فلسفة أوجلان حاضرة.. ندوة في القاهرة لمناقشة كتاب "مدخل إلى الجنولوجيا"

عقدت دار نفرتيتي للنشر ندوة لمناقشة كتاب مدخل إلى الجنولوجيا، الذي أعدته أكاديمية جنولوجيا/ شمال وشرق سوريا، وكالعادة كانت فلسفة المفكر عبدالله أوجلان حاضرة.

صدر كتاب مدخل إلى الجنولوجيا قبل سنوات، ويوضح الغاية من طرح علم المرأة (الجنولوجيا) لبلوغ سر الحياة، عبر بناء صحيح للحياة التشاركية الحرة، وتنوير المرأة، وإحداث ثورة في العلوم الاجتماعية، وتطوير أسلوب بحث يتوافق وحقيقة المرأة، ومناهضة الجنسوية التي هي أيديولوجية سلطوية، كما يتحدث عن نشاطات الجنولوجيا في مختلف ميادين المجتمع.

وقد تطرقت الندوة التي نظمتها دار نفرتيتي للنشر بالعاصمة المصرية القاهرة إلى مختلف جوانب الكتاب، حيث قدمتها وأدارتها أسماء الشواربي الكاتبة الصحفية ورئيسة اتحاد المرأة بالحزب الليبرالي المصري، وعلي يسارها جلست الكاتبة الصحفية أسماء الحسيني مدير تحرير جريدة الأهرام، وعلى يمنيها الكاتبة الصحفية بوكالة أنباء المرأة أسماء فتحي ومؤسس مبادرة مؤنث سالم.

علم الجنولوجي

في بداية حديثها، قالت الكاتبة الصحفية أسماء فتحي إن الجنولوجيا فكرة حديثة علينا، وعندما كان يتم طرحه كان الكثيرون لا يعرفونه، موضحة أن المصطلح يتكون من كلمتين هي "جن" الكردية التي تعني المرأة، و"أولوجي" التي تعني علم، ومن ثم فإن الجنولوجي هو علم المرأة، أو العلم الذي يناقش قضايا المرأة، ورؤية المرأة لكثير من القضايا والأفكار.

أما عن الكتاب، فإنه يجيب في المجمل حول لماذا نحن بحاجة إلى "علم المرأة"، في ظل الواقع القاسي والصعب، والتراجع في وضع المرأة بعد أن كانت تقود أصبحت تستعبد تحت أقدام الأفكار الذكورية، موضحة أن الجزء الأول منه يشتمل على 11 محور، تركز في أغلبها حول لماذا نحن بحاجة إلى علم المرأة، كعلم أكاديمي.

وهنا توضح أسماء فتحي أن الإشكالية أن كثيراً من قضايا المرأة ومشكلاتها لا تجيب عليها العلوم الأخرى، كونها لا تقف على الأسباب التي أدت إلى وضع المرأة تحت الهيمنة الذكورية، بعد أن كانت النساء قادرات على القيادة، مشيرة إلى أن ما لفت انتباهها في الكتاب التركيز على فكرة الهيمنة لدى الدولة، والتي بدورها خلقت هيمنة على مستوى العائلة وهيمنة الذكر على المرأة.

ونوهت إلى أنه نتيجة هذه الرؤية بدأ يتم تجاهل دور المرأة، وبدأ البعض ينظر إليها باعتبارها مجرد وسيلة لإشباع رغبات الرجل، موضحة أن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون متساوية ومتكافئة، وهذا ما يركز عليه الكتاب في مسألة خلق التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة بعيداً عن التعامل معها على أنها علاقة صراع، وتحولت إلى علاقة سيد يأمر سيدة توصف بأنها "ناقصة"، بينما يطرح الكتاب فكرة التشاركية كأساس للعلاقة بين الاثنين.

مقولة أوجلان

تذكر أسماء فتحي أن الكتاب استند أيضاً على مقولة المفكر عبدالله أوجلان "النمر والنمرة"، أي أن تكون المرأة مثل النمرة في قفص النمر فإما أن تؤكل أو تستسلم له، أي نحن أمام نمر قوي يستحوذ على فريسته، ونحن واقعياً نشهد حالة من اختلال الموازين في العلاقة بين الرجل والمرأة.

وبالحديث عن الأديان، تقول الكاتبة الصحفية إن هناك الكثير من الأمور التي تحتاح إلى مراجعة، على نحو استعرضه الكتاب، لا سيما إخضاع المرأة تحت ما يسمى بالثوابت أو الضوابط في المسيحية والإسلام، منوهة إلى أن الكتاب كان يجب أن يتطرق كذلك إلى اليهودية، إذ أن بها جانب يحقر المرأة بشكل كبير.

رؤية المرأة لنفسها

ذكرت كذلك أن الكتاب تطرق إلى رؤية المرأة إلى نفسها، ومدى قناعتها بأنها تحتاج إلى الحرية، إذ أن كثيراً من النساء تتبنين الأفكار الذكورية، بأن تنظر إلى نفسها على أنها أقل من الذكر، وأن هي من يجب عليها التضحية، وبالتالي من الأهمية بمكان الوقوف عند حقيقة إدراك المرأة لذاتها، وأن تفكر فيما كان عليه وضعها في السابق، وبالتالي هناك حاجة إلى تنوير المرأة حول ذاتها وحقوقها.

وتقول أسماء فتحي إن الكتاب ناقش فكرة النسوية، وهنا يرى أننا لا يجب أن نواجه التعصب الذكوري بالتعصب النسوي، لأن التعصب تعصب، خاصة أن النسوية لم تقدم حلولاً لكثير من المشكلات التي تعاني منها السيدات.

أهمية كبيرة للجنولوجيا 

انتقلت الكلمة إلى الكاتبة الصحفية أسماء الحسيني والتي قالت إن كتاب مدخل إلى الجنولوجيا يثير الكثير من القضايا المهمة الخاصة بالمرأة، وكذلك يثير كثيراً من المشاعر كونه يتحدث عن المرأة في الماضي والحاضر والمستقبل، ويحاول إحياء معان كبيرة داخل المرأة، في منطقة تحولت المرأة فيها إلى ضحية للحروب والنزاعات والمظالم.

ولفتت إلى أن الكتاب يطرح رؤي حول كيفية خروج المرأة من تلك الأوضاع التي فرضت عليها، ويؤكد أن تطوير المرأة هو تطوير للمجتمع، وأن المرأة كانت في كثير من الأحيان في وضع متقدم للغاية، وأن واقعها الحالي ليس ما كانت عليه، ويركز على إتاحة المجال أمام المرأة لتقديم رؤاها، فالمرأة إذا أتيح لها التواجد بشكل عادل سيكون وضع المجتمع أفضل.

وتقول الكاتبة الصحفية المصرية إن الكتاب أو علم الجنولوجيا لا ينتصف للمرأة فقط في مواجهة الراجل، بل ينتصف لها في مواجهة نفسها، حيث اعتبر الكتاب أن الأصعب أن تدرك المرأة ذاتها وحقيقة دورها، مشيراً إلى أنها تواجه إشكاليات الفقر والذكورية وغيرها من أشكال التوحش، التي لا يتوقف تأثيرها على حريتها، بل يهدد وجودها.

وتقول إن الكتاب يقدم بحثاً أثرياً يضم تسع طبقات في تسعة آلاف سنة مرت بها المرأة، ويقول إننا عندما ندرك وجود المرأة وتطورها فإن هذا سيحسن فهم المرأة لوجودها والحياة، ويفتح أمامها الكثير من المسارات لمعرفة ذاتها وتحسين وضعها في المستقبل، حيث يذكر الكتاب بعض التشبيهات الصعبة التي وصفت بها المرأة، مثل "الشيطان" الذي يغوي الرجل، أو الكائن الضعيف، أو الضلع الأعوج وغيرها.

وتذكر أن الكتاب استعرض وضع المرأة عبر تلك الطبقات، فقد كانت في فترات ما حاضرة في شكل الآلهة مثل "عشتار" و"إيزيس"، وصولاً إلى مكافحة المرأة لسلطة الرجل، ثم الانهيار، ثم القبول بالعبودية، ثم التشويه حول هوية المرأة وجعلها أمر يخجل منه، ومعها يتم خلق العقل المتسلط للرجل، ثم الهبوط بها إلى مرحلة أكثر دونية من الرجل والنظر إليها كناقصة دين وعقل، وأنها أصبحت المسؤولة عن كثير من الكوارث التي تحل بنا.

وتذكر أن الأديان لعبت دوراً مهماً في تشكيل وضع المرأة وهويتها، ثم تتوقف عند آخر 300 سنة، أي في الفترة الرأسمالية التي يرى الكتاب أنها العدو الأكبر للمرأة، إذ يتم النظر إليها باعتبارها "ربة المتاع"، حيث واجهت المرأة الانكسار وانهيار شخصيتها، وعانت مرحلة الضياع، ففخ الحداثة أصبح المرحلة التي واجهت فيها المرأة أشد مراحل العبودية، كما يرى المفكر والمناضل عبدالله أوجلان.

المرأة والحروب والصراعات

تلفت أسماء الحسيني إلى أن الكتاب يقول إننا في عالم يحترق بالجيوش ذات الطبيعة الذكورية، ويؤكد الحاجة إلى التشاركية التي يعمل فيها الرجل والمرأة بشكل أفضل، خاصة أن قرارات الحروب يأخذها الرجال، ولو دخلت المرأة في عملية القرار لتجنبنا الكثير من هذه المآلات.

كما أشار إلى أن المرأة قادرة على تقديم بديلاً يساهم في تطوير المجتمعات، كما أن تجاوز الانقسام الحالي واكتشاف المرأة يخلق لها دوراً مهماً في مواجهة كثير من الإشكاليات، وخلق التوازن في الكون، ودون ذلك فإن وجودنا في خطر كما يؤكد المفكر عبدالله أوجلان.

استقبلت المنصة بعد ذلك مشاركات الحضور والتي تمحورت حول واقع المرأة الصعب، واختصار المرأة في "الجزأ الأسفل منها" وتجاهل دورها في التفكير، كما أكدت المشاركات أن النهوض بالمرأة نهوض بالمجتمع ككل، كما أكدت الحاجة إلى تعزيز مكانة المرأة ونظرة المرأة إلى نفسها.