محمد رفعت الإمام: نوروز عيد المقاومة ورمز للشعب الكردي عاشق الحرية

رسائل ودلالات عديدة يحملها يوم نوروز الذي تحتفي به الشعوب الكردية اليوم، وهي الرسائل التي تتعدد لتعبر عن قيم النضال والحرية ورفض الظلم والإنسانية والتسامح.

عدد الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المصري الرسائل التي يحملها عيد نوروز لدى الشعب الكردي، والذي يجري الاحتفال به في عديد من مناطق العالم، والذي يوافق 21 آذار من كل عام، مؤكداً أنه عيد للمقاومة والنضال من أجل الحرية، كما أنه رمز للتعبير عن الشعب الكردي العاشق للحرية.

ولفت "الإمام" إلى أن الاحتفال بيوم نوروز اكتسب مساراً مختلفاً مع ظهور المفكر والمناضل عبدالله أوجلان، الذي لم يتوقف عن إرسال رسائل السلام إلى الأنظمة الحاكمة والشعوب والمنظمات الدولية، بهدف تحرير الشعب الكردي ونيل حقوقه التاريخية المشروعة.

وإلى نص الحوار:

*ماذا يعني يوم نوروز وما يحمل من رسائل ومعان؟

- عيد نوروز يعود إلى عام 612 قبل الميلاد وحتى الآن يحتفل به الكرد أينما كانوا وبكل أطيافهم، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية أو الثقافية. وعلى مدار حوالي 2639 سنة ظل نوروز يتجدد ويزهر ويثمر على الدوام كل عام. إنه عيد المقاومة والبطولات في وجه الظلم والاستبداد وصوت السلام المناهض للحروب، كما أنه عيد الفرحة والمحبة والأخوة، ويشترك مع الكرد في ذلك جميع الشعوب المتآخية معه داخل كردستان وجوارها. إن نوروز أحد أٌهم الأعياد في التاريخ البشري، ومن أبرز الأعياد الحية القليلة التي حافظت على استمراريتها وحيويتها للشعب الكردي الذي عشق الحرية ورفض التبعية.

*ما الذي يتسم به عيد نوروز لدى الكرد؟

- اتسم نوروز الكردي برمزية ثورية وسمات التحدي والصمود والاستمرارية. ومنذ تأسيس الدولة الميدية ظل الكرد يحتفلون مع قدوم كل ربيع بنوروز؛ استذكاراً لانتصارات الهوية الكردية، وتعبيراً عن تخليد الشهداء والمنفيين، وتجسيداً لفرحة الشعب للتخلص من الكابوس الذي أثقل كاهلهم منذ مئات السنين. ويعتبر نوروز من الآليات الناعمة أو الأدوات الناعمة التي اتفق عليها العقل الجمعي الكردي في كل زمان ومكان، سواء كان للكرد ممالك أو دويلات أو إمارات، أو حتى مقسمين بالقوة بين دول مصطنعة مثل تركيا أو إيران أو العراق أو سوريا، ويشكلون جاليات عبر دول العالم. لقد عانى الكرد في تاريخهم الطويل وامتداداتهم الجغرافية والبشرية من مشروعات القمع والتجهيل والصهر، والأصعب مشروعات التطهير العرقي والإبادة الجماعية، لكنهم لم يخنعوا ولم يخضعوا، وظلوا يغنون ويرقصون ويبدعون بلغتهم الكردية في كل نوروز دون توقف سراً وعلانية.

*أشعر أن نوروز أيضاً رمز لوحدة الشعوب الكردية في كل مكان، ما رأيك؟

- الحقيقة أنه رغم افتقار الكرد إلى الاتحاد السياسي، فإنهم بلا استثناء اتحدوا في نوروز بنفس العادات والتقاليد وطقوس الاحتفالات، سواء كانوا مسلمين سنة أو شيعة، أو مسيحيين أو يهود، وحتى الجماعات الكردية الزرادشتية والإيزيدية والكاكائية، وما على شاكلتهم. وبالتالي نوروز إذن اتحاد كردي وطني قومي نادر المثال في رمزيته واستمراريته، والتشبث به دليل على الاستمرارية الكردية. وبعد صراع وجودي كردي مع الأنظمة الفاشية، الطورانية التركية والفارسية الإيرانية والبعثية العربية، يعود الاحتفال بنوروز، ورغم تضييق الأنظمة السابقة على الكرد، فإنهم ازدادوا تشبثاً بنوروزهم الذي اعتبروه عمودهم الفقري.

*كيف انعكس حراك حزب العمال الكردستاني والمفكر عبدالله أوجلان على عيد نوروز وطقوسه؟

- مع الحراك السياسي والثقافي الذي أبرزه حزب العمال الكردستاني بزعامة المفكر والمناضل عبدالله أوجلان اتخذ نوروز مساراً جديداً، لا سيما منذ 15 آب 1984، ومع الأوجلانية بدأ مفهوم عصري جديد لعيد نوروز مرتكز على الإرث النضالي للشعب الكردي، لا سيما إبان العهد الميدي، وتجلى ذلك في المقاومة التقدمية للحزب، وعلى رأسهم مظلوم دوغان الذي نال لقب "كاوا العصر" وشعاره المألوف "المقاومة حياة"، وقد فقد حياته في سجن آمد (ديار بكر) في نوروز 1982، وأصبح قدوة للكوادر الآبوجية، وتحول السجن إلى مدرسة لتجسيد فكر الفيلسوف أوجلان بأساليب متنوعة مثل الإضراب عن الطعام حتى الموت، والافتداء حرقاً. وقد استمرت الحملات دون انقطاع مع كل نوروز، وكان أعظمها في نوروز 2103 عندما وجه المفكر أوجلان من مقر معتقله بإمرالي رسالة السلام المشهورة إلى الدولة التركية، وإلى الشعبين الكردي والتركي على حد سواء، وإلى العالم أجمع داعياً إلى السلام في كردستان وتركيا والشرق الأوسط.

*دائماً رسائل القائد أوجلان حاضرة في كل نوروز، ماذا عن هذه المرة؟

- لم يتوقف أوجلان عن إرسال رسائل السلام إلى الأنظمة الحاكمة والشعوب والمنظمات الدولية، بهدف تحرير الشعب الكردي ونيل حقوقه التاريخية المشروعة، وكان آخرها دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي في أجواء نوروز 2025. وهنا أتوقف عند ما قاله: "إن احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل فئة وفقًا لأسسها الخاصة، لا يُمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية". وأيضاً يقول العم "آبو" إن تحقيق الاستمرارية الدائمة والأخوية، لن تتوَّج إلا بالديمقراطية، فلا يوجد طريق آخر غيرها في البحث عن أنظمة جديدة وتحقيقها، فالطريقة المثلى هي التوافق الديمقراطي".