جاءت تصريحات الرئيس المشترك للهيئة القياديّة في منظومة المجتمع الكردستاني KCK، جميل بايك في حوار مع وكالة "Medyanews" تحدّث فيها عن آخر المستجدّات على الساحة السياسيّة والتطوّرات الميدانيّة في عموم المنطقة والزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار إلى العراق وإقليم جنوب كردستان.
ووصف بايك الزيارة التي أجراها أكار مع وفد من الاستخبارات التركيّة بأنّها كانت ذات "طبيعة عسكريّة بحتة" مضيفاً "الهدف منها القضاء على حزب العمّال الكردستاني PKK.. حيث ناقش الوفد التركي موضوع التحرّك والعمل المشترك مع القيادة العراقيّة وقيادة إقليم كردستان ضدّ حركة حرّية كردستان، وهذا ما اتّضح من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون أتراك بعد الزيارة".
وأضاف: "عندما تأسّست جمهورية تركيا قبل مئة عام، لم تكن مبنيّة وفقًا للثقافة والتقاليد التاريخية للأناضول. كانت هناك العديد من الثقافات والمعتقدات واللغات والأعراق في الأناضول. يجب أن يكون النظام الذي تمّ بناؤه في الأناضول مبنيًا على هذا. لكن مع الأسف تمّ تأسيس الجمهورية التركية على أساس الدولة القومية على الهوية "التركية والسنية". على هذا الأساس تم إبادة الأرمن والآشوريين والسريان. وهكذا تمّ طرد المسيحيين من الأناضول. كما تمّ إدراج المسلمين الشركس والعرب واللاز في الهوية التركية. أوصل الأمر إلى النقطة التي لا يستطيع فيها هؤلاء الأشخاص طلب أي شيء لأنفسهم. كما تم طرد الكرد الإيزيديين من كردستان بطرق مختلفة وتم دمج البقية في الإسلام السني. وبهذه الطريقة، تم ذبح ونفي الجميع باستثناء الكرد والعلويين، وهؤلاء ظلّوا رافضين أن ينصهروا في توليفة الدولة القائمة على القوميّة التركيّة وبصيغة الإسلام السنّي، لذا تعرّضوا هم أيضاً لمحاولات الصهر في بوتقة الدولة وأيضاً لجرائم إبادة من قبل الحكومات التركيّة المتعاقبة.. واستمرّت مقاومة الكرد والعلويين ضد محاولات الإبادة الجماعية هذه دائمًا. في الوقت نفسه، حارب الكرد من أجل البقاء بعد أن تمّ تقسيمهم انقسموا بين دول قومية هي العراق وسوريا وإيران وتركيا. في جنوب كردستان، داخل حدود العراق، تمكّن الكرد، بعد نضال طويل ومرير وتوافر بعض الظروف، من تأسيس إدارة شبه مستقلّة بهم، وكذلك في غرب كردستان، داخل سوريا، استطاع الكرد مع بداية ثورات الربيع العربي قيادة ثورتهم وتأسيس إدارة ذاتية في مناطقهم بالتشارك مع مكوّنات المنطقة، وهذه الإدارة اكتسبت اعترافاً غير رسمي من العالم. في شرق كردستان، داخل حدود إيران، يناضل الكرد من أجل حقوقهم المشروعة وهم مستمرّون في هذا النضال. وكذلك الأمر في شمال كردستان، حيث يخوض الكرد، منذ 50 عاماً، كفاحاً مريراً بقيادة حزب العمّال الكردستاني في معركة الوجود ومجابهة حرب الإبادة التي تشنّها الدولة التركيّة".
وأوضح بايك أنّ الدولة التركيّة القائمة على القوميّة التركيّة والإسلام السنّي "اتّخذت من القضاء على الهويّة القوميّة للكرد أساساً لحربها" وتابع "الهدف من هذه الحرب هو القضاء على المنجزات التي حقّقها الكرد في الآونة الأخيرة، وهي تخشى أن يحرز الكرد تقدّماً أكثر في نضالهم لنيل حرّيتهم. وفي حربها على حزب العمّال الكردستاني، اضطرّت الدولة التركيّة للاعتراف بجنوب كردستان لتكسب تعاون الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهذا ما وصفه أردوغان ب’الخطأ الذي يجب عدم تكراره’. ووفقاً لتصريحات أردوغان نفسه، فإنّ التطوّرات في أجزاء كردستان الأخرى يمكن أن يحرزها شمال كردستان أيضاً، لذا فإنّ الموضوع يشكّل تهديداً وخطراًعلى الدولة التركيّة من وجهة نظره.
فحتّى انتهاء الحرب العالميّة الأولى، باستثناء شرق كردستان التي هي محتلّة من قبل الدولة الإيرانيّة، بقيت أجزاء كردستان الثلاثة تحت سلطة العثمانيّين. وأردوغان يرى بأنّ هذه الأجزاء هي ضمن حدود الدولة التركيّة وفقاً للميثاق المللي، وهذا سبب محاولاته المتكرّرة لاحتلال جنوب وغرب كردستان".
وتطرّق بايك إلى "التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القوميّة AKP-MHP والتحالف الأوراسي" الذي "يحكم تركيا"، وأضاف "الهدف الذي يجمع هذا التحالف هو إبادة الشعب الكردي. وهذا ما سعوا إليه عبر الحروب التي شنّتها الدولة وما تزال تشنّها على الكرد. لكنّ محاولاتهم ومساعيهم لم تنجح، لأنّها ارتطمت بصخرة حركة الحرّية ومقاومة مقاتلي الكريلا. ويوماً بعد يوم يزداد وضع هذا التحالف صعوبة داخل تركيا، لأنّ مخطّطاتهم انكشفت للجميع، وبدت الخلافات تظهر بين أطراف هذا التحالف".
وبيّن أنّ هذا التحالف الفاشي يمرّ بأزمة نتيجة الظروف الدوليّة "فالعالم الغربي الذي تقوده الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتّحاد الأوروبي لا يرون في تركيا أنّه بلدة ليبرالي ولا ديمقراطي. بات الغرب مدرك بأنّ الدولة التركيّة بقيادة العدالة والتنمية والحركة القوميّة باتت تشكّل خطراً من خلال دعمها للحركات الجهاديّة الراديكاليّة، والتي بدورها تشكّل التهديد الأكبر على دول الغرب. وكذلك إصرار أردوغان على صفقة صواريخ ’إس 400’ الروسيّة ومطامع تركيا في شرق البحر المتوسّط شكّلت مخاوف لدى الغرب، وهذا ما قد يقطع علاقات تركيا مع الغرب بشكل نهائي".
وأشار الرئيس المشترك للهيئة القياديّة في منظومة المجتمع الكردستاني إلى أنّ أردوغان استفاد من "العلاقة الشخصيّة" بينه وبين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في تمرير بعض من مخطّطاته "بيد أنّه مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض، باتت فرص أردوغان في إكمال تلك المخطّطات ضئيلة إن لم تكن معدومة. لذا سارعت تركيا إلى التحرّك على عجل، وزيارة أكار الأخيرة إلى العراق وإقليم كردستان، جاءت في إطار الإسراع باحتلال منطقة شنكال ومخمور والسيطرة على جنوب كردستان، من خلال تصفية حزب العمّال الكردستاني وفقاً لما تمّ التخطيط له خلال الزيارة".
ووجّه بايك انتقادات للاتحاد الأوروبي قائلاً: "ينبغي على الاتحاد أن يتحمّل مسؤولياته حيال انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدولة التركيّة. نحن ننتقد صمت المجلس الأوروبي والمحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان وكذلك لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة حيال ما يتعرّض له الشعب الكردي من جرائم إبادة. لطالما توجّه هذه المؤسّسات الأوروبيّة انتقادات لاذعة لتركيا في قضايا حقوق الإنسان، إلّا عندما يتعلّق الوضع بالشعب الكردي، وقتها تلتزم الصمت. واللقاء الأخير الذي جمع وزيري خارجيّة كلّ من ألمانيا وتركيا أثار القلق لدى الكرد والقوى الديمقراطيّة في تركيا".
وختم بايك حديثه بالتأكيد أنّ "الذهنية الفاشية التي ترتكب جرائم إبادة لا يمكن إصلاحها ولايمكنها أن تضع دستوراً إصلاحيّاً.. الحكومة التي تسعى للقضاء على معارضيها، بذريعة أنّهم ’إرهابيّون’ وتعمل على تقسيم المجتمع، لن تجلب لتركيا سوى العنف والقمع. هذه الذهنية تشكّل خطراً على تركيا وشعوب المنطقة. بات لزاماً على القوى الدولية التي تعمل على تحقيق السلام والاستقرار أن تدعم نضال الشعب الكردي والقوى الديمقراطيّة في مطالبها المشروعة والقضاء على هذا النظام الفاشي المستبد".