في اليوم العالمي لمناهضته ضدها.. وباء العنف يقتل امرأة كل 10 دقائق

تحيي الأمم المتحدة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يأتي هذا العام والنساء تواجهن ظروفاً أكثر قساوة لا سيما في الشرق الأوسط.

واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة مناسبة دولية مهمة الغرض منها رفع مستوى الوعي بالتحديات التي تواجهها المرأة، لا سيما الإشكاليات المرتبطة بممارسة العنف ضدها بكافة أشكاله، والذي تؤكد العديد من الأرقام أنه يتصاعد على نطاق واسع، لدرجة أن الإحصاءات تكشف عن مقتل امرأة كل 10 دقائق تقريباً على أيدي شركائهن أو أحد أفراد أسرهن من بين 511 ألف وثق تعرضهن للعنف.

وبهذه المناسبة تنطلق اليوم حملة "اتحدوا!" الأممية التي تمتد على مدار 16 يوماً من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة تنتهي يوم 10 ديسمبر/كانون الأول، وسيكون شعارها "كل 10 دقائق تقتل امرأة.. لا عذر"، وتهدف إلى لفت الانتباه إلى التصعيد المثير للقلق للعنف ضد المرأة لإحياء الالتزامات والدعوة إلى المساءلة ودفع صانعي القرار على مزيد من العمل للحد من تلك الظاهرة.

عنف يتصاعد
ويذكر الموقع الشبكي لهيئة الأمم المتحدة أرقاماً صعبة للغاية للعنف ضد المرأة على مستوى العالم، إذ تعرضت ما يقدر بنحو 736 مليون امرأة للعنف الجسدي أو الجنسي، أي بمعدل واحدة من كل 3 نساء، كما أن الفتيات معرضات بشكل خاص لخطر العنف، حيث تتعرض واحدة من كل 4  فتيات مراهقات للإساءة من قبل شركائهن.

كما تُظهِر الدراسات أن نسبة انتشار العنف ضد النساء والفتيات الذي تيسره التكنولوجيا تراوح بين 16 و58%، وأن النساء الأصغر سناً تتأثرن به بشكل خاص، حيث أن الجيل المولود بين عامي 1997 و 2012 وجيل الألفية المولود بين عامي 1981 و 1996 هما الأكثر تضرراً.
وتكشف الإحصاءات كذلك أن 70% من النساء تتعرضن في الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية للعنف القائم على النوع الاجتماعي، كما أنه على مستوى العالم، زادت عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بنسبة 15% مقارنة بالبيانات من 8 سنوات مضت، وهي أرقام مخيفة بكل تأكيد.
واقع صعب يحتاج لتحرك

تقول الدكتورة جيهان جادو وهي سياسية فرنسية من أصول مصرية إن الأرقام والمؤشرات واضحة بشأن واقع المرأة، وبالتالي فنحن أمام فرصة بمناسبة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة أن نلفت الأنظار إلى مواجهة هذه الظاهرة التي لم تختفي بعد، بل وللأسف وصل الحال إلى عديد من الوفيات نتئجة العنف الناتج عن الشريك أو الأسرة، وأحياناً في إطار العمل.

وتشدد جيهان جادو، في حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على ضرورة تكثيف التحركات لوقف هذا الوضع المأساوي، مؤكدة أن هناك حاجة ماسة لسن وصياغة القوانين التي تشدد الإجراءات والعقوبات لمن يمارس العنف ضد المرأة وترسخ مناهضته، إلى جانب الحاجة الماسة إلى مزيد من التوعية ضد العنف بصفة عامة حتى لو كان ذلك عنفاً نفسياً.

وتقول إحصاءات أن 86% من النساء والفتيات تعشن في دول تغيب عنها أنظمة الحماية القانونية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما أن كثيراً من تلك الدول لا توجه مواردها إلى الإجراءات التي من شأنها توفير الحماية للمرأة، لا سيما في ظل معاناتها الاقتصادية وتفضيلها توجيه الأموال للخدمات العامة في مجتمعات تعاني الفقر والبطالة، ولهذا فإن 3 من كل 4 نساء تتعرضن للعنف من العاطلات عن العمل.

بين الثقافة المجتمعية والسياسة

بدورها، تقول فاتن صبحي الكاتبة الصحفية المتخصصة في شؤون المرأة، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مواجهة إشكالية العنف ضد المرأة لا تكمن فقط في مسألة التشريعات أو القوانين رغم أهميتها، لكن هناك حاجة ماسة إلى قناعات على مستوى المجتمع وعلى مستوى القيادات السياسية بضرورة لفظ العنف ضد المرأة، وتوليد ثقافة عامة لا تغفل هذا.

وأضافت أن منطقة الشرق الأوسط تفتقر إلى نماذج الفكر والقيادة التي تقدم نظريات أو أفكار قادرة على تغيير ثقافة المجتمع، وتشير إلى أنه "وسط هذا الظلام" لدينا فلسفة المفكر عبد الله أوجلان التي أعطت المرأة مكانة خاصة، لا سيما الإيمان بأن تحرير المجتمع يبدأ من تحرير الفرد وأن تحرير الفرد يبدأ من تحرير المرأة، كما أنه أكد على أن المرأة يجب أن تكون شريكاً للرجل وأن تحصل على حقوقها في إطار مبدأ الكفاءة.

وتؤكد فاتن صبحي أن مثل هذه الأفكار من شأنها خلق مجتمع لديه ثقافة واعية بالتحديات التي تواجه المرأة، ويرفض أي ممارسات أو سلوكيات تحمل عنفاً تجاهها، سواء كان ذلك جسدياً أو نفسياً، كما سيكون بذلك قادراً على ترك المرأة تمارس حقها الطبيعي في اختيار حياتها وأفكارها وانتماءاتها السياسية، ويشجع إيمانها بذاتها، وهذا طريق مهم جداً من أجل "امرأة حرة لا تتعرض للعنف".
وتذخر فلسفة المفكر عبدالله أوجلان بالحديث عن المرأة وقيمتها، وتميز بأنه لم يتعامل معها بشكل عابر بل كانت جزء رئيسي من رؤيته لبناء الأسرة والمجتمع والدولة والفكر النضالي، فحقوقها لم تكن مجرد رفاهية، بل آمن أن الحياة لن تكون حرة دون حرية المرأة، وأنه لا نجاح لثورة دون إرادة المرأة، ولهذا فقد شجعها على انتزاع حقوقها ودعم نضاله، بل وكرس هو نفسه قسماً كبيراً من نضاله لأجلها.

المرأة في الشرق الأوسط

وبالانتقال إلى الحديث عن العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط فإن الوضع سوداوي أكثر، إذ جاءت الأحداث في قطاع غزة ولبنان، وكذلك الاعتداءات التركية المتواصلة على مناطق شمال وشرق سوريا والصراعات التي تضرب المنطقة، لتلعب دوراً كبيراً في مفاقمة معاناتها والعنف ضدها، وهي التي كانت تعاني بالأساس، فمن المعلوم أن بيئة تكثر فيها الاضطرابات والعنف، تكون المرأة بطبيعة الحال أكثر من يدفع الثمن فيها.

وحتى على صعيد العنف النفسي الناتج عن التمييز وصعوبة الوصول إلى العدالة، فإن أداء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الأسوأ، حيث لا يوجد في دول مثل إيران والأردن والكويت وفلسطين وقطر وسوريا واليمن عقوبات جنائية على التحرش الجنسي في مكان العمل، وفي 10 دول في المنطقة يُلزم القانون النساء بطاعة أزواجهن، وفق النسخة الرابعة من مؤشر المرأة والسلام والأمن 2023/2024.

"المرأة أكثر الخاسرين في أي معركة"، بتلك العبارة علقت آمال الأغا رئيس اتحاد المرأة الفلسطينية – فرع القاهرة، على واقع المرأة وما تعانيه في الشرق الأوسط خاصة في الأراضي الفلسطينية، مضيفة أن المرأة تفقد بيتها وعائلتها والدعم المؤسسي من الدولة والمجتمع المدني، فهي من تدفع الثمن لأن الأعباء تكون كبيرة عليها خلال فترة الحرب.

وأوضحت أن وضع المرأة الفلسطينية سيء للغاية، فمع حالة العدوان على غزة والحصار على الفلسطينين ترتفع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات تتجاوز 95%، وقد فقدت النساء اللواتي كان لديهن مشروعات صغيرة مصادر دخلهن، كما يأتي هذا وسط تحدي المجاعة، إلى جانب ما يجري في القرى حيث تقطع المياه وتصادر الأراضي ويجري تهجير قسري إلى جانب هجمات المستوطنين الإسرائيليين.

وحين تكشف الإحصاءات أن امرأة تقتل كل 10 دقائق، فالواقع يقول هنا إن العنف الاجتماعي أصبح مشابهاً للأوبئة القاتلة في تأثيرها، وأنه رغم التقدم الكبير الذي يحرزه العالم في عديد من المجالات، إلا أن واقع المرأة أصبح المجال الذي يكشف الوجه الآخر القاسي والصعب، وأنه لا يزال أمامنا الكثير والكثير في مواجهة العنف ضد المرأة.