تزامناً مع الذكرى 26 لبدء المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر الكردي عبد الله أوجلان أدلى ماسيمو داليما الذي كان رئيس وزراء إيطاليا في عام 1999 بتصريحات مثيرة للجدل، حين كشف أن الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون اتصل به وطلب منه تسليم أوجلان إلى تركيا، مؤكداً أنه بدوره رفض طلب واشنطن، معتبراً أن هذا الموقف لم يكن سهلاً بالنسبة له، على حد قوله.
وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام يتم إحياء ذكرى المؤامرة الدولية التي حيكت ضد المفكر عبد الله أوجلان عندما خرج من سوريا بعد ضغوط عليها عام 1998، وصولا إلى اعتقاله وتسليمه إلى تركيا العام التالي بعد انتقاله إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان حتى لجوئه إلى السفارة اليونانية في دولة كينيا ليتم استدراجه ويعتقل في مؤامرة تشاركت فيها بصفة رئيسية واشنطن وتل أبيب وأنقرة.
هذا كان موقف إيطاليا
السفير شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق لم يرى، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا الموقف يجب أن يكون موضع إشادة، لأنه يجب بداية الأخذ في الاعتبار أن عدم موافقة الإيطاليين على تسليم عبد الله أوجلان لتركيا كما طلبت منهم الولايات المتحدة أتى من منطلق تجنب الإحراج كونهم يدافعون عن حقوق الإنسان ومواقف شعوب المنطقة من التحرر وغيرها من الشعارات التي يرفعونها.
وأضاف أن روما كما نعلم هي عضو في حلف الناتو وهي مرتبطة باتفاقيات استراتيجية مع واشنطن ولا تستطيع الخروج عن الخطوط التي يضعها الأمريكيون، وأوجلان وقتها كان يعمل ضد المصالح الأمريكية في المنطقة ومع المقاومة الفلسطينية وأفكاره التي نادى بها بشأن مستقبل المنطقة والخروج من سيطرة المستعمر، كل هذه الأمور جعلت الجانب الإيطالي في حالة رضوخ ومساهم في المؤامرة لأنه أخرجه حتى لو لم يسلمه بشكل مباشر وصولاً إلى اعتقاله في كينيا.
وتحدث السفير شريف شاهين عن مصالح أمريكا من وراء طلبها تسليم إيطاليا أوجلان إلى تركيا، إذ قال إن هذا الإصرار الأمريكي جاء تعبيراً عن مصالح واشنطن التي كانت رؤيتها أن القبض على أوجلان من شأنه تحقيق الاستقرار الداخلي في تركيا العضو المهم بحلف الناتو، والدولة التي تقدم خدمات كبيرة للأمريكيين في الجانب الاستخباراتي وكذلك العسكري وتساعد الجانب الأمريكي في تحقيق كثير من مصالحه في الشرق الأوسط التي تعتبر منطقة جغرافية.
وقال ماسيمو داليما إن نظام الإبادة والتعذيب في إمرالي يتعارض مع حقوق الإنسان وغير مقبول، كما أنها غير مقبول أيضاً من الناحية السياسية، داعياً إلى إطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان فوراً، وقال إنه "يجب على أردوغان إطلاق سراح أوجلان فوراً من أجل إيجاد حل يحترم حقوق الشعب الكردي، مشدداً على أن القضية الكردية لن تحل إلا بإعطاء الكرد حقوقهم".
المصالح تحكم
بدوره، يقول الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية إن هذه التصريحات تكشف في المقام الأول أن الولايات المتحدة بمنتهى البساطة معنية برضا تركيا ومصالحها وليس حقوق الكرد أو حقوق الإنسان، وذلك لأن أنقرة تعد القوة الأهم بالنسبة لواشنطن في حلف شمال الأطلسي "الناتو" خاصة وأن لديها قاعدة إنجرليك بما تقدم من خدمات عسكرية بل ويستغلها الجانب التركي للمناورة من وقت لآخر.
وأضاف، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه لهذا السبب تريد الولايات المتحدة رضا تركيا ولا يعنيها هنا تسليم عبد الله أوجلان "مانديلا الكرد" إلى أنقرة، معرباً عن اتفاقه مع تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق بشأن الدور الذي يمكن أن يقوم به هذا المفكر الكردي على صعيد تحقيق السلام حال تم إطلاق سراحه، فهو الملهم للكرد والشخصية الأيقونية بالنسبة لهم وهو "مانديلا الكرد" بلا شك، وأنقرة بحبسه عززت شخصيته ليكون ملهماً للكرد خلال كل هذه الفترة.
وشدد مختار على أن خروج أوجلان من سجنه يمكن أن يساعد النظام التركي في التوصل إلى حل لقضية الكرد بما يتوافق مع رؤى المحيط الإقليمي الذي إلى حد كبير متوجس من هذا الملف، كما اعتبر أن أنقرة ستكون هي المستفيد أكثر إذا أفرجت عن أوجلان.
ورغم إسهاماته الفكرية ومنهاجيته المتفردة القادرة على تضميد جراح المنطقة وحقن دمائها وإخراجها من مأزقها، يقبع المفكر الأممي عبد الله أوجلان في سجن إمرالي بتركيا منذ نحو 25 عاماً منذ اعتقاله بمؤامرة دولية وتسليمه إلى أنقرة في 15 فبراير/شباط من عام 1999، وعدم إطلاق سراحه رغم انتهاء محكوميته تقريباً، وهو الرجل الذي تجاوز 76 عاماً.
ولم يكتف نظام الديكتاتورية التركي بمؤامرة اعتقال أوجلان، إذ أنه وضعه في ظروف سجن تغيب عنها أدنى درجات المعاملة الإنسانية، بشهادة عديد من المنظمات والجهات المعنية بحقوق الإنسان، إذ يفرض النظام التركي عليه حالة من العزلة التامة، ومنعه من لقاء ذويه ومحاميه، وسط انقطاع تام للمعلومات حول حالته الصحية منذ 43 شهراً.