جاء ذلك في لقاء خاص لوكالة فرات للأنباء ANF مع إلهام أحمد، التي تحدّثت عن الأزمة الليبيّة وتدخّلات الدولة التركيّة فيها، إلى جانب بيان الحكومة الألمانيّة حول تواجد الجيش التركي في سوريا وقمّة آستانا السادسة، بالإضافة إلى الأوضاع الأخيرة في إدلب.
وأوضحت أحمد أنّ الدولة التركيّة انتهجت سياسة "صفر مشاكل" في علاقاتها الخارجيّة، "لكنّها لم تلتزم بتلك السياسة لأمد طويل، حيث تحوّلت إلى سياسة اختلاق الأزمات، بداية مع دول الجوار، ومن ثمّ مع دول عدّة. ونرى كيف أنّ علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي تمرّ بأزمة يستعصي حلّها، حيث بات انضمامها للاتحاد مرهون بعدّة شروط لن تستطيع أنقرة تحقيقها بسبب عقليّة النظام الحاكم هناك.
كما أنّها حاولت أن تصنع علاقات جيّدة مع الدول العربيّة، باسم الإسلام، لكّن ذلك لم يتوافق مع طموحاتها العدوانيّة، لذا قامت الدولة التركيّة بدعم مجموعات جهاديّة في سوريا وعلى رأسها تنظيم داعش. هذا الأمر أزّم العلاقات بينها وبين الدول العربيّة، خاصّة بعد تدخّلها في الأزمة الليبيّة. هذا التدخّل الذي أزعج الدول الأوروبيّة أيضاً، التي بدأت بالتخلّي عن سياسة الرضوخ لتركيا رويداً رويداً.
إنّ هدف الدولة التركيّة من تدخلّها في ليبيا هو تطبيق حصار على الدول العربيّة في شمال إفريقيا وأيضاً تأسيس حدود بحريّة جديدة تمتدّ من سواحلها حتّى سواحل ليبيا، وبهذا الأمر ستتمكّن من قطع إمدادت الغاز الطبيعي عن أوروبا. والدول العربيّة الأكثر تضرّراً من هذا المخطّط التركي هي مصر، الإمارات والمملكة العربيّة السعوديّة، لذا نرى بأنّ هذه الدول تتحرّك لمواجهة مخطّطات تركيا.
تدعم كلّ من تركيا وروسيا طرفي الصراع في ليبيا، وهذا الأمر يعني أنّ الدولتين تتصارعان في ليبيا، لكنّ هذا الصراع لم يكن إلّا شكليّاً، حيث بتنا متأكدّين بأنّ أنقرة وموسكو متّفقتان في هذا الصراع، والهدف هو قطع خطّ الغاز الطبيعي والنفط عن أوروبا".
وأشارت إلهام أحمد إلى "قيادة" تركيا للتنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة في الشرق الأوسط والعالم أجمع، و"بهذه القيادة، تسعى الدولة التركيّة إلى قيادة العالم الإسلاميّ السنّي بدلاً من السعوديّة. ونعلم بأنّ إيران هي من تقود العالم الإسلاميّ الشيعي. لذا فإنّ أنقرة تدعم المجموعات الجهاديّة السنّية في الدول العربيّة وغيرها كي تستلم زمام القيادة من المملكة السعوديّة، وهدفها الرئيسيّ من هذا الأمر هو إعادة الإمبراطوريّة العثمانيّة، وتصبح قوّة عالميّة أسوة بأمريكا، روسيا والصين ويكون لها نفوذ كبير في الدول العربيّة والإسلاميّة وتكون قادرة على تمرير مصالحها في الدول الأوروبيّة".
وتابعت "بعد أن تنبّهت أوروبا لحقيقة الاتّفاق بين روسيا وتركيا في ليبيا، وخطر هذا الاتّفاق على مصالحها، تحرّكت عدد من دولها لمجابهة طموحات تركيا التوسّعية في شرق البحر المتوسّط. رأينا كيف تحركت اليونان وقبرص، بالتزامن مع موقف فرنسا التي طالبت أنقرة بتقديم أيضاحات حول مآربها. وأيضاً على الجانب العربي، رأينا كيف تحرّكت مصر، وهي دولة قويّة في المنطقة، وموقفها المجابه لتركيا كان له تأثير بين الدول العربيّة، التي تدعم قوّات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، وهذا التحرّك جاء بعد أن كشفت الدول العربيّة الأهداف الحقيقيّة لروسيا، التي أيضاً تدعم حفتر.
عندما رأت الدول العربيّة أنّ تركيا مصرّة بالتحرّك نحو سيرت، المدينة الليبيّة الغنيّة بالنفط، أبدت مصر موقفاً صارماً، لأنّ سيطرة تركيا على هذه المدينة يشكّل خطراً حقيقيّاً على أمنها القومي، فأيّ مكان تتواجد فيه تركيا، يكون لتنظيم داعش ومجموعات جهاديّة أخرى حضور قويّ وفعّال، وهذا الأمر هو خطر على أمن مصر، التي أعلنت قيادتها أنّ سيرت هي خطّ أحمر لا يمكن لتركيا أن تقترب منه، وما الضربات القويّة التي تلقّاها الجيش التركي إلّا دلالة على جدّية مصر في مواجهة مخطّطات تركيا".
ولفتت رئيسة الهيئة التنفيذيّة لمجلس سوريا الديمقراطيّة إلى موقف الحكومة الألمانيّة الأخير من الاحتلال التركي لشمال وشرق سوريا، وقالت "لدى الدولة التركيّة تنظيم متماسك في ألمانيا. فهي تشرف على غالبيّة المساجد في ألمانيا، كما تقوم بتنظيم الحركات التي تنتهج الخطّ الإسلامي. وهذا الأمر يشكّل خطراً على أمن ألمانيا، لذا رأينا أنّ برلين باتت تتّخذ مواقف جدّية من مآرب تركيا.
قبل أن تتدخّل الدولة التركيّة عسكريّاً في شمال وشرق سوريا وتحتلّ أراضٍ هناك، تمكّن الكرد من قيادة تحالف من شعوب المنطقة والقضاء على تواجد تنظيم داعش الإرهابي، وهذا الأمر لم يتناسب مع مصالح تركيا، لذا تدخّلت عسكريّاً واحتلّت مدناً في شمال وشرق سوريا. لو نلاحظ بأنّ الاحتلال التركي لمدينتي سرى كانيه (رأس العين) وتل أبيض (كرى سبي) ترافق مع ازدياد قوّة النظام السوري في نقاط معيّنة من تلك المناطق، وهذا يعني بأنّ الدولة التركيّة ترغب في أن يكون النظام قويّاً ليتمكن من السيطرة على مناطقنا. والحكومة الألمانيّة باتت تدرك مخاطر كلّ هذه الأمور على أمنها، لذا فإنّنا نفسّر مواقف برلين المعارضة لسياسات تركيا بشمال وشرق سوريا في هذا السياق.
كما يعلم الجميع، في سوريا هناك حرب مصالح بين عدّة دول كبرى. وفي هذا الإطار، التقى كلّ من فلاديمير بوتين وحسن روحاني وأردوغان، في 2 تمّوز الجاري، في إطار اجتماعات آستانا 6، وكان الاتّفاق الأبرز هو الذي استهدف إدارة شمال وشرق سوريا، ومن هنا ماذا يمكننا أن نفهم؟
منذ بدء اجتماعات آستانا، ولم نرى أيّ قرار يخدم مصالح الشعب السوري، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ أنّ كلّ عمليّات التهجير وما رافقها من تغيير ديموغرافيّ كانت من نتائج تلك الاجتماعات. نحن نؤكّد على الدوام أنّ الأهداف الحقيقيّة للدول الراعية لآستانا تتمحور حول تقسيم الأراضي السوريّة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال كلّ عمليّة عسكريّة تركيّة داخل سوريا، حيث كانت تعقب كلّ عمليّة منها اجتماعاً في آستانا، وكلّ منطقة يدخلها الجيش التركي، تباشر أنقرة في فرض قوانينها وسياساتها فيها، على سبيل المثال ترفع أعلامها على الدوائر الرسميّة وتكتب عناوينها باللغة التركيّة، وأيضاً إنشاء فروع للبريد التركي PTT، إلى جانب تأسيس مدارس وجامعات باللغة التركيّة. هذه كلّها مؤشّرات على نيّة تركيا في ضمّ تلك المدن إلى خريطتها.
وبعد الاجتماع الأخير في آستانا، باشرت الدولة التركيّة بتكثيف هجماتها على محيط بلدة عين عيسى، وهدفها، حسب ما يتّضح، هو احتلال مناطق جديدة في شمال وشرق سوريا".
وختمت إلهام أحمد حديثها بالتطرّق إلى الأوضاع الميدانيّة في إدلب، قائلة: "الوضع في إدلب لا يخصّ تركيا وحدها. هناك تأثير كبير للأمم المتّحدة وأمريكا على الأوضاع بالعموم في تلك المنطقة من الشمال السوري. وبقاء الوضع على حاله هو بسبب تدخّل أمريكا وأوروبا، حيث لم يكن مسموحاً لقوّات النظام السوري ومن خلفها روسيا وإيران بالتقدّم أكثر هناك. وهذا الأمر مرتبط بعدم رغبة أوروبا في حركة نزوح كبيرة من إدلب، ومعلوم أنّ تركيا تستغلّ اللاجئين ورقة ضغطٍ على أوروبا.
الرغبة في السيطرة على الطريق الدولي M4 خلقت قتالاً بين قوّات النظام وداعميه الروس والإيرانيّين من جهة، وبين الفصائل المرتزقة المدعومة من الدولة التركيّة من جهة أخرى، لكنّ أمريكا ودولاً أوروبيّة تدخّلت لوقف القتال والاتّفاق على فتح الطريق، ورأينا تصريحات مسؤولين أمريكيّين قالو فيها ’نحن ندعم تركيا في موضوع إدلب’ وهذا ما أجبر تركيا على الرضوخ للمطالب الأمريكيّة بوقف القتال على الطريق الدولي.
الآن هناك هدنة هشّة في إدلب، لكن لا نعلم إلى متى ستصمد هذه الهدنة. فالنظام السوري وحلفاؤه يستعدّون لمعركة كبيرة، وفي المقابل، تحشد تركيا تعزيزات عسكريّة كبيرة استعداداً لعمليّة واسعة النطاق، وهذا مؤشّر على احتماليّة نشوب حرب كبيرة في تلك المنطقة".