تسليح قبرص يعيد أمريكا وتركيا لدائرة الخلاف.. ماذا في الكواليس؟

رغم التقارب الكبير بينهما في كثير من الملفات بالشرق الأوسط، طفا على السطح خلال الأيام الماضية خلاف بين الولايات المتحدة وتركيا على خلفية تمديد واشنطن قرار رفع حظر التسليح على قبرص غريمة أنقرة.

وقد جاء القرار الأمريكي بتمديد رفع حظر التسليح إلى عام 2025 في إطار تعزيز العلاقات العسكرية بين واشنطن ونيقوسيا، إلا أن الرفض من قبل أنقرة كان واضحاً وهو موقف يعود إلى توترات تاريخية وجيوسياسية جعلت الجانب التركي يعتبره تهديداً لأمنه القومي ولمصالحه في شرق البحر الأبيض المتوسط.

وتعود جذور الصراع إلى الستينيات من القرن الماضي عندما اندلعت توترات بين القبارصة اليونانيين والأتراك، ما أدى إلى تدخل أنقرة عسكرياً في شمال قبرص عام 1974 بعد انقلاب مدعوم من اليونان، ومنذ ذلك الحين، ظلت الجزيرة مقسمة بين الشمال الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك (بدعم من النظام التركي) والجنوب الذي يسيطر عليه القبارصة اليونانيون، فيما ترفض أنقرة الاعتراف بجمهورية قبرص الموحدة التي تعترف بها معظم دول العالم، بما في ذلك واشنطن.

وفرضت الولايات المتحدة سنة 1987 حظراً على تصدير الأسلحة إلى قبرص في محاولة لمنع تصعيد التوترات العسكرية في هذه المنطقة، ولكن تغير الموقف الأمريكي بشأن هذا القرار في سبتمبر/أيلول 2020 عندما رفعت واشنطن هذا الحظر جزئياً، مما أغضب تركيا التي رأت في ذلك انحيازاً أمريكياً لصالح القبارصة اليونانيين ضد القبارصة الأتراك، وها هو الخلاف يتجدد مرة أخرى بسبب استمرار التمديد، على نحو تم التعبير عنه في بيان قبل أيام للخارجية التركية.

وتبرر واشنطن في المقابل خطوتها بأنها جزء من تعاونها مع الدول الأوروبية وحلفاء الناتو لتعزيز الاستقرار في شرق المتوسط، خاصة في ظل النزاعات على الطاقة والتنقيب عن الغاز في المنطقة، لكن يبقى هذا الأمر موضع قلق كبير لدى الأتراك الذين يخشون من أن تسليح الجارة القبرصية يشكل خطراً مع وجود نزاعات قائمة على حقوق التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط.

هل الأمر مختلف هذه المرة؟

لكن هناك رأي آخر يرى أن الأمر يرتبط بما يجري من صراعات وتوترات متصاعدة في الشرق الأوسط بل وكذلك في أوكرانيا، على نحو يؤكده الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية، خصوصا وأن قبرص لا تبعد عن الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط إلا مسافة قليلة، فالمسافة أمام الطائرة منها إلى فلسطين أو سوريا أو لبنان أو الأردن لا تزيد على ساعة إلا ربع، داعياً هنا إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار تواجد القوات الأمريكية على الأراضي القبرصية.

وأوضح، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن تمركز القوات الأمريكية في قبرص يأتي في إطار إعادة تموضعها بالشرق الأوسط الخطة التي انتهجتها إدارة الرئيس جو بايدن، مضيفاً أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن جزيرة قبرص تقع بالقرب من مضيقي الدردنيل والبوسفور المؤديين إلى البحر الأسود حيث تندلع الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي وجود قوات أمريكية في قبرص يعطي لواشنطن أهمية استراتيجية كبيرة، وكذلك لحلف الناتو ككل.

ويلفت الدكتور أيمن سمير كذلك إلى أن قبرص لديها أهمية في أنها نقطة قريبة من إسرائيل، وبالتالي تسهل على الجانب الأمريكي نقل رعاياه أو حملة الجنسية الأمريكية وعددهم نحو 600 ألف بسهولة من الأراضي الإسرائيلية، كما أن هناك 100 ألف لبناني يحملون الجنسية الأمريكية، وبالتالي نتحدث عن 700 ألف مواطن أمريكي يمكن إجلائهم في وقت وجيز عبر الجزيرة القبرصية.

المراوغات التركية

لكن مما لا شك فيه انه إلى جانب هذه الأسباب، فإن بعض المراوغات الدبلوماسية والسياسية التي تقوم بها أنقرة مع واشنطن تدفع الثانية إلى مغازلة قبرص بقرار تمديد رفع حظر التسليح، لا سيما مع إقدام الجانب التركي على شراء منظومة إس 400 الروسية، وكذلك انضمام أنقرة إلى مجموعة بريكس التي بالأساس تهدف إلى تقويض الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، أي وكأن الدبلوماسية التركية الحالية تعمل في بعض جوانبها ضد المصالح الأمريكية.

ويتفق الدكتور أيمن سمير مع هذا الطرح، وبشير إلى أن تركيا أصبحت هي الدولة الوحيدة في حلف الناتو التي تنضم إلى مجموعة بريكس، وبالتالي فإن القرار الأمريكي بشأن قبرص هنا رسالة إلى أنقرة بأن لديها البدائل، مدللاً على ذلك أيضاً بتوسيع القواعد العسكرية في اليونان التي ستصل إلى نحو 20 قاعدة، ومن المعروف كذلك الخلافات التي تجمع بين أثينا وأنقرة.

وتأخذ العلاقات أبعاداً معقدة بدرجة كبيرة بين تركيا وأمريكا، لا سيما أن الأخيرة لا ترى في الأولى حليفاً موثوقاً على الدوام، ودائماً ما يتبع سياسة الابتزاز والمقايضات، وقد ظهر جلياً في مسألة الحصول على موافقة النظام التركي على عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، وبدليل أن الجانب الأمريكي لا يزال يماطل في منح أنقرة طائرات إف 35، ما يعني أن قرار تمديد رفع حظر التسليح على قبرص ربما يتواصل تمديده كثيراً إن لم يتم رفعه تماماً.

هل يحدث الرفع النهائي؟

يقول حازم الغبرا المستشار السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تجديد رفع الحظر عن تصدير الأسلحة الأمريكية إلى قبرص بشكل سنوي يأتي بناء على اتفاقية بين البلدين للتعاون في مجال مكافحة تبييض الأموال وتنسيق العمل المشترك في أمور أمنية أخرى لها علاقة بالمنطقة، وبالتالي من الواضح أن نيقوسيا لا تزال تنجح في العمل مع الولايات المتحدة ضمن هذا الاتفاق.

وأضاف أنه بالفعل هناك عمل في واشنطن لرفع الحظر بشكل نهائي عن قبرص، وهو أمر معقد حسب وصفه، مشيراً إلى أن هناك خلاف بينها وبين تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبالتالي الأمر ليس مجرد جرة قلم، ولكن هناك عمل دؤوب على رفع هذا الحظر بشكل كامل وليس مجرد قرار يتم تمديده كما حدث حيث تم التمديد إلى سبتمبر/أيلول من عام 2025.

وعلى مدار السنوات الماضية اكتسبت الإدارة التركية الحالية عداءً كبيراً من الأوساط السياسية داخل الولايات المتحدة القريبة من دوائر صنع القرار، وقد تجسد ذلك في كثير من المناقشات داخل الكونجرس الأمريكي لمعاقبة أنقرة، واتهامها بالعمل ضد المصالح الأمريكية من ذلك جهود مكافحة الإرهاب لا سيما مع النشاط التركي المشبوه داخل الأراضي السورية.