رغم أن تنظيم الاخوان بات مصنفاً في أغلب الدول على أنه منظمة إرهابية بعد دورها في المنطقة من أجل نشر الفوضى عبر استخدام العنف المسلح للاستيلاء على الحكم، فإن تركيا تصّر على دعمها لهذا التنظيم وتأمين ملاذ آمن لهم عن طريق استضافة قيادات التنظيم ودعمهم مالياً وايديولوجياً وتأمين أماكن لهم من أجل التدريب والتخطيط للمزيد من المؤامرات، وتؤكد استضافة تركيا لهم إصرار حكومة اردوغان على عدم الاكتراث بالأمن إنما التدخل في شؤون الدول المجاورة وعزمه استخدام هذه الجماعة من أجل تحقيق حلمه بالسلطنة العثمانية وإحيائها، وإعادة الزمن لنحو قرن من الآن.
ويتضح من دعم اردوغان لهذه الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن دول الشرق الأوسط والدول العربية عبر استخدام جماعات إرهابية مثل تنظيم الإخوان كوسيلة غايتها واضحة وهي تحقيق حلم اردوغان التوسعي والاستعماري الأمر الذي يضع المنطقة أمام خطر حقيقي.
خلاصة السياسة التركية هذه لا تخفيها حكومة اردوغان كما جاء على لسان مستشاره آكطاي: "إن إسقاط الخلافة العثمانية تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان ليكون ممثلاً سياسياً في العالم الإسلامي نيابةً عن الأمة الإسلامية، وإن لها فروعها الخاصة وفقهها الخاص، وهي تمثل اليوم ذراع القوة الناعمة لتركيا، وأن الجماعة ترحب بالدور التركي في المنطقة، وهم بالتالي ينظرون إليه على أنه بديل للخلافة العثمانية التي تم إسقاطها"، ولتحقيق هذه الأجندة وجدت تركيا في الإخوان حليفاً وثيقاً ولاسيما حزب العدالة والتنمية الذي ليس ببعيد عن مبادئ تنظيم الإخوان.
ومن ناحية أخرى يبدو أن جهود تركيا لتقديم نفسها كعنصر توازن مع إيران قد انتهت بالفشل بعد أن أصبح واضحاً أن اردوغان يريد أن يحصل على نصيبه من الأراضي السورية مشاركاً طهران وموسكو وأنه لا يهمه تحجيم النفوذ الإيراني بل ما يهمهه في الأمر هو تعزيز نفوذه وقمع إرادة الشعب في شمال –شرق سوريا وتحويل الشمال السوري إلى منطقة خاضعة لنفوذه تحت لافتة "المنطقة الآمنة" وتقديم نفسه الوحيد القادر على تحقيق الأمن في هذه المنطقة، علماً بأنه هو من كان يمول الجماعات الإرهابية كـ "جبهة النصرة، داعش" وإن حقيقة الأمر هي أنه يريد القضاء على من قاتلوا الدواعش فعلاً من قوات سوريا الديمقراطية التي حاربت الإرهاب، وقضت على داعش وتجلى هذا في احتلال مدينة عفرين عن طريق تلك الجماعات الإخوانية الإرهابية وما يفعله الآن بالمدنيين في عفرين ودعم الجماعات الإرهابية في إدلب.
والأخطر هو ما تسرب عن تلويح اردوغان للدول الغربية بأنه قادر على تخليصها من مواطنيها الدواعش في سوريا شريطةً أن يدعموا مطلبهِ بخروج التحالف الدولي وقواته بشكل كامل من شمال سوريا.
ومن هنا نرى أن مخطط اردوغان هو تجميع "عناصر داعش" بعد أن أدوا مهمتهم وترك البعض منهم "المحليين" ليتحولوا إلى "خلايا نائمة" يمكن تحريكها وفقاً لمخططات التآمر بعد ذلك، أما الجزء الأكبر بمن فيهم "داعش الأوروبيون" فأن تركيا قادرة على نقلهم إلى ليبيا وخاصة في المنطقة الجنوبية وذلك سيتم بمساعدة جماعة الإخوان في ظل ما تقوم به من محاولات لتحقيق تحالف إرهابي "بينهم وبين القاعدة وداعش" لتحويل المنطقة إلى مركز للإرهاب يهدد الدول المجاورة وشمال أفريقيا.
وهذا ما يفسر تدخل تركيا في مصر عن طريق دعم جماعة الإخوان المسلمين وتمويل الجماعات الإرهابية فيها مثل جماعة(أنصار المقدس الإرهابية) في سيناء، وتدخلها في ليبيا من خلال دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة في طرابلس المساندة لحكومة الوفاق، وأخيراً تدخلها في السودان حيث لم تخفِ تركيا سياستها الهادفة لإبقاء البشير بالسلطة من خلال تقديم دعمٍ لنظامٍ منبوذ، وذلك للحفاظ على قاعدتها الإخوانية في السودان، ولكن الشعب السوداني قال كلمته وقلب المعادلة لصالحه ولم يصمد البشير أمام الاحتجاجات الشعبية، فالخرطوم تحت حكم البشير يعد سنداً ايديولوجياً لتنظيم الإخوان الإرهابي المدعوم بشكل مباشر من تركيا.
كان لابد أن تفشل خطة اردوغان التي تعتمد على خداع كل الاطراف وعلى ابتزاز الدول الغربية بمواطنيهم المنتمين الى الجماعات الإسلامية المتطرفة وعلى مساومة أمريكا بالتلويح بالتحالف مع إيران وروسيا.
جميع الأفكار و الآراء الواردة في المقال تعبر فقط عن رأي الكاتب و لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع.