال قائما، وطلب استمرار الدعم العسكري من أجل بدء مرحلة جديدة من الحرب ضد الإرهاب، مناشدا الولايات المتحدة ألا تتخلى عن سوريا قبل فوات الأوان. وأكد الكاتب أن قلق عبدي كان مفهوما، فقبل ذلك بثلاثة أشهر أي في كانون الأول ديسمبر 2018 بينما كانت قوات عبدي لا تزال تقاتل بقوة في دير الزور، أعلن ترامب على تويتر: "لقد انتصرنا ضد داعش"، ووجه البنتاغون بسحب جميع القوات من سوريا خلال 30 يوما، وما أدى إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس وبريت ماكجورك احتجاجا على القرار المتسرع.

عندما سألت مظلوم إذا كان القادة العسكريون والمدنيون الأمريكيون قد بدأوا في الإعداد لمغادرتهم بعد إعلان ترامب، قال لا على الإطلاق. وقال مظلوم "بالأساس، قالوا لنا إن ذلك لن يحدث".

"تُنسب الكارثة التي لحقت بشمال سوريا بعد ذلك على نطاق واسع إلى استسلام ترامب لأردوغان، الذي يعتبره الكثير من الناس خيانة فادحة للكرد"، بحسب الكاتب.. مضيفا: "يبدو أن القادة والدبلوماسيين الأمريكيين قدموا التزامات تتعارض مع تصريحات ترامب الصريحة، مما يضفي إحساسًا زائفًا بالأمن للكرد".

وتابع الكاتب: "بكل المقاييس، كان هؤلاء الأمريكيون يؤمنون بصدق بشراكتهم مع الكرد، وقد شعروا بالغضب من الطريقة التي انتهت بها تلك الشراكة. والسؤال هو ما إذا كانوا قد أساءوا للكرد من خلال عدم شرحهم بشكل كاف أن الإرادة الجماعية للمؤسسات الأمريكية يمكن إلغاؤها على الفور بتغريدة رئاسية - وأن نشر مثل هذه التغريدة كان على الأرجح سيحدث. ففي سوريا، ربما أكثر من أي مكان آخر، فإن الاحتكاك غير المسبوق بين البيت الأبيض ومؤسسة السياسة الخارجية كان عرض مستمر بشكل صارخ. تقريبا كل كردي قابلته، بما في ذلك مظلوم، ميز بين الجيش الأمريكي وقائده العام. قال مظلوم "بعد كل المعارك التي قمنا بها معًا، كان لدينا الكثير من الثقة في الأمريكيين". "لم نتخيل أبدًا أن كل شيء يمكن أن يتغير في يومين فقط". بعد وقفة، وصف الانتقادات: "نحن نعلم أن هذا كان قرارًا سياسيًا. ما زلنا نثق في إخواننا الأمريكيين."

 

(يتبع)