التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية.. هل تتجه الحرب نحو تحول استراتيجي؟

فجأة توغلت القوات الأوكرانية لنحو 1000 كلم مربع داخل الأراضي الروسية، لتتصارع التحليلات والسيناريوهات بشأن مسار الحرب وما إذا كانت تشهد تحولاً استراتيجياً.

تحت شعار "نقل الحرب إلى أرض المعتدي"، شنت قوات الجيش الأوكراني هجوماً باتجاه كورسك داخل الحدود مع روسيا، مؤخراً، ونجحت بالفعل في التوغل لنحو 1000 كلم مربع حسبما أعلنت كييف، في مشهد غير معتاد منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط من عام 2022، وفي وقت كانت موسكو تحقق تقدماً ملحوظاً على جبهات القتال.

وتهدف هذه العملية بالأساس، حسب كييف، إلى استنزاف القوات الروسية وزعزعة استقرار البلاد بعد أشهر من التقدم الروسي عبر خط المواجهة، في وقت بدت موسكو متفاجئة بهذا الهجوم وإن كانت قالت إن القوات الأوكرانية لم تصل إلا إلى نحو 30 كلم مربع، في وقت شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة إنهاء ما وصفه بالإرهاب، وبينما يجمع مراقبون على أننا أمام متغير جديد لكن لا يزال الأمر غير محسوم لديهم بشأن مستقبل الحرب.

تحول في مسار الحرب؟

لا يتوفر وصف.

يقول الدكتور عماد أبو الرب رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، في تصريحات عبر الهاتف لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه من الصعب التكهّن بشأن مسار الحرب بعد التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية بناءً على عدم معرفتنا بالهدف الأساسي من هذا التوغل وما إذا كان سيستمر أو أنه مؤقت، وما إذا كان محدود في المناطق التي سيطرت عليها القوات الأوكرانية أم أنه سيستمر إلى أن تصل القوات الأوكرانية لمدينة كورسيك وتسيطر عليها بما فيها محطة الطاقة الكهرونووية.

وأضاف أبو الرب أن ما سمعناه من الكثير من الخبراء الأوكرانيين أن هذا التوغل الذي فاجأ القيادة السياسية والعسكرية الروسية سيحقق لكييف قدرة على مواجهة الشروط الروسية، بحيث تجبرها على الانسحاب من جزء من الأراضي التي احتلتها، كما أنه سيجعلها تعيد تموضع قواتها مما سيخفف على خطوط المواجهة ضغط القوات الروسية، كما أنه سيربك الداخل الروسي والذي ستتزعزع ثقته بقيادته السياسية والعسكرية وربما تحقق جزئياً تشكيلاً لنواة جديدة روسية تعلن العصيان وتطالب بتغيير السلطة أو الانفصال عن الاتحاد الروسي، حسب رؤيته.

عن الوضع في أوكرانيا، يقول رئيس المركز الأوكراني للحوار إن الأوكرانيين يعيشون في قلق من ردة فعل موسكو تجاه هذه الخطوة، وما إذا كانت ستلجأ لاستهداف تدمير البنية التحتية الأوكرانية وخاصة الطاقة، أو ستستخدم أسلحة نووية تكتيكية، مؤكداً أنه لهذا يرى ضرورة تنشيط دور الوسطاء الحياديين الحريصين على وقف الحرب وتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة حتى لا يقع العالم في كارثة حقيقية تضرّه كله.

وسبق أن فشل الهجوم الأوكراني المضاد رغم الدعم الكبير الذي قدم له غربياً، وهو ما يدعو كثير من المراقبين والمحللين لهذه الأزمة إلى التريث وعدم الاستعجال في التوقعات بشأن مستقبل هذا الهجوم، خاصة أن الكل يعلم فارق القوى بين الجارتين المتحاربتين.

ويمكن فهم عملية التوغل الأوكراني داخل الأراضي الروسية على أنها تشبه سيناريو "الهجوم المضاد" من قبل الذي شنته قوات كييف بدعم غير مسبوق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والحلفاء الأوروبيين الآخرين، ومن ثم فإنه حتماً واشنطن لديها ارتياح لهذا التوغل داخل أراضي غريمتها روسيا.

الموقف الأمريكي والرد الروسي المحتمل

لا يتوفر وصف.

يقول الدبلوماسي اللبناني السابق السفير مسعود معلوف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن التوغل الأوكراني في داخل الأراضي الروسية الحدودية وتحديداً منطقة كورسيك شكل نوعاً من الانتصار المعنوي النفسي للجيش الأوكراني أولاً، وللدول التي تدعم كييف في حربها ضد موسكو.

ولفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصدر بعد أي مواقف علنية بشأن هذا التوغل الأوكراني، لكن ما من شك أن واشنطن تشعر أن في ذلك بعض الخسارة للرئيس الروسي بوتين وهي خسارة معنوية قبل كل شيء، كونه فشل في توفير الحماية لمنطقة حدودية مع أوكرانيا، ومن جهة ثانية فإنها خسارة عسكرية في وجهة نظر الدول الغربية تدل على أن الجيش الروسي ليس بهذه القوة التي يخشى منها.

وقال معلوف إن بوتين توعد بأن الرد سيكون على قياس العملية، في وقت شكر الرئيس الأوكراني الدول الغربية والولايات المتحدة، مشيراً إلى أن هذه الدول وافقت منذ فترة ليست ببعيدة على استخدام الأسلحة التي ترسلها إلى كييف داخل الأراضي الروسية، وقد كان ذلك في الماضي غير مقبول.

وأعرب الدبلوماسي اللبناني السابق عن قناعته بأن روسيا ستجمع قواتها وستقوم برد عنيف، مشيراً إلى أن بوتين وضع هذه العملية في إطار "عملية مضادة للإرهاب"، لكيلا تكون بمثابة حرب بين جيش وآخر، فقد اعتبرها عملية إرهابية وسيقوم الجيش الروسي بعملية ضد الإرهاب، منوهاً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تحركات روسية قوية لاستعادة هذه المنطقة التي يقول رئيس أوكرانيا عنها إنها تبلغ نحو 1000 كيلومترمربع قد سيطر عليه جيش بلاده.

ويبدو أن أوكرانيا قررت التوجه إلى مثل هذه المناطق الحدودية الروسية التي لا تحظى بانتشار أمني كاف لعدم الحاجة إلى ذلك، لتباغت موسكو بهذا الهجوم، مستغلة انشغال الأخيرة في نقاط القتال الرئيسية العنيفة، وبالتالي حتى لو لم تستمر كييف بهذا الهجوم فإنها تؤرق الروس وتفتح أمامهم جبهة قتال جديدة محتملة في أي وقت، على الرغم من تفوق روسيا في العدد والتسليح في العديد من النقاط على خط المواجهة الذي يبلغ طوله 1100 كيلومتر.