موازين القوى الجديدة.. تراجع إيراني تركي وصعود إسرائيلي عربي وسط بروز دور المكون الكردي

شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية تحولات خطيرة في خريطة نفوذ القوى الدولية والإقليمية، كان أبرزها تراجع النفوذ الإيراني التركي وبروز دور المكون الكردي.

بعد الحرب العالمية واتفاقية سايكس بيكو، ظهرت الحاجة إلى حالة من الاستقرار في مختلف ربوع العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي تمثل مصدراً للثروات ويجب أن تظل رهن الهيمنة الغربية فتم تقسيم مناطقها وفقاً لما يخدم هذا الهدف لتظهر القوى الراهنة كنتيجة مباشرة للتحولات السياسية والتغيرات الاستراتيجية الدراماتيكية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

المراقب للتحولات الجيوسياسية في المنطقة يتأكد له تراجع النفوذ التركي والإيراني مقابل صعود إسرائيل عسكريا وسيطرتها على مقاليد الأمور من خلال تنفيذ ضربات عسكرية قوية وعمليات اغتيالات في أكثر من مكان حفاظا على مصالحها التي تستدعي القضاء على حركة المقاومة الإسلامية والقوى الداعية لها، فضلا عن مواجهتها للنفوذ التركي بمختلف المناطق، لتبقى القوة الوحيدة الصاعدة وهي المكون الكردي الذي فرض نفسه عسكريا في سوريا وسياسيا من خلال نداء السلام العالمي للقائد أوجلان، وهو ما أجبر الحكومة المؤقتة إلى توقيع اتفاق معهم نظرا لأن بقائهم أو زوالهم مرتبط بالتعاطي مع المكون الكردي الذي أصبح قوة بارزة على الساحة السورية.

النفوذ التركي

أخفقت تركيا في التعاطي مع حرب غزة التي سيطرت أصدائها على الساحتين الدولية والإقليمية، وغاب الدور التركي عن الملف الفلسطيني وسط محاولات فاشلة من أردوغان لخلق أي موطئ قدم لاستغلال تلك الأزمة وتحقيق أي مصلحة سياسية، إلا أن الإدارة الأمريكية فضلت التعامل مع الوسطاء في مصر وقطر نظرا لمصداقيتهما وإلمامها بتعقيدات الملف، ومن ثم فشلت خطط أردوغان فيما يخص القضية الفلسطينية التي حاول استغلالها مرار من خلال تصوير شخصه على أنه زعيم إسلامي وسلطان عثماني، إلا أن العالم العربي والإسلامي لم تعد تنطلي عليه الأكاذيب والادعاءات التي يطلقها في خطاباته وأصبح الفعل على الأرض والميدان هو الحكم الفعلي.

بروز المكون الكردي

لم تخسر تركيا نفوذها في الوطن العربي فقط من باب القضية الفلسطينية وإنما خسرت نفوذها في أهم منطقة تمثل عمقا استراتيجيا على خلفية التغيير السياسي في سوريا الذي بدأ في بداية الأمر على أنه تغير لصالح دولة الاحتلال التركي التي دفعت بالجماعات الجهادية إلى الأراضي السورية وقدمت لها دعما لوجستيا وعسكريا حتى سيطرت على الحكم في سوريا، وهو ما جعل أنقرة تتخيل أن دمشق أصبحت محافظة جديدة من محافظات تركيا، إلا أن إدارة الذاتية السورية حالت دون تنفيذ المخططات التركية، وعقب مفاوضات بين الحكومة المؤقتة والمجتمع الدولي والإقليمي، تم توقيع اتفاق بين قسد وحكومة دمشق المؤقتة في محاولة لتثبيت أركان النظام المؤقت عقب ما واجهه من أحداث وأخطاء وقع فيها في الساحل السوري، ومن ثم فإن الإدارة الذاتية تمثل أحد أهم عوامل دعم الاستقرار في سوريا وباتت هي اللاعب الرئيسي على الأرض سواء عسكريا أو سياسا، ومن ثم فإن عدم توافق الحكومة المؤقتة مع الإدارة الذاتية يمثل بداية لقلاقل كبيرة على الصعيد الداخلي، وما يؤكد صحة تلك المعطيات هو تحفظ تركيا على توقيع الاتفاق بين مظلوم عبدي والرئيس المؤقت بما يؤشر إلى بدء مرحلة انحسار النفوذ التركي في سوريا.

الصعود الإسرائيلي   

لا يتوفر وصف.

قال الدكتور نبيل العتوم المتخصص في الشؤون الإيرانية في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»: «في الوقت الذي انحسر فيه النفوذ التركي، باتت إسرائيل قوة ضاربة في المنطقة باعتراف الجميع وأصبحت تقود العمليات العسكرية في كل الأرجاء بدءا من الحوثيين في اليمن وغزة في فلسطين تزامنا مع سيطرتها على الجنوب اللبناني وتوغلها إلى داخل الحدود السورية واحتلال منطقة جبل الشيخ بما يؤكد امتداد النفوذ العسكري والسياسي الإسرائيل إلى أكثر من 3 دول عربية مقابل تراجع نفوذ تركيا سواء في لبنان أو سوريا خاصة بعد ان أدرك الإسرائيليون مخطط تركيا بتحويل سوريا إلى إمارة إسلامية، كما أن وصول ترامب لحكم البيض الأبيض منح إسرائيل مزيدا من الصلاحيات والسيطرة خاصة بعد اتفاقهما على ضرورة نشر اتفاقات إبراهام للتطبيع مع الدول العربية، تزامنا مع تنفيذ استراتيجية المواجهة  التي تتضمن عدة محاور من بينها التوغل العسكري واحتلال مساحات في جنوب سوريا وتدمير البنية التحتية العسكرية المتبقية، والضغط الدولي من خلال التنسيق مع واشنطن وموسكو لإبقاء قواعد روسية في سوريا ، تُواجه إيران اتهاماتٍ بمحاولة إشعال الفوضى في سوريا، بينما تتهم أنقرة طهران بالسعي لاستعادة النفوذ المفقود».

تراجع الدور الإيراني

لا يتوفر وصف.

أكد الدكتور غازي فيصل الدبلوماسي العراقي السابق، في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «عملية التغيير السياسي في سوريا مثلت ضربة قاصمة للنفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والذي تطلب جهودا إيرانية استمرت لأكثر من 30 عاما متتالية  أنفقت خلالها مليارات الدولارات لتمويل حزب الله وخلق جماعات راديكالية في مختلف الدول العربية تمثل ورقة ضغط ونفوذ، ووصل نجاح خططتها في السيطرة على البعث السوري واستمالة بشار نحو محور المقاومة، إلى جانب استغلالها ورقة المقاومة الإسلامية للضغط على دول المنطقة والأمريكان من خلال تواصلها مع حركة حماس، إلا أن النفوذ الإيراني عاد إلى المربع صفر بعد الخسائر التي مني بها حزب الله وعمليات الاغتيالات التي نفذتها أمريكا وبعدها إسرائيل قيادات إيرانية وعراقية ولبنانية وحمساوية تزامنا مع ما حدث في سوريا من خسارة فادحة لأحد أهم محاور المقاومة لتبدأ مرحلة أفول النفوذ الإيراني خاصة بعد إصرار ترامب على ضرب الحوثيين وإنهاء الوجود الحمساوي تزامنا مع السيطرة على الأوضاع في لبنان باحتلال مناطقها الجنوبية لضمان عدم القوة العسكرية لحزب الله».