كيف قرأ القائد أوجلان أحداث العالم المستقبلية من داخل عزلته الجسدية؟

سبق القائد أوجلان في كثير من قراءاته المستقبلية العالم وتنبأ بكثير من الأحداث الحالية من داخل عزلته الجسدية في جزيرة إمرالي.

قدم المجلد الرابع من مانيفستو الحضارة الديمقراطية للقائد عبد الله أوجلان حلولاً لأزمات الشرق الأوسط، كما قدم العديد من الرؤى المستقبلية التي سبق بها القائد أوجلان العالم وكبار مفكري وسياسيو عصره رغم عزلته.

وأثبتت الأحداث المتلاحقة صدق قراءته المستقبلية في العديد من القضايا ونبوءاته لمصير القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتحول العالم لعالم متعدد الأقطاب، واستشعاره خطورة الأزمة البيئية التي أصبح عالم اليوم يعيشها واقعاً ملموساً.

انهيار فكرة القطب الواحد

كانت أحد أهم قراءات القائد عبد الله أوجلان المستقبلية هي انهيار القطب الواحد وعدم استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، لصالح ظهور أقطاب أخرى.

أصبحت فكرة انهيار أحادية القطب ووجود أقطاب متعددة في العالم حقيقة قائمة، وظهر ذلك جلياً بعد أن أعادت روسيا الحرب إلى الأراضي الأوروبية، ما أسفر عن تداعيات ألقت بظلالها على حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، حيث ظهرت روسيا والصين والاتحاد الأوروبي نفسه كقوة صاعدة وموازية لقوة الولايات المتحدة.

لا يتوفر وصف.

ويقول الكاتب والصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية القائد أوجلان في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن القائد والمفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان كان يري أن الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ليست أبدية وأن طبيعة الأوضاع والتاريخ وحركة التاريخ وحركة الشعوب تؤكد على أن هذه الهيمنة ستتقلص مع مرور الزمن بفضل كثير من العوامل.

وعدد تلك العوامل، ومنها عوامل ذاتية هي أخطاء للإمبريالية الأمريكية نفسها ومنها عوامل خارجية للشعوب المتطلعة للحرية والرافضة الأحادية القطبية التي فعلا عانت منها شعوب العالم الثالث وشعوب العالم الويلات، مبيناً أنه كانت هناك رؤية واضحة للمفكر والقائد عبد الله أوجلان في إطار فلسفته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن تلخيص رؤيته في النقاط التالية، أولاً نقد الرأسمالية حيث يري أن الهيمنة الأمريكية تمثل ذروة الرأسمالية التي تساهم في تفكيك المجتمعات وتدمير البيئة، ويعتبر المفكر عبد الله أوجلان أن الرأسمالية من خلال آلياتها تؤدي إلى عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية مما يستدعي ضرورة البحث عن نماذج بديلة ترتكز على العدالة الاجتماعية والحكم الذاتي.

ولفت المليجي إلى أن النقطة التالية في رواية القائد أوجلان كانت تتمثل في الكونفدرالية الديمقراطية حيث يدعو إلى نموذج الكونفدرالية الديمقراطية كبديل للهيمنة الأمريكية وان هذا النموذج يركز على الديمقراطية الجذرية والحكم الذاتي للمجتمعات الذي يمكن الأفراد من إدارة شؤونهم عبر المجالس الاجتماعية ويعزز من قدرة المجتمعات على مقاومة الهيمنة الخارجية، وأيضا في هذا الإطار رابط هذا الأمر بتعزيز الوعي البيئي والاجتماعي و ايضا بتحرير المرأة والتعددية الثقافية، وتتجلى رؤية أوجلان بزعزعة الهيمنة من خلال دعوته إلى بناء مجتمعات ديمقراطية تتمتع بالاستقلالية والقدرة على التفاعل مع التحديات العالمية بطريقة تعزز من قيم العدالة والمساواة.

لا يتوفر وصف.

ويقول السفير شريف شاهين، سفير مصر السابق في العراق في تواصل هاتفي مع وكالة فرات للأنباء(ANF)، في تواصل هاتفي لوكالة فرات للأنباء، أن القائد أوجلان قدم نموذج للدول الحديثة التي نعيشها في عالم اليوم، ومنها نموذج الولايات المتحدة الأمريكية وطرح سؤال هام وهو هل ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من النهوض مجددا ووصفها بقوة النظام المهيمنة في عالم اليوم وهذه الهيمنة تواجه تحديات من قوة جديدة صاعدة وأن هذا النظام يقوم على مؤسسات تغذية وتعطي له نوع من القوة ولكنه يواجه تحدي كبير لا يستطيع أن يكون له نفس الهيمنة في الماضي.

 وأضاف، أن هذه نبوءة بالنسبة للقائد أوجلان تحققت حالياً ولا يطرح أوجلان انها ستنهار بل يقول أن التحدي قائم أمام الولايات المتحدة وهذا التحدي يفرض عليها مزيد من العنف لكي تؤكد سيطرتها على العالم وبالتالي نحن أمام مرحلة من الاضطراب في عالم اليوم.

الاتحاد الأوروبي

وتطرقت قراءات القائد أوجلان المستقبلية للاتحاد الأوروبي، ومحدودية دوره وهو ما أثبتته الحرب الأوكرانية عندما عجز عن وقف الغزو الروسي لأوكرانيا كما فشلت امداداته العسكرية في وقف التمدد الروسي، حيث قدم الاتحاد الأوروبي لكييف مساعدات بأكثر من 130 مليار يورو منذ 24 فبراير\شباط 2022 اشتملت على 17 مليار يورو "على شكل منح"، أي هبة.

واضطر الاتحاد الأوروبي لإعادة تنظيم إمدادات الغاز والنفط إلى أوروبا بعد العقوبات المفروضة على روسيا، ورغم ذلك لم تؤثر تلك العقوبات على روسيا في مواصلة الحرب.

ويشير السفير شريف شاهين إلى أن القائد أوجلان تحدث عن نموذج الاتحاد الأوروبي أنه سيستمر في تحالفه مع الولايات المتحدة الأمريكية لأنه يقوم على نفس الأسس الأخلاقية والسياسية التي يقوم عليها التحالف الأنجلو سكسوني بين الولايات المتحدة وبريطانيا، ولكن عليه أن يقدم نموذج جديد للإصلاح الاشتراكي الديمقراطي باعتبار أن أوروبا هي القوة الأكثر تأثيرا ومعرفة إلا أنه سيظل هذا الاتحاد دوره محدود ويعجز عن أداء دور رئيسي ضمن القوى وحركات النظام الجديد وهذه أحد النبوءات للقائد اوجلان.

وقدم نموذج لليابان باعتبار أن اليابان تابع للولايات المتحدة الأمريكية وتابع قوي استفاد من الصناعة واستفاد من التحديث واستفاد من الحقبة الاستعمارية ولكنه ليس قادر على إنتاج سياسة مستقلة عن سياسة الولايات المتحدة وإن كان له تطبيقات بالنسبة لكوريا الجنوبية أو الدول الأخرى التي تحذو حذوها في التطور الصناعي ولكنها غير قادرة على إفراز نموذج سياسي و ذو استقلالية كما قال أن الصين تسعى ان تكون احد المراكز الصناعية الرئيسية في آسيا والتي تنافس في عالم اليوم ولكن لن يمكنها الحلول لحل الولايات المتحدة كمركز قوة مهيمن وستستمر في العمل كدولة ذات نظامين وستكون نموذج يصلح تطبيقه على دول أخرى تحذو حذوها ولكن هي غير قادرة بوضعها الحالي على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية كمهيمن أو كنظام يستطيع ان يوازن الهيمنة الأمريكية في هذا العالم.

الأزمة البيئية

سبق القائد أوجلان بفكره عن قضية البيئة وجعلها قضية مركزية الكثير من دول العالم المتقدم التي لم تفطن للأزمة إلا مؤخراً وكيف أنها تتحكم في مصير العالم، حيث تذكر التقارير الأممية أن التلوث الذي تغذيه أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة وتغير المناخ، يتسبب في وقوع حالة من بين كل 6 حالات وفاة مبكرة، وإغراق مساحات شاسعة من العالم ومنها 80% من جزر المالديف، و17% من بنجلاديش، وتقضي الفيضانات على منازل أكثر من 79 مليون شخص سنوياً.

وأصبحت حالياً الكثير من حكومات العالم عاكفة على وضع حلول لتلك الأزمة العالمية، ولكن القائد أوجلان وضع حلول سابقة لتلك المجهودات العالمية من داخل عزلته الجسدية في سجن جزيرة إمرالي شديدة الحراسة.

وحول رؤية القائد أوجلان عن الأزمة البيئية، يقول إلهامي المليجي، إن المفكر عبد الله أوجلان كانت له رؤية متكاملة لعلم البيئة تتمحور حول ثلاث محاور رئيسية وهي الوعي البيئي والاجتماعي حيث يرى أن الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة وأن العلاقة بينهما يجب أن تكون علاقة توازن وتكامل ولذلك فهو يدعو إلى تنمية الوعي البيئي والاجتماعي لدى الأفراد والمجتمعات بحيث يكون أهمية المحافظة على البيئة توازنها.

وتعد ثاني محور تحدث عنه القائد أوجلان هو "الديمقراطية الجذرية والحكم الذاتي المحلي"، حيث يرى أوجلان أن الوعي البيئي مرتبط بالديمقراطية الجذرية والحكم الذاتي للمجتمعات المحلية فهو يرفض الدولة المركزية البيروقراطية ويدعو إلى نموذج الكونفدرالية الديمقراطية القائمة على تمكين الناس من إدارة شؤونهم من خلال المجالس الاجتماعية والبلدية المختلفة بحيث يكون المواطنون هم أصحاب القرار في قضايا البيئة والتنمية المحلية.

وتطرق "المليجي" للمحور الثالث الذي يتحدث عن المرأة والبيئة حيث يربط أوجلان تحرير المرأة بالوعي البيئي والديمقراطية الجذرية فهو يرى أن المرأة أقرب للطبيعة، وأكثر انسجاماً معها وان تحررها هو شرط أساسي لتحقيق التوازن البيئي، كما يؤكد على دور المرأة في الحفاظ على البيئة من خلال مشاركتها الفاعلة في الحكم الذاتي المحلي.

ويؤكد الكاتب والصحفي المصري في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه بشكل عام تقوم رؤية المفكر والفيلسوف أوجلان في علم البيئة على إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والطبيعة على أساس الانسجام والتكامل وربط ذلك بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة ما بين الإنسان في إطار نموذج ديمقراطي تشاركي مركزي.