بعد مرور مئة عام على "مؤتمر القاهرة" الذي انعقد في العاصمة المصرية واستمر أسبوعين برئاسة وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل في آذار/مارس 1921، وعلى بعد أمتار من مقر إنعقاد نفس المؤتمر بأحد فنادق وسط المدينة، أعادت مجموعة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والصحفيين والأكاديميين من مصر وسوريا ولبنان والعراق، قراءة هذا الحدث التاريخي الذي رسم خرائط المنطقة لصالح السياسة الاستعمارية البريطانية، خلال حفل توقيع ومناقشة كتاب سيهانوك ديبو ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر بعنوان "القضية الكردية في مؤتمر القاهرة 1921: الإشكالية والأبعاد".
وقال المؤلف خلال الندوة التي عقدت بدار "نفرتيتي للنشر" مساء أمس السبت، إنه سعى خلال هذا العمل إلى وضع القضية الكردية في سياقها الطبيعي في المفهوم الإنساني والإجتماعي، كحقيقة جغرافية تاريخية سياسية منذ مئات إن لم يكن آلاف السنين، وهذه الحقيقة تمت الإساءة إليها، وتأتي الحوار حولها من جديد ضمن سياقها التاريخي كوسيلة للتغلب على سوء الفهم. واشار إلى أن هذا يشمل ما تعرضت له القضية الكردية خلال مرحلة السلطنة العثمانية التي شهدت مزيج من الدمج والجمع والطرح، وليس الوحدة، وحين حاولت شعوب الشرق الأوسط التخلص من هذه التركة.. وجد نفسه تحت نير استعمار آخر هو الاستعمار البريطاني والفرنسي، انتقلنا من مرحلة استعمارية إلى مرحلة استعمارية أخرى، وحين ننظر إلى الظلم التاريخي الذي تعرض له الكرد، نجد أن جميع الشعوب تعرضت إلى ظلم، وفي المقدمة الكرد والعرب على حد سواء.. انقسم العرب إلى 22 دولة ومزق الكرد إلى 4 أجزاء، وقد كتبت في كتابي إنه اذا ما استثنينا مصر كأقدم دولة نهرية مركزية في التاريخ، والدولة الامبراطورية الميدية وجزء منها إيران، فإن جميع الخرائط هي هندسات جغرافية لم تعبر ولم تتحول كنتيجة لإرادة شعوبها، وتمت الاساءة لكثير من هذه الشعوب، كما هو حال القضية الكردية وكما هو حال الشعب الكردي.
واضاف ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر "فيما يتعلق بالكتاب، على بعد بضع مئات الأمتار من المكان الذي نجلس فيه الأن في فندق سميراميس، وقبل مئة عام إلا أربعين يوم، حدث في هذا المكان مؤتمر القاهرة عام 1921 لمدة 12 يوم، استكمالا لخرائط أو سكاكين سايكس بيكو 1906..تعرضت المنطقة لهذه السكاكين تنفيذا لأجندات استعمارية صرفة، وكان لديهم اتفاقيات الصلح متمثلة معاهدة فرساي 1919 ثم اتفاقية سيفر، لكن القاهرة 1921 والتي كانت ترزح كبقية مناطق الشرق الأوسط تحت الاحتلال والانتداب والاستعمار البريطاني كان الاطار التنسيقي والبرنامج التنفيذي لمخططات سايكس بيكو، هذا المؤتمر الذي اسيء من خلاله إلى شعوب المنطقة، تنفيذا لاتفاقية لوزان.. وهذه الأجندات الاستعمارية".
واستعرض الكاتب محتويات الكتاب مشيرا إلى أنه "يقع في ثلاثة أجزاء، يناقش الأول الوضع الدولي والإقليمي قبل المؤتمر، وفكرته وعلاقتها بشخصية وينستون تشرشل وزير المستعمرات صاحب فكرة المؤتمر الذي ترأسه بمشاركة 40 مدراء مكتبا عسكريا بريطانيا وقال لهم أنهم يذكرونه بقصة علي بابا والأربعين حرامي، وكأنه يقدم شهادة موجزة تماما لوصف المؤتمر. ويتناول الثاني، فعاليات ونتائج المؤتمر، والجزء الأكثر ارتباطا بما نشهده في واقعنا اليوم حتى ارتباطا بالقضية الفلسطينية، مثلا فكرة تشرشل حول إقامة دولة كردستان على الجزء المتعلق بإقليم كردستان العراق أو جزء منه في شمال العراق أو ما يسمى باتفاقية الموصل أو ولاية الموصل، ليس انطلاقا من إيمانه بحقوق الكرد والقضية الكردية ولكن تطبيقا للقاعدة الاستعمارية فرق تسد، لإيجاد حاجز بين الشعب التركي والعربي في العراق، لكي يتم إدارتها من قبل متصرفي بريطانيا أو حكام موالون لها، ومنذ ذلك الوقت كانت الأصوات الوطنية ترفض مثل هذا الشيء، ومن بين هؤلاء الشيخ محمود الحفيد من خلال انتفاضاته الشهيرة والمشهودة ضد الاحتلال البريطاني."
واضاف خلال الندوة التي أدارها الكاتب المصري السيد عبدالفتاح مدير مركز القاهرة للدراسات الكردية، "تعرض الكرد بشكل خاص من جراء هذا المؤتمر عام 1921 إلى أسوأ اتفاقيتين على مدى التاريخ، المؤتمر الذي سلخ المنطقة الواحدة إلى عدة مناطق، بين تركيا الكمالية وحدها، وسوريا الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، ومن ثم اتفاقية أنقرة عام 1926 بمشاركة العراق الذي وقع عنه نوري السعيد."
وشدد ديبو على أن "الكثيريون مقتنعون أنه حان وقت حل هذه القضية، نعم حان وقت حل هذه القضية، ونعتقد أننا ككرد وكسوريين طرحنا نموذجا لحل هذه القضية، وهو نموذج الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، النموذج الذي يؤكد على وحدة المنطقة وسلامة سوريا، وسيادتها الاقليمية ضمن الجغرافيا الحالية، ولكن بمزيد من مشاركة السلطات ومزيد من مشاركة الامتيازات التي تؤكد على تحقيق مسألة نحن على الأقل لم نصل إليها في سوريا، وهي مسألة تشكيل الهوية الوطنية والانتماء، ومسألة تشكيل دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية، مشروع الإدارة الذاتية المطروح اليوم نعتقده ونظنه أفضل الحلول للأزمة السورية وتشكيل المسألة الديمقراطية والوصول إليها، وحل القضية الكردية في سوريا وفي باقي الأماكن الأخرى".
وتابع "يضم الكتاب القسم الثالث من الكتاب مجموعة كبيرة ومهمة من الخرائط والصور والوثائق، التي تشرح ما حدث لمنطقة الشرق الأوسط جراء هذا المؤتمر، وكثير من الأمور الأخرى."
ومن جانبه، قال الدكتور مهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري إن تناول هذا الكتاب ضمن مجموعة متميزة من السياسيين والكتاب والمفكرين والمؤرخين وفي الصدارة منهم المؤرخ الكبير الدكتور عاصم الدسوقي يثري النقاش البناء حول هذه الأطروحة، مضيفا "هو كتاب مميز يتضمن 14 وثيقة أساسية ومهمة ولها عمق تاريخي، وخرائط تقسيم المنطقة، وهذا مكسب كبير أن يقدم الكتاب للقارئ هذه الوثائق المهمة، فضلا عن مقتطفات من جرائد المطقم والأهرام التي استند إليها الباحث في هذا الكتاب، وكذلك نقدر الدور الذي تقوم به دار نفرتيتي للنشر في سد فراغ في الحياة الثقافية وخاصة من خلال توثيق عرى التفاهم والود بيننا كشعب مصر العربي وبين إخواننا وأشقائنا في كل المنطقة العربية بمختلف توجهاتهم وأعراقهم، ومن الصدف الطيبة أن يتم هذا اللقاء ونحن على بعد أيام من ذكرى اختطاف واعتقال القائد الكردي الكبير عبدالله أوجلان، ذكرى 21، وهي فرصة لمناشدة المثقفين ورجال الفكر في مصر والمنطقة العربية أن يرفعوا اصواتهم للاحتجاج على استمرار اعتقال هذا الزعيم السياسي المعروف بعد 21 سنة من الاختطاف والمؤامرة والعزلة في جزيرة نائية ومحروم من الحياة الطبيعية، ونحن لنا تجربة مريرة مع الاستبداد الأردوغاني واحتضان النظام التركي للقوى الإرهابية المعادية لاستقرار بلدنا وتسببت لنا في آلام كثيرة وأودت بحياة كثير من أبناءنا الشهداء سواء من الجيش أو الشرطة أو المواطنين العاديين، وأدى إلى الحاق خسائر مادية كثيرة ببلدنا، ونحن لنا مصلحة موضوعية إذا صح التعبير في أن نشدد على أسس التضامن والتلاحم بيننا وبين اشقائنا الكرد، لأن لنا قضية أساسية وهي مقاومة استراتيجيات التفتيت التي تجري حولنا ومواجهة الاستبداد الديني وتسلط الأردوغانية الفاشية".
واضاف "لا أود أن الاطالة في الحديث عن أهمية العلاقة المصرية-الكردية، ولعلي أكتشف حتى اليوم رسوخ جذور هذه العلاقة التاريخية، وأجد كثير من العباقرة المصريين من أصول كردية مثل عباس العقاد ومحمد عبده والمنفلوطي وأحمد شوقي وحتى آل بدرخان ومنهم المخرج السينمائي المعروف علي بدرخان وكذلك كثير من رجال الفكر والثقافة والمعرفة والسياسة لهم أصول كردية، ونحن لنا علاقات نسب مع الكرد وكما هو الحال عندما أجد نفسي بين أهلي في أي دولة عربية، أجد نفسي بين الكرد كجزء من المجتمع الذي عاش لآلاف السنين معنا في هذه المنطقة ولنا علاقات وطيدة معه ومصالح مشتركة في التضامن معه ضد الاستبداد التركي الذي يحتضن أعداء بلدنا.. والقضية الكردية قضية عادلة وخاصة من المنظور الذي يقدمه الزملاء الذين يمثلهم المؤلف، ومن يقرأ أيضا مؤلفات الرفيق عبدالله أوجلان يرى بعد أقرب مما طرح في مصر لبناء مجتمع المواطنة.. فبدلا من فصل الكرد عن العرب والدخول في صراعات تدميرية، يطرح بدلها فكرة الأمة الديمقراطية القريبة من مجتمع المواطنة الذي يجد فيه كل قسم من المجتمع حضوره ومصالحه محققة. ففكرة الانفصال وتجزئة المجزأ لم تعد مجزية ولا لها بريق وربما تكون مستحيلة، ومن المنظور الجديد المطروح يمكن التفكير في حل مبدع لمشكلة الكرد، ومستقبلهم".
وأعتبر شعبان إن "الشعب الكردي ليس مظلوما وفقط، لكنه أيضا في المقابل لم يستسلم للظلم، وعلى مدى التاريخ المنظور والسابق وحتى في هذا الكتاب اشارات حقيقية إلى عدة ثورات للكرد، كل بضعة سنين أو عشرات من السنين هناك ثورة كبيرة تنتهي بمذابح أو ثمن فادح، تمرد بزعامة بابا زادة عبدالرحمن 1806، ثورة الشيخ عبيد1880، ثورة الحفيد الأولى 1919، ثورة 1921، ثورة الشيخ سعيد، ثورة مهاباد، ثورة الجزيرة 1937، ثورات كثيرة لم يكن يمر عقد بدون تمرد أو ثورة أو انتفاضة، وللأسف الشديد توازنات القوى بين الشعب الكردي والقوى العثمانية وغيرها كانت في غير صالح الشعب الكردي وانتهت الثورات إلى مجاذر يدفع ثمنها الشعب الكردي، ولم يجد نصيرا إلى الحد الذي قيل معه أنه لا صديق للكردي سوى الجبال.. والحقيقة أن له أصدقاء كثيريون، وكل شعوبنا عنينا نفس المصير، ربما لم يكن العدوان بنفس الوضع، ولكننا عانينا مع الاحتلال وسلب الحقوق في مصر وفي سوريا، والشعب الفلسطيني الأن يمارس عليه الأن شيء بشع جدا من الاضطهاد أمامنا جميعا".
واشار شعبان إلى أهمية تناول الكتاب لإتفاقية سايكس-بيكو، وأنا شخصيا قرأت كثيرا عن الموقف الذي اتخذه البلاشفة بعد انتصار الثورة 1917 بكشف سايكس-بيكو وفضح الاتفاقيات السرية، وقد وضع كتاب المؤلف سيهانوك ديبو أمام أعيننا كواليس هذه الاتفاقية وتفاصيلها استنادا إلى مذكرات وزير خارجية روسيا القيصرية، وكان مطروحا أن يأخذوا جزء كبير من الأرض، والنظام الجديد البلشفي بقيادة لينين تبرأ من هذه الاتفاقية، واتضح أن المناطق التي كانت ستسيطر عليها روسيا توسعيا تشمل مناطق كبيرة من تركيا منها مضيقا البوسفور والدردنيل، ومدينة اسطنبول، وكردستان كلها، ومدن ايرانية وأجزاء من أرمينيا، وهذا يوضح إلى أي مدى كانت تتصرف القوى الاستعمارية ولو كانت هذه المنطقة ملكية خاصة استباحت كل تفاصيلها، وتصرفت فيها بما تشاء لمصلحتها".
الكتاب أيضا تناول اتفاقية سيفر 1920 التي جاءت بعد بداية تفكك الامبراطورية العثمانية ونصت على منح تراقيا والجزر التركية في بحر إيجه لليونان، والاعتراف بسوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب واستقلال شبه الجزيرة العربية وأرمينيا، واعتبار مضائق البوسفور والدردنيل مناطق منزوعة السلاح تحت إدارة عصبة الأمم، وهذه الاتفاقية جاءت بعد 4 سنوات من سايكس بيكو لكي تكمل عملية تمزيق المنطقة واعادة تشكيل خرائطها وبعد 3 سنوات من وعد بلفور 1917 لتسليم فلسطين".
وأكد رئيس الحزب الاشتراكي المصري مدى أهمية المؤتمر الذي يحمل الكتاب أسمه ومضى عليه الأن مئة عام، ودعا إليه تشرشل بعدما تولى منصب وزير المستعمرات في شباط فبراير عام 1921، والمؤتمر كان في آذار مارس أي بعد أقل من شهر، لتصبح أول مهمة للوزير الجديد هي ذلك المؤتمر الهام من خلال دعوة كل ممثلي الاستعمار البريطاني الأربعين في مؤتمر للتشاور حول إدارة المناطق المستعمرة وتخفيض تكاليف حفظ النظام والسيطرة على هذه المناطق ونهبها بعدما تضخمت الامبراطورية البريطانية واصبح هذا العبء يثقل الخزانة البريطانية".
صدر في القاهرة الأسبوع الماضي، كتاب "القضية الكردية في مؤتمر القاهرة 1921.. الإشكالية والأبعاد" للسياسي السوري الكردي سيهانوك ديبو، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية بمصر، عن دار "نفرتيتي للنشر"، والكتاب يقع في 211 صفحة من القطع الكبير.
ويتكون الكتاب من ثلاثة أقسام، يناقش الأول الوضع الدولي والإقليمي قبل المؤتمر، ويتناول الثاني فعاليات ونتائج المؤتمر، بينما يضم القسم الثالث مجموعة كبيرة ومهمة من الخرائط والصور والوثائق، التي تشرح ما حدث لمنطقة الشرق الأوسط جراء هذا المؤتمر.