الاغتيالات الإسرائيلية.. هل تلوذ تل أبيب باستراتيجية أمريكا المفضلة؟

اغتيالات تلو الأخرى ولقادة كبار تنفذها إسرائيل على مدار الفترة الماضية، وكأن تل أبيب تكرر استراتيجية أمريكا المفضلة، وتطبق وجهات نظر ترى أنها الطريقة الأفضل بدلاً من الحرب.

مع بداية الحرب في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحدثت كثير من التقارير الصحفية الأمريكية نقلاً عن مصادر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نصحت الحكومة الإسرائيلية باتباع نهج الاغتيالات بحق كبار القادة من "أعداء إسرائيل" في المنطقة، كما تفعل واشنطن في كثير من مناطق العالم بدلاً من فكرة الحرب المباشرة التي لها تكاليفها الباهظة، خاصة إذا تعلق الأمر بحرب العصابات والشوارع.

ومع مرور كل هذه الأشهر على الحرب دون حسم واضح من تل أبيب، يبدو أنها قررت تعديل استراتيجيتها واقتنعت بالنصيحة الأمريكية، لتنفذ اغتيالات موجعة كان أبرزها قتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلال وجوده في إيران والقيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر وغيرهم، ما طرح تساؤلات حول ما إذا كان الشرق الأوسط أمام تغير في قواعد الاشتباك.

وتيرة متسارعة

لا يتوفر وصف.

يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن قواعد الاشتباك لا تزال على وتيرتها السريعة ما بين إسرائيل وعدد من الجبهات، فإذا هدأت في غزة نجد أن قواعد اشتباك أخرى في جنوب لبنان ونرى عشرات الصواريخ التي تخترق القبة الحديدية الإسرائيلية.

وأضاف إسماعيل أن هذا يأتي إلى جانب الصمت الإيراني المحسوبة والمعلومة نتائجه مستقبلاً، كما أن إسرائيل أصبح لديها العديد من الجبهات التي تشكل تهديداً لأمنها القومي والوطني، سواء لبنان أو المليشيات الأخرى سواء في العراق أو سوريا أو الحوثيين في اليمن، مشيراً إلى أنه لو حدث اشتباك وتناغم بين جميع هذه القوات التابعة لطهران إلى جانب حماس فإن هنا شكل الحرب سيكون مختلفاً.

واعتبر مدير المركز العربي للدراسات السياسية أن الحديث هذه الأيام عن مبادرة أو اتفاق لإنهاء الحرب نوع من المناورة من تل أبيب التي تعلم أنها ستتلقى ضربة سواء من إيران أو حزب الله، لتلقي بدورها الاتهامات على هذه الأطراف بأنها من أججت الحرب، مشدداً على أن تل أبيب ليست جادة في مسألة السلام أو وقف الحرب بقدر ما تريد تحقيق بعض الأهداف الآنية، كما أن الحكومة الإسرائيلية نفسها تريد إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة.

وسبق أن قدم حلف شمال الأطلسي "الناتو" تعريفًا بشأن مفهوم قواعد الاشتباك والتي قال إنها إيعازات تصدر من جهة عسكرية مأذونة ترسم الظروف والحدود التي يسمح فيها للقوات المسلحة بالشروع في الاشتباك أو مواصلته، ومثل هذه القواعد لا تكون مكتوبة في اتفاق بين دولتين، وإنما يكون عادة التقيد بها أمراً إلزامياً.

ويرى البعض وبصرف النظر عن قوته أن الرد الإيراني في أبريل/نيسان الماضي على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق كان أبرز خرق لقواعد الاشتباك، إذ أن طهران كان المعتاد لديها الرد على اغتيالات إسرائيل وضرباتها عبر وكلائها في المنطقة، في وقت يرى البعض أن قواعد الاشتباك كذلك وقعت على جبهة لبنان.

حسبة إسرائيل وأمريكا

لا يتوفر وصف.

بدورها، تقول الدكتورة عبير كايد وهي متخصصة بالولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط إن هذه التطورات لا ترتبط بمسألة تغير في قواعد الاشتباك، وإنما الأمر وما فيه أن إسرائيل لا تتطلع إلى حرب شاملة، لعدة أسباب أولها اهتزاز صورة الجندي الإسرائيلي بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على نحو يفسر تحرك الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا لحماية تل أبيب وذلك منذ اليوم الأول للحرب.

وأضافت كايد، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن السبب الثاني يعود إلى أن هناك كثيراً من الإشكاليات والخلافات الداخلية في إسرائيل سواء بين قادة الأحزاب أو ما يتعلق بأزمة التجنيد الإجباري لليهود الحريديم، ولهذا لجأت تل أبيب إلى سياسة الاغتيالات لأنها فشلت عسكرياً في التعامل مع الوضع على الأرض في غزة وعدم القدرة على إنهاء المعركة سريعاً لصالحها رغم كل الدعم الذي تلقته.

وترى الأكاديمية والمحللة السياسية أن إسرائيل لن تنجح في حرب الشوارع، فمعروف أن الأخيرة لا يربحها إلا أصحاب الأرض، ولهذا فإن تل أبيب في موقف ضعيف، ومن ثم لجأت إلى الأخذ بسياسة أمريكا المعروفة بتنفيذ الاغتيالات، كما فعلت مع أسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة السابق) وأبو بكر البغدادي (زعيم داعش السابق)، باعتبار أن مثل هؤلاء رؤوس الحربة وقتلهم يعني هزيمة تنظيماتهم.

وفي ختام تصريحاتها، تؤكد الدكتورة عبير كايد أنه ليس من مصلحة واشنطن وقف الحرب حتى لو كانت تقول غير ذلك، معللة ذلك بأن 60% من اقتصاد الولايات المتحدة يقوم على بيع الأسلحة، وبالتالي هي مستفيدة، معتبرة أن كل ما يتم إعلانه من الجانب الأمريكي بشأن وقف الحرب في غزة مجرد دعاية، مشددة على أن الحرب ستستمر حتى لو فاز دونالد ترامب بالرئاسة.

ويبدو أن فكرة الاغتيالات حققت كثيراً من المكاسب بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يواجه تراجعاً غير مسبوق في شعبيته بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على مستوطنات غلاف قطاع غزة، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تكشف عن استعادته بريقه السياسي مرة أخرى.