باحثة مصرية: قد نرى أول مواجهة حقيقية بين الصين وأمريكا في المنطقة

التنافس الأمريكي – الصيني في المنطقة لم يعد خافٍ على أحد حيث أسباب وتداعيات هذا التنافس والذي ربما يتحول إلى صراع في المستقبل ليس بعيداً في ظِل المستجدات التي تطرأ في المنطقة والصراع ما بين أقطاب النفوذ الاقليمي والدولي.

حيث كتبت الباحثة المصرية ناديا حلمي – دكتورة العلوم السياسية في جامعة بني سويف - في مقال بحثي لها كافة نتائج المواجهة وتصاعد الأحداث الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. وحرصت الصين على تذكير واشنطن والعالم خلال الفترة الأخيرة بأهم الكلمات التي دعمت بها بكين علاقتها بالمملكة العربية السعودية في عدة لقاءات رسمية، حيث يأتي أول لقاء جمع بين الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بالملك سلمان وتأكيده له نصاً "حرص بكين لإقامة علاقات أوثق مع الرياض". فمن هنا، تجد الصين نفسها مسئولة وشريكة في الوقت ذاته لدعم جهود علاقتها وشراكتها مع حكومة المملكة على الدوام، ووقوفها مع حكومة الرياض ضد أي محاولات خارجية تستهدف التأثير في الشأن الداخلي السعودي وعرقلة إنجازات وتطور المملكة الشقيقة.

وتقول الباحثة بأنّ ثمة تركيز إعلامي صيني على كلمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه بالرئيس الصيني (شي جين بينغ) في الصين، بأن "الصين لها الحق في مكافحة الإرهاب واستئصال التطرف من أجل أمنها القومي". 

وتؤكد الباحثة خلمي على أنه هناك جهوداً من قبل وزارة الإعلام في السعودية والإعلام الصيني الرسمي لإبراز علاقات البلدين وتوطيدها، فضلاً عن دور وسائل الإعلام في الجانبين لنشر المعلومات الصحيحة بين بكين والرياض، ومن هنا فقد أصبحت وسائل الإعلام بين البلدين منبراً لإظهار هذا التعاون والتنسيق والتشاور فيما يخدم قضايا الأمتين السعودية والصينية وإبراز الثقافة والترابط بين البلدين. وحرصاً من حكومة بكين على دعم وتأييد جهود المملكة السعودية في مواجهة (التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السعودي وقضية الناشطة "لجين هذلول").

ويمكن هنا الإشارة إلى النقاط التي سيتناولها البحث في:

1 - يعكس (الخطاب الصيني الرسمي) أهمية علاقات كبار القادة الصينيين مع الملك سلمان وولى العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن الواضح أن (الجيل الجديد من القادة الصينيين) يقدر العلاقات بين بكين والرياض تقديراً عالياً، فقد كانت توجيهات الرئيس (شي) واضحة لقيادات الحزب الشيوعي الصيني، بأهمية التوجه إلى المملكة لموازنة علاقات بكين بواشنطن، مع حرص جيل القادة الجدد من "الحزب الشيوعي الصيني" على الإشارة دوماً لاحترامهم لعمق العلاقات مع (العائلة الحاكمة السعودية)، واحترام قراراتها.

2 - وجهة النظر الصينية إزاء التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السعودي بشأن قضية الناشطة (لجين الهذلول)، وكيف يمكن للصين أن تشغل الفراغ الذى تشغله واشنطن في المنطقة؟

وتشير الباحثة حلمي إلى أنه، جاءت (وجهة النظر الصينية إزاء التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السعودي)، خلال فترة الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس "جو بايدن"، بأن ذلك ربما يمثل بداية للتراجع في العلاقات السعودية - الأمريكية، متسائلين: هل يمكن للصين أن تشغل الفراغ الذى تشغله الأخيرة أي أمريكا، بحيث يمكن للصين أن تملؤه؟ بل وأخطر سؤال طرحه الجانب الصيني هو: هل يمكن أن يسبب التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السعودي ويخلق حرب استراتيجية بين الدول العظمى للفوز بدعم أمن المملكة؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي طرح طبيعة التقارب السعودي – الصيني، وتحليل أبعاده البعيدة على المستويين السياسي الاستراتيجي والأمني، وتحليل مدى انعكاساته على العلاقات السعودية – الأمريكية. 

أ - الولايات المتحدة الأمريكية قد أظهرت استجابة ضعيفة لإحتياجات السعودية الأمنية والعسكرية خاصةً في ظل هذا الكم الكبير من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها حكومة المملكة، وهو الأمر الذى سيفتح الباب أمام كلاً من (الصين وروسيا) معاً لنشر ثقلهما في المنطقة وتنسيق مواقفهما ضد واشنطن.

ب - ومن هنا، أدركت قيادات بكين فور (متابعتها قضية الناشطة لجين هذلول ومساندة واشنطن لها في مواجهة السعودية)، بأن ذلك هو (أول مفتاح وخيط حقيقي لوصول بكين وروسيا معاً لقلب منطقة الشرق الأوسط)، لذا، فإن تلك القضية الخاصة بـــ (لجين هذلول) كانت هي (نقطة إنطلاق الصين وروسيا) لجعل الولايات المتحدة الأمريكية لاعباً غير مؤثر أو خارج لعبة الشرق الأوسط، بالنظر لتضارب وسوء علاقاتها الآن بعد تدخلها في الشأن الداخلي السعودي ورفض حكومة وشعب المملكة لذلك.

ت - وبالرجوع للتقارير الصينية، لاحظت الباحثة المصرية أنه في الآونة الأخيرة زاد تركيز (وزارة التجارة الصينية وبنك الشعب المركزي الصيني) على مدى استعداد المؤسسات السعودية لدراسة تمويل نفسها جزئياً باليوان (العملة الصينية بدلاً من الدولار الأمريكي)، حيث تؤكد المؤسسات الصينية المعنية أنها مستعدة لتقديم مثل ذلك التمويل إلى الجانب السعودي، وهو ما يعد – من وجهة نظر حكومة بكين - تعويضاً عن دور واشنطن الذى قد يتلاشى مستقبلاً في الشرق الأوسط لصالح الصين.

ث - كما ارتأت المؤسسات الصينية في الوقت ذاته بأن (رؤية المملكة وولى العهد الأمير محمد بن سلمان 2030) تتشابك مع (رؤية مبادرة الحزام والطريق الصينية)، فالصين باستطاعتها وفق مبادرتها للحزام والطريق توجيه تطلعات المملكة نحو مرحلة جديدة من التنمية - لإرساء مجتمع نابض بالحياة - يمكن فيه تحقيق النجاح في اقتصاد مزدهر مع إصلاحات كبيرة في عدد من الجوانب.

ج - كما درست الصين تماماً موضوع كيفية تعويض السعودية من أجل (الترويج للسياحة السعودية بين الصينيين سنوياً كنوع من التأثير السياسي الصيني في مستقبل السياحة الصينية في السعودية ومنطقة الشرق الأوسط، مع وجود إدارة خاصة للسياحة في وزارة الخارجية الصينية، لأهمية العنصر السياحي في التأثير على السياسة الخارجية الصينية في مختلف دول العالم بما فيها واشنطن نفسها التي انخفضت بها معدل السياحة الصينية إلى أدنى معدلاتها في السنوات الأخيرة)، فضلاً عن حرص وزارة الخارجية على إطلاع (الجانب الدبلوماسي الصيني) على السرعة في (التغيرات الاجتماعية والثقافية المتطورة المعاصرة). 

3 - عرض أبرز دراسات وتحليلات مراكز الفكر الصينية وخبراء الشرق الأوسط الصينيين حول أهم إنجازات المملكة في عهد الملك سلمان وولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورغبة الصين في التعاون معهم.

يعتبر المحللون الصينيون أن الشرق الأوسط وفى مقدمته (الدور السعودي) هو مفترق طرق عالمي رئيسي بالنسبة للصين، وتفيد مراكز الأبحاث في بكين أن للسعودية أهمية جغرافية استراتيجية كبرى، لذا تضيف مراكز الأبحاث في بكين إلى صفوف باحثيها المزيد من محللي الشرق الأوسط.