وقد طرح عبد الحسين شعبان خلال اللقاء رؤيته بشأن أسباب الوضع الحالي لمنطقة الشرق الأوسط مع تعقد الأزمات خصوصاً ما يتعلق بأزمة العيش المشترك بين الشعوب والأمم الرئيسية الأربع (العرب والكرد والفرس والترك) وما يجب القيام به للخروج من هذه الأزمات، مشيداً في هذا السياق بفلسفة المفكر عبد الله أوجلان وتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
وقد ذكر عبد الحسين شعبان أن أسباب الوضع الحالي تتنوع بين داخلية وخارجية، فخارجياً تتواصل محاولات القوى الإمبريالية في تطويع وإخضاع شعوب المنطقة لتحقيق مصالحها، أما على الصعيد الداخلي فهناك إشكالية في غياب النخب سواء الحاكمة أو الحاكمة، خصوصاً وأن الحكام في واد وشعوب وأبناء المنطقة في واد آخر، على نحو أنتج مجتمعات غير سوية بها تناقضات حادة لدرجة الإقصاء على أساس قومي وسلالي ولغوي وديني ومذهبي وطبقي ومناطقي وجهوي وغير ذلك.
كما انتقد مسألة فقدان الحقوق والحريات، وصعود الأنظمة العسكرية، وانعدام المساواة سواء بين شعوب وأمم هذه المنطقة أو أبناء الشعب الواحد، وكذلك التمييز ضد المرأة والمجاميع الثقافية المختلفة، معتبراً أن كل هذا دفع لظهور نوع جديد من الصراع في المجتمع وصعود الفئات الأكثر تخلفاً وتشدداً تحت لواء التعصب، والأخير يؤدي بالنهاية إلى الإرهاب، وبالتالي حدث نوع من التضرر المجتمعي وغياب الوحدة الوطنية والهوية الجامعة.
تطرق الدكتور عبد الحسين شعبان في اللقاء إلى القضية الكردية والتي قال إنها أقدم مشكلة معتقة في المنطقة ربما بعد القضية الفلسطينية داعياً إلى الاعتراف بحقهم في تقرير المصير، وقد تحدث في هذا السياق عن أسباب إعجابه وإشادته أكثر من مرة بفلسفة المفكر عبد الله أوجلان خصوصاً مفهوم الأمة الديمقراطية وهو مشروع يقوم بالأساس على فكرة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي المشترك، منتقداً في هذا السياق تخلي القوى الحاكمة في الدول القومية عن حقوق الآخرين.
وتحدث شاهين عن وضع أوجلان في السجن من قبل النظام التركي وعزلته وتجريده، وقد انتقد كل "الحكومات الشوفينية" التي تتنكر للقوميات الأخرى لاعتبارات عدة خاصة في ظل رغبتهم في ممارسة الهيمنة وعدم الاعتراف بالقوميات الأخرى وبعضها أخذ صبغة دينية مثل إيران، مشيراً إلى أن ما يطرحه أوجلان وخصوصاً مفهوم الأمة الديمقراطية أمر يجب التوقف عنده كتجسيد لفكرة الحوار والتفاهم والبحث عن مشتركات.
تحدث كذلك شعبان عن تجربة الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا، إذ قال إنها سميت إدارة ذاتية فهي ليست حكماً ذاتياً ولا انفصالاً ولا رغبة في فك الارتباط، وإنما تعني القدرة على تحقيق المطالب في إدارة الدولة السورية وفي إطار الوحدة الوطنية التي تقوم على قبول التنوع والتعددية والعيش معاً في إطار هذه الدولة على أساس المواطنة الكاملة دون تمييز.
أيَضاً تحدث المفكر العراقي عما طرحه بشأن الحاجة إلى "وستفاليا مشرقية"، في إشارة إلى الصلح الذي أبرم في أوروبا عام 1648 وأنهى الحروب الدينية، معتبراً أن الهدف من هذا الطرح استلهام العبر والدروس، خصوصاً وأن الاتفاق نص على حق ممارسة الشعائر الدينية واحترام استقلال بعضهم البعض وعدم التدخل في شؤون الآخر، وغيرها من الأمور التي يمكن الاستفادة بها في إطار خدمة وحدة شعوب المنطقة وتطلعاتها في العيش المشترك إذا طُعمت بخصوصيات المنطقة وأممها الرئيسية الأربع (العرب والكرد والترك والفرس).
وفي ختام اللقاء، تحدث الدكتور عبد الحسين شعبان عن كيفية تطوير العلاقات بين الشعوب العربية والكرد خصوصاً وأنه واحد من أكثر المعنيين بهذا الأمر والداعين له، إذ أكد أنه لا بد من أن يكون هناك أولاً حوار مفتوح بين النخب الكردية والعربية دون أية شروط، مؤكداً أن الحوار هدفه معرفة كيف يفكر الآخر وما يريده.
ودعا المفكر الكبير إلى ضرورة إعلاء المصالح المشتركة والتي تقوم على العيش بحرية واستقلال دولنا كعرب وكرد والإسهام في بناء الجسور والروابط بين الثقافتين العربية والكردية، مؤكداً أنه يدعو باستمرار لهذا الحوار للانتقال إلى مرحلة يتم الاعتراف فيها بالحقوق وفقاً لصيغة ديمقراطية.