لقاء عبر تقنية الزوم يجمع بين مثقفين كرد وامازيغ حول فلسفة الأمة الديمقراطية

قواسم كبيرة بين الشعبين الكردي والأمازيغي، وربما نفس التحديات المشتركة، التي يرى كثير من المثقفين أن فلسفة الأمة الديمقراطية للقائد عبدالله أوجلان توفر ملاذاً لهما أمام معاناتهما التاريخية.

وإذا كان الشعبان الكردي والأمازيغي يواجهان نفس المعاناة، فلما لا يكون هناك عمل مشترك وتعاضد وتوحد بينهما لمواجهة ما يلم بهما؟، والواقع يقول إن الأمر ممكن، وقد كانت هذه المسألة موضوعًا لنقاش ولقاء نظم في الفضاء الإلكتروني، عبر تقنية زووم، بين عدد من الكتاب والمثقفين والسياسيين من الشعبين، الذين قدموا روشتة لما يجب القيام به.

 

اللقاء نظمته وكالة فرات للأنباء (ANF)، ومن الجانب الكردي شارك كل من: السيدة أفيندار مصطفى من أكاديمية عبدالله أوجلان، والسيد عبدالوهاب بيراني وهو كاتب وناقد ومسؤول العلاقات باتحاد مثقفي الجزيرة، والأستاذ صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، والسيدة ليلى صاروخان من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والدكتور كاميران برواري عضو أكاديمية عبدالله أوجلان وعضو المؤتمر الوطني الكردستاني، والأستاذ محمد شيخو، السياسي الكردي.

ومن الجانب الأمازيغي، السيد أكلي شكا الباحث والكاتب والناشط الطوارقي، والسيدة أماني الوشاحي مسؤولة أمازيغ مصر في الكونجرس الأمازيغي العالمي، والسيد فتحي خليفة رئيس حزب ليبو، رئيس المجلس السابق للكونغرس الأمازيغي العالمي، والسيد عبدالله بوتاني وهو ناشط أمازيغي بالجزائر، والسيد مجدي بوهنة وهو ناشط أمازيغي، بالإضافة إلى المحلل السياسي المصري الدكتور طه علي.

وحدة الشعوب

أفيندار مصطفى وهي من أكاديمية عبدالله أوجلان للعلوم الاجتماعية التي أعربت عن سعادتها بهذا اللقاء، وعن أنها تأمل خيرا بما هو قادم وإعادة كتابة التاريخ من جديد وتجاوز مرحلة تم فيها تهميش عديد من الشعوب.

وترى أفيندار مصطفى، في كلمتها، أن تجاوز هذه المرحلة من التهميش، يتم بالإخوة بين الشعوب عبر الفكر والنهج الذي قدمه القائد عبدالله أوجلان، مؤكدة أهمية التضامن بين الشعوب والحاجة إليه، مشيرة إلى أنها حين قرأت عن الأمازيغ شعرت بالأسى والاستياء  نتيجة ما لاقوه.

مشكلة الأحادية

بدورها، تحدثت السيدة أماني الوشاحي مسؤولة أمازيغ مصر في الكونغرس الأمازيغي العالمي، والتي أكدت أن أكبر مشكلة يواجهها الشعبان – الأمازيغي والكردي – هي الأحادية، إذ يناضلان ضد الآخر الذي لم يقبلهما.

ليس هذا فحسب، فتقول الوشاحي إنهما يناضلان كذلك ضد التثقف المضاد، أي أن تأتي قوة أخرى تحاول فرض ثقافتها، وبالتالي فإن هذا الشعب المستهدف سيعمل للتصدي لذلك، وهذا أمر مرهق للغاية.

وشددت الوشاحي على أن الشعبين الأمازيغي والكردي لا يزالان يناضلان في مواجهة الأحادية والتثقف المضاد، معتبرة أن الحفاظ على الهوية، وسط كل هذا، نجاح مبهر، يحتاج أن يخلد، لأن هذا عكس شعوب أخرى سحقت، داعية إلى ضرورة التفكير المشترك بين الشعبين حول ما يجب القيام به.

نفس السيناريو التاريخي

بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى الكاتب والناقد عبدالوهاب بيراني مسؤول العلاقات في اتحاد مثقفي الجزيرة، الذي أعرب عن رؤيته بأن الشعبين الكردي والأمازيغي عاشا نفس السيناريو التاريخي.

وأوضح أنه حين غادر الاستعمار أو الانتداب الأوروبي أواسط القرن الماضي المنطقة، بقي الكرد موزعين بين أقاليم جغرافية متعددة، أي شعب واحد يعيش على أرضه التاريخية، لكن بين 4 دول عبر حدود صناعية، وهو نفس ما حدث مع الأمازيغ، معتبرًا أن تلك الحدود أهم تحد أمام تحرر الشعبين.

وتحدث بيراني عن تأثير الكرد والأمازيغ تاريخيًا، إذ أشار إلى اعتماد الدين الإسلامي على الشعبين في كثير من الفتوحات التي قامت على أكتفاهم، مثل طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ثم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر فلسطين ووحد مصر وبلاد الشام.

وشدد بيراني على أن الكرد والأمازيغ حافظوا على هويتهم، رغم محاولات الحكام بشكل مستمر لسحق هذه الهوية، مشيرا إلى أن الشعبين تعرضا للخذلان في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخذلتهم الجغرافيا والتاريخ، رغم عظمة الشعبين، وهو ما تدل عليه الآثار الموجودة في المنطقة.

ولفت إلى أنه  قد كان واضحا أن الكرد والأمازيغ يواجهان الإنكار والتهميش، ويتم التلاعب بأرقامهم وأعدادهم حتى يتم تصنيفهم أقلية، على نحو لا يناسب القضايا الاجتماعية التي يفترض أنها تقوم على البحث عن الهوية والثقافة الديمقراطية القائمة على فكرة الإخاء والاحتواء وعدم أفضلية مكون على آخر.

فكرة الأمة الديمقراطية

وتحدث عبدالوهاب بيراني، كذلك، عن أن كل الحروب التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية  كانت حروبا وصراعات من أجل الهيمنة والسيطرة، بينما الإنسان هو من دفع ضريبتها من دماء وأوجاع.

وأكد أن الشعوب لا تزال تدفع الثمن من أجل أن يكون لها مكان كأمة ديمقراطية، ويكون لديها ردها على كل الفلسفات والأنظمة القومية الضيقة الشوفينية، ومن تأثر بهم من فلسفات ناصرية وبعثية، وكذلك تلك التي تتبع تيار الإسلام السياسي مثل الإخوان.

وأعرب بيراني عن قناعته بأن فكرة الأمة الديمقراطية تبقى هي الأنجح والأوقع، لاحتواء كل مكونات المنطقة، لافتًا كذلك إلى المكانة التي تتمتع بها المرأة وفق فلسفة الأمة الديمقراطية التي هي ضد الذكورية والهيمنة الجنسبة، حيث يتشارك الكرد والأمازيغ في المكانة المتميزة لديهم.

وفي ختام حديثه، أكد أن الأمة الديمقراطية توفر المناخ الذي يحيى فيه الإنسان حياة طبيعية، ينعم فيها بحقوقه وحريته، مشددا على ضرورة العمل لتعيش كافة شعوب المنطقة إلى جانب بعضها، قائلًا إن هذه الأفكار ناتجة من المفكر عبدالله أوجلان المسجون منذ 25 عاما، مؤكدا أنه في نظره مناضل ليس من أجل الكرد وحدهم، بل من أجل كل شعوب العالم.

الحاجة إلى نضال مشترك

وانتقل الحديث إلى السيد فتحي خليفة رئيس حزب ليبيو والرئيس السابق للكونغرس الأمازيغي العالمي الأمازيغي، والذي استهل حديثه عن الكرد والأمازيغ بالقول إن هناك قاعدة أن الجماعات البشرية التي تعيش في بيئة وظروف متشابهة من الضروري أن تصل عقليتها إلى استعمال نفس الأدوات ونفس نمط التفكير.

وقال خليفة إنه لمس جوهر فكر عبدالله أوجلان من إطلاق مفهوم الأمة الديمقراطية، الذي يراعي خصوصية أغلبية هذه الشعوب، مؤكدا ضرورة أن يكون هناك نضال سياسي حقيقي تتبناه النخب الأمازيغية والكردية في ظل تحولات تاريخية يحب أن يتم التعامل معها بعقلية مختلفة.

ولفت خليفة إلى أن الشعبين – الكردي والأمازيغي – اكتويا مما أسماه بـ"القومجية العرقية العربية"، سواء عبر تاريخ المرحلة الإسلامية، أو في مرحلة الانقلابات وقدوم الأنظمة القومية العربية وما صاحبها من مظاهر الإسلام السياسي، مشيرًا إلى أنه الآن تطور الأمر لإرهاب سياسي وليس مجرد أسلمة، فضلا عن التكالب الدولي الذي ينظر إلى قضايا المنطقة على أنها إحدى أدوات الصراع ولا يتعامل معها من منطق حقوقي.

وشدد على أن هذه الأيديولوجيات القومية والإسلامية لا يمكن أن تستمر ويرى فتحي خليفة أن هناك تحديات متزايدة، ومن ثم يرى ضرورة التقدم خطوة للأمام، وخوض غمار العمل السياسي، مشيدًا، في هذا السياق، بأفكار القائد عبدالله أوجلان التي يرى أنها تلائم القضايا الأمازيغية في المنطقة، وكذلك بقية الشعوب.

يافطة الإسلام السياسي

بعد ذلك انتقلت الكلمة إلى الأستاذ صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، والذي قال إننا كشعب كردي وأحزاب ومثقفين لسنا ملمين بشكل جيد بالتاريخ الأمازيغي وبواقع الأمازيغ الحالي ويقتصر الأمر على معرفة سطحية، معتبر أن هذا تقصيرًا.

وأوضح مسلم أنه بصفة عامة وحسب المعلومات المتوافرة فإن الكل يتحدث عن الشعب الكردي الذي يزيد على 50 و60 مليون شخص في الشرق الأوسط وبهذه المنطقة الحيوية، وكذلك شعب الأمازيغ وعددهم كبير ابتداء من مصر إلى المغرب وإلى الصحراء الغربية  فهي مناطق أمازيغية.

ويقول السياسي الكردي البارز إننا نحن كسياسيين وجدنا تقصيرا من جانبنا، لأننا إلى الآن لم نستطيع توحيد جهودنا، فكنا تاريخيا ضحية الإسلام السياسي من أيام الأمويين، قائلًا إنهم استطاعوا أن يضعوا الشعب الكردي في خدمتهم.

وأشار إلى أن الأمر توسع في الدولة العباسية ثم في عهد العثمانيين، مؤكدًا أن نفس الأمر حدث مع الأمازيغ، وقد تحولوا إلى محاربين أشداء تحت يافطة الإسلام السياسي، مشيرًا إلى أن أبو مسلم الخرساني كردي وهو من قاد الفتوحات الإسلامية إلى الهند، وكذلك الحال بالنسبة للأمازيغ بالوصول إلى بلاد الأندلس.

وقال مسلم إن الكرد والأمازيغ وغيرهم من الشعوب كانوا يعملون تحت مظلة هذه الدول في إطار نوايا حسنة قائمة على خدمة الإسلام، بينما كان هؤلاء يستغلونهم.

التعاضد والتآزر

وبعد الحديث عن تلك الجوانب التاريخية، يقول الأستاذ صالح مسلم إن ما يهم الآن أننا كشعب كردي لدينا مؤسسات على مختلف الأصعدة، وكذلك الإخوة الأمازيغ يدب التآزر والتعاضد بينهم من أجل استعادة ما فقد في الماضي.

وقال إن الكرد باستطاعتهم تغيير الشرق الأوسط وكذلك الأمازيغ يمكنهم فعل نفس الأمر في الشمال الأفريقي، فالكرد موزعون على 4 دول، والأمازيغ مقسمون على مصر وليبيا والمغرب والجزائر وتونس وغيرهم من الدول، لافتًا إلى هذا التقسيم أتى من منطلق التسلط على ثروات الشعبين واحتكارها.

وتحدث عن فكرة الأمة الديمقراطية قائلا إننا ككرد لدينا أفكار الأمة الديمقراطية التي تساعدنا على التخلص من محاولات الآخرين استخدامنا واستغلالنا كأننا خدم لديهم، مشددًا على الحاجة هنا إلى التعاضد والاستفادة من التجارب المشتركة، مؤكدا: "سنكون أقويا بمدى تعاضدنا وتبنينا لقضايا بعضنا البعض".

وأعرب، في ختام حديثه، عن أمله في أن تكون هناك لقاءات مشتركة بين المؤسسات الكردية والأمازيغية التي تعمل في الحقلين الدبلوماسي والسياسي، مؤكدًا أنه بالإمكان التواصل بين الشعبين مع  ضرورة توافر النوايا للقيام بشيء مشترك في المستقبل.