تجلى الانفصام الواضح في خطاب أردوغان الأخير بمنطقة آمد، حين أكد أن تركيا تتطلع إلى حل نهائي للقضية الكردية بعد التغييرات السياسية الأخيرة التي طالت المنطقة وعلى رأسها سوريا ولبنان، وفي الوقت ذاته وصف الكرد بالانفصاليين والعنصريين والإرهابيين، ما يؤشر إلى إصراره على التنكيل بالكرد وحقوقهم وتغذيته للعنصرية وتنميتها في صفوف الشعب التركي بما يهدد أمن واستقرار الدولة والمنطقة بأكملها، ومن ثم بات أردوغان أحد اهم مهددات الأمن القومي بسبب إصراره على سياسات العنصرية ومواصلة حرب الإبادة ضد الشعب الكردي الذي عانى من إهدار حقوقه على مدار التاريخ.
دوافع عنصرية
الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكد في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «أردوغان يرفع سقف الهجوم والعداء للكرد خلال تصريحاته الإعلامية تمهيداً للجلوس إلى طاولة المفاوضات بغرض الحصول على أكبر مكاسب ممكنة، وما يبرهن على هذا التوجه هو الانفتاح على الحوار مع القائد أوجلان الذي أصدر بيانا فيه من المرونة ما يؤكد وجود انفراجة قريبة للقضية الكردية فضلا عن تصريحات أبو محمد الجولاني حول القضية الكردية والمظلمة التي عاشها الشعب الكردي طوال عقود وأعتقد أن الضغوط الأمريكية والغربية ستؤتي بثمارها قريبا من خلال التوصل لحل نهائي وإنهاء المظلمة الكردية.
جرائم على الهوية
وسبق وأن رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، جرائم أردوغان بحق الكرد لمجرد استخدامهم لغتهم الأم حيث ساوى بين الإرهابي ومن يستخدم اللغة الكردية ولاحق العديد من الكرد قضائيا ووصفت المنظمة سياسات أردوغان بالعنصرية، تزامنا مع تنفيذ خطط متعمدة لتدمير الآثار الكردية في مدينة مثل عفرين عندما احتلتها أنقرة، وتم نهب بعضها بغرض طمس كل ما يتعلق بالهوية الكردية، ومن هذا المنطق يستمر العداء التركي مع الشعب الكردي، منذ قدوم الأتراك إلى مناطقهم الحالية، بل وتعمل أنقرة حتى على محو العادات والتقاليد الكردية القديمة.
فيما قال الدكتور طه علي الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «سياسة الإدارة التركية لم تتغير تجاه الملف الكردي منذ انهيار الدولة العثمانية، وعليه فالسياسات القمعية تجاه الكرد جزء لا يتجزأ من الإبادة الممنهجة، التي رسمتها القومية التركية لقيام الجمهورية على حساب الكرد، والأمر يرجع إلى حالة التعصب القومي التي تتصف بها النخب الحاكمة لتركيا على مر تاريخها، حيث ترسخت لدى هذه النخب قناعات بسمو العنصر الطوراني كصاحب أصيل لهذه الأرض، ومارس الأتراك عنصرية متطرفة تجاه كل من لا ينتمي إلى العنصر الطوراني، وهو ما ترجمته المذابح وعمليات الإبادة التي مارسها العثمانيون أينما ذهبوا».
دلالات مقلقة
ويعكس الخطاب التركي العنصر دلالات مقلقة تؤكد النوايا التركية السيئة رغم الحوار مع القائد أوجلان، وتؤكد مساعي أردوغان للتنكيل بالكرد رغم ضغوط المجتمع الدولي الداعمة لحق الشعب الكردي في الحرية السياسية والثقافية والاجتماعية، وإن كان أردوغان رضخ لمطلب أحد قادة الدول العظمى بعدم شن حرب شاملة على شمال وشرق سوريا إلى أن خطاباته الإعلامية الأخيرة والتحركات السياسية للحزب الحاكم تؤشر إلى وجود خطة ما سيجري تنفيذها عما قريب وهو ما يتطلب صحوة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية للتصدي لتلك الخطة الخبيثة التي سيكون لها تداعيات على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، خاصة بعد إعلان أردوغان تمسكه بتصفية «وحدات حماية الشعب الكردية»، التي تعد أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» في وقت تواجه فيه احتمالات التعرض لعقوبات أمريكية نتيجة هجماتها على شمال وشرق سوريا، ما يلقي بظلاله على استقرار المنطقة والقارة الأوروبية وصفوف حلف الناتو.