وقبل ذلك بأيام تواصل المستشار الألماني أولاف شولتس مع فلاديمير بوتين –هاتفيا- لأول مرة منذ عامين، ما دعا أوساط المحللين إلى طرح فكرة محاولات إنهاء الحرب في أوكرانيا على خلفية تغيرات عميقة شهدها الاتحاد الأوروبي بتصدر اليمين المتطرف فضلا عن نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
ويبدو أن المستشار الألماني يتحسب لتبعات السياسات الأمريكية عقب فوز ترامب، نظرا لتوجهاته الجديدة فيما يخص العلاقات الأمريكية الأوروبية ومستقبل حلف الناتو، فضلا عن علمه المسبق بشروع كييف في استهداف العمق الروسي، ما دفعه للتواصل مع الرئيس الروسي في محاولة لاستعادة مسار التواصل على الصعيد الأوروبي، ضمن خطة محتملة قد تقتضي دخول الاتحاد في مفاوضات مع روسيا، خاصة بعد تواصل شولتس هاتفيا مع الرئيس الأمريكي المنتخب الذي خرج منه بانطباع سلبي، وبالتالي أظهر المستشار الألماني خلال تواصله مع بوتين مرونة محتملة أمام موسكو دون التراجع عن دعم أوكرانيا.
الانتخابات الألمانية والأزمة الأوكرانية
رامي القليوبي الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنّ المانيا كانت أكبر شريك لروسيا على الصعيد الاقتصادي حيث كانت من أكبر الدول الأوروبية استيراد للغاز الروسي، ثم أصبحت ثاني أكبر بلد داعم لأوكرانيا، ورغم موقفها المرهون بسياسات الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض إلا أنها رفضت اقتراحات ضرب العمق الروسي من قبل أوكرانيا بسلاح الغرب، وبالتالي فإن فرص انفتاح ألمانيا على موسكو لازالت كبيرة في ظل المتغيرات الراهنة والمحتملة.
تيمور دويدار الخبير في الشأن الروسي، يرى أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه المستشار الألماني مع الرئيس فلاديمير بوتين جاء في سياق ما تتعرض له الحياة السياسية في ألمانيا من اضطرابات بعد انهيار حكومة الائتلاف الثلاثي بقيادة شولتس نتيجة توترات حادة بين الأحزاب الثلاثة المكونة للحكومة (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر)، وبيّن في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الاتصال يأتي ضمن الحملة الانتخابية لشولتس التي تسعى إلى طمأنة المواطن الألماني بشأن مستقبل الحرب وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية في الداخل الألماني، ولم يستبعد مرونة ألمانية مستقبلية قد تفتح الباب أما تفاوض جاد بين موسكو والاتحاد الأوروبي فيما يخص القاضية الخلافية الشائكة بين الطرفين في محاولة للوصول إلى اتفاق وإنهاء الحرب.
سياسات ترامب وتداعياتها على الاتحاد الأوروبي
وعقب إعلان ترامب رئيسا منتخبا للولايات المتحدة الأمريكية، سرت حالة من القلق في الأوساط السياسية الغربية تخوفا من سياساته المستقبلية الداعية إلى الانكفاء على الداخل وفتح ملفات شائكة تخص حلف الناتو ومستقبله على الصعيدين العسكري والسياسي، فضلا عن علاقاته بالرئيس الروسي وغموض موقفه من الأزمة الأوكرانية، ومن ثم يرى الاتحاد الأوروبي ضرورة التحرك وفق المسار المحتمل وسط تخوفات دول البلطيق من التوسع الروسي في أوروبا، بما يؤشر إلى بدء مناقشات جادة حول مستقبل أوكرانيا ودول الاتحاد في ظل المعطيات الجديدة التي قد تفرض واقعا لا يساير استراتيجيات الاتحاد الأوروبي فيما يخص الصراع مع موسكو.
وسبق وأن صرح شولتس في وقت سابق بأن الرئيس الأمريكي الجديد لم يعلن عن موقفه بشأن ما يجري على الأراضي الأوكرانية وأن آخر تواصل له مع ترامب كشف خلاله عن فروق كبيرة في وجهات النظر فيما يخص هذا الملف، مشددا على أن ألمانيا ستواصل استثمار علاقتها الجيدة مع البيت لأبيض وفي نفس الوقت لن تتخل عن كييف، الأمر الذي قد يطرح سيناريوهات جديدة تنهي الحرب في أوكرانيا خاصة إذا ما مارس الرئيس الأمريكي الجديد ضغوطا على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لإنهاء الصراع حتى ولو على حساب أمن الاتحاد وعلاقاته المستقبلية مع روسيا.
انسحاب أمريكا من حلف الناتو
وعلى الرغم من أهمية الاتصال الهاتفي بين شولتس وبوتين، في هذا التوقيت الحرج إلا أن فرص التوافق بين الطرفين بعيدة، حيث يصر شولتس على استمرار دعم أوكرانيا ضد ما وصفه بالعدوان الروسي في مقابل إصرار روسي على تحقيق أهدافها من الحرب بنزع سلاح أوكرانيا ورفض اقتراح انضمامها للاتحاد الأوروبي وعدم التنازل عن أي أراضي احتلتها موسكو في أوكرانيا مشددا على أن أي مفاوضات يجب أن تأخذ في الاعتبار الواقع الميداني على الأرض، ووصف السياسات الأوربية بالعداونية وأنها تستهدف خلق نقاط دلية تعمل ضد المصالح الروسية وتؤثر على الأمن القومي الروسي من خلال حصار حلف الناتو لأراضي روسيا والجمهوريات المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي.
يأتي هذا وسط تخوفات بشأن انسحاب أمريكا من حلف الناتو على خلفية التوجهات السياسية الجديدة للرئيس المنتخب الذي أبدى تعاطفه مع بوتين في فترته الرئاسية الماضية وسبق وأن صرح جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، بأن الأخير سوف ينسحب من الحلف، إذا عاد رئيساً، مشيرا إلى جدية ترامب في هذا القرار لأنه يرى أن واشنطن تقدم حماية للاتحاد الأوروبي وكندا دون مقابل.