وأتت المفاجأة فيما كشفت عنه وسائل الإعلام التركية بشأن هذا الاجتماع، إذ قالت إن الاجتماع الأخير وما سبقه حمل رسائل واضحة على صعيد التقارب بين دمشق وأنقرة، لا سيما في ظل اتساع مساحات التفاهم لتطبيع العلاقات، والتوافقات بين الجانبين بشأن "مكافحة الإرهاب"، والمصطلح الأخير هو المظلة التي يستخدمها أردوغان لمواصلة عدوانه على مناطق شمال وشرق سوريا.
وذكرت إحدى وسائل الإعلام التركية أن هناك تفاهمات وقبول متبادل بشأن ما تشكله ما أسمتها بـ"الجماعات الكردية" من خطر، وتوحيد الجهود المشتركة لمواجتهها، على نحو يحمل إشارة صريحة على أن هذا الملف الكردي بات الورقة الرئيسية التي تجمع بين حكومة دمشق وحكومة الاحتلال التركي برعاية إيران التي تضمر العداء بدورها للكرد.
إيران صاحبة مصلحة
في هذا السياق، يقول الدكتور محمد محسن أبوالنور خبير السياسات الدولية، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الكرد يشكلون عدواً مشتركاً لكل من النظام السوري وإيران وتركيا، وبالتالي من هنا تأتي المصلحة المشتركة بين هذه الأطراف، حتى رغم كم العداء والتباعد بين أردوغان وبشار الأسد على مدار أكثر من عقد من الزمن.
وأوضح "أبوالنور" أن إيران التي تقود مواجهة هي الأخرى مع بعض الأحزاب الكردية الإيرانية المناوئة للنظام، هي التي أدارت ملف التقارب بين الأسد وأردوغان عبر ورقة العداء للكرد، على نحو وصل بالعلاقات بين النظامين إلى حالة مسبوقة من التقارب، إذ يرغب الأتراك في طرد الكرد من مناطق الشمال والشرق السوري وإحلال قوات بشار الأسد محلها، وهذا الأمر يشكل رغبة مشتركة كذلك مع طهران.
وكانت مدينة دير الزور شهدت تحركات قبل أشهر ضد الكرد، وكانت شاهداً على التنسيق بين هذا الثلاثي ضد قوات سوريا الديمقراطية، عندما نفذت ميليشيات موالية لبشار الأسد وإيران بالتعاون مع جماعات إرهابية موالية لتركيا تمرداً كان الهدف منه العبور إلى الجهة الأخرى من النهر والسيطرة على دير الزور بشكل كامل وطرد الكرد منها.
ليس بهذه السهولة
لكن في المقابل، يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الحديث عن تقارب بين بشار الأسد وأردوغان في الوقت الحالي أمر صعب للغاية ومن السابق لأوانه في ظل التعقيدات الكبيرة بالملف السوري الصعب ضمن أزمات الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الحديث عن تطبيع العلاقات كان قد أخذ منحنى تصاعدياً قبل الانتخابات التركية التي جرت في مايو/أيار العام الماضي.
وأضاف "اليمني" أن المؤشرات كانت تقول إن العلاقات ستتطور بين دمشق وأنقرة خلال فترة الانتخابات، لكن بمجرد فوز أردوغان عاد لممارسة نفس سياساته تجاه سوريا، وكذلك هجماته المتصلة على مناطق شمال وشرق سوريا، وحتى لو أثير الأمر خلال اجتماع أستانا فإنه لا يعني شيء، لأنه بمنتهى الوضوح أردوغان لن يخرج لا من سوريا أو ليبيا أو أي منطقة نفوذ له في الشرق الأوسط.
وقال الخبير في العلاقات الدولية إن النظام التركي لن يخرج من سوريا بالذات، لأنها تلعب دواً مهماً للغاية فيما يتعلق بمصالح أنقرة في المنطقة، مؤكداً في الوقت ذاته أنه ليس هناك شيء مسبتعد في عالم السياسة رغم كل تلك التباعدات، لكن حتى عندما تحركت روسيا فيما يتعلق بمسار التطبيع بين بشار الأسد وأردوغان لم نرى أي مؤشرات لهذا التقارب.
ويرى "اليمني" أن أردوغان كان يتلاعب بمسألة التطبيع مع بشار الأسد في إطار ملف إعادة اللاجئين السوريين الذي تطالب به كثير من الأوساط في تركيا وكان ذلك بالتزامن مع الانتخابات، وقد تحدث الرئيس التركي عن ذلك، ولكن ما إن انتهت الانتخابات لم نرى هناك أي مؤشرات واقعية بخصوص هذا الأمر.
جدير بالذكر أن جميع اجتماعات أستانا التي بدأت أواخر عام 2017 لم تسفر عن أي شيء يذكر على صعيد تسوية الأزمة السورية، لدرجة أن روسيا لم تكن راغبة من الأساس في انعقاد الجولة الأخيرة، إلا أنها جرت بناء على تحركات قادها جير بيدرسون المعبوث الأممي إلى سوريا، وكذلك بدفع إيراني.