فنّانٌ تشكيليٌّ عفرينيٌّ لا يعرف الاستعصاء: "الاحتلالُ التّركيُّ يَنهزِمُ ولا يهزم مواهبنا"

أعربَ الفنّانُ التّشكيليُّ الواقعيُّ "أهريمان حسن" وهو من أبناءِ ناحيةِ راجو التّابعةِ لمدينةِ عفرينِ المحتلّة، عن حبِّهِ العازم والجريف للرسمِ وقدرتهِ على تحويلِ الأفكارِ الخياليّةِ المراودةِ في الذّهنِ إلى لوحاتٍ واقعيّةٍ وجوديّةٍ لاخياليّةٍ.

بالعودةِ إلى تاريخِ وباكورةِ الفنِّ التّشكيليِّ والتَّنقيبِ عن باعثِ ومنبتِ نشأتِه البدائيّة، سنلاحظ بوادره الأخيرة من المدرسة التّعبيريّة والتّكعيبيّة في بداية القرن العشرين، ألا إنّ خدمة الفنِّ التّشكيليّ لا تعتبر من قطون البشر وحدهم، بل تعكس هذه الخدمة الجانب الحيوانيّ والنّباتيّ لتغرس لُبِّ الحضارة الإنسانيّة في كلِّ عملٍ مقتنٍّ بالشّفافيّة، وبهذا الصّدد أجرت وكالة فرات للأنباء (ANF)  اِتصالًا هاتفيًّا مع الشّابِ والفنّانِ التَّشكيليّ "أهريمان حسن" وهو من أبناء ناحية راجو التَّابعة لمدينة عفرين المحتلّة، ليتحدّث لنا عن أعماله الفنيّة وكيف طمر وطمس العدوان التّركيّ بلوحاته البارعة الأريبة وأثبت في قاطن الأمر محور عمله في الفنِّ الواقعيّ الحدثيّ.

وفي البداية، تحدّث "أهريمان حسن" لوكالة فرات للأنباء (ANF) عن حياته المهنيّة والفنيّة قائلًا: "منذ الصّف الثّاني الِابتدائيّ أدركت ثمن ومكانة الرّسم في مخيّلتي، كلّ ما كان في حوزتي هو الرّسم العابر، كنت أرغب في الرّسم التّقليديّ في الِاستهلال، ولكن والدي كان يرفض هذه الفكرة ويصفها "بالغائر الأجوف" أي لا قيمة لها في الحياة المستقبليّة القائمة على أسس منهجيّة مطفَّحة".

وأضاف "حسن" أنَّه لم يرافقه الحظ ليستعد مشواره الأوّل في كليّة الفنون التّشكيليّة، ولكن هذا لم يكن حاجزًا قافتًا أمامه، ليلتحق بمعهد الفنون التّشكيليّة والتّطبيقيّة في محافظة حلب، وفي نهاية الفصل الثّاني من العام الدّراسيّ الثّاني في المعهد وبالتّزامن مع الثّورة السُّوريّة، اِضطرَّ أهريمان للنّزوح حذاء عائلته إلى مدينة عفرين المحتلّة حاليًّا من قبل الدولة التّركيّة ومرتزقتها، وأردف أنّ عودته إلى مسقط رأسه في الوهلة الأولى والمرة الأولى كان حُنوَّاً لا يقاوم من الشّوق والهوى للماضي الغليم، وحاول أن يتأقلم مع بيئةٍ جديدةٍ دون الشُّعور بالوحدة والانفراديّة في موكب مكانه، بعدها توجّه إلى المركز الثّقافي للفنّ التّشكيليّ ليضمحلّ ذكرياته في مدينة حلب تعقيباً مع أعماله في مدينة عفرين المحتلّة.

وبين عامي 2014 و2015، قرر "أهريمان" أن يتجنَّب الرّسم التّظليلي بأدوات الفحم، ويتمهّد للرّسم الزّيتيّ والمائيّ، وتوجّه على الفور نحو الطّرائق الجديدة والمستطرفة للتّعبير عن المجريات الطبيعيّة بطابعٍ فنيٍ عفرينيّ جديد، حيث قام بتخسيس لمساته الفحميّة وتبديلها بالألوان الزّيتية ليكمن قدراته الإبداعيّة في الفنِّ التَّشكيليِّ المائيّ والزّيتيّ معًا، ليعلن خطواته الجديدة في الرّسم الواقعيِّ بالألوان الزّيتية في مسقط رأسه دون نكس أو إرتداد.

وأبدى "أهريمان" إعجابه الشّديد بالخطوة والزّوال الأوّل في نهجه، قائلاً: "ربّ خطوةٍ أفضل من مئة قرار، الرّجوع لمدينتي الأمّ، لم يكن بالأمر المحتسب في وكر العزم، ويتطلّب التّكوين الفنّي إفشاء العناصر الأساسيّة في منظور الوقش والنّقش، فالرّسّامون المحترفون يحتاجون إلى وقتٍ أقصرٍ ونتيجةٍ أفضل وحركةٍ أسرع وتركيزٍ أعلى وحريّةٍ أوسعٍ في الحركة، ففي جُزم الفنون البصريّة نحتاج إلى الاتّزان العمل الفنّي لتقليس الحركة التّخدشيّة في اللوحة الهادفة، ليس هذا فقط بل الانسيابيّة الإستحداثيّة ترقّم المسار الوحيد في نجاح خطوات الفنِّ المدرسيِّ داخل اللوحة، وأُعلن عن معادلٍ (مشابه) خاطئ في مجتمع الشّرق الأوسط، أي الفنّان يأتي عن استحواذه للعلم والدّراسة وليس عن موهبة، لا لهذه القافية، دعونا نتفق أنّ الموهبة تنمو مع العلم، والعلم لا يحدث الموهبة".

الاحتلالُ التُّركيّ، ينمرعُ من لوحات "أهريمان"؟

يُدبِّجُ معاناة أهالي عفرين في حضيضِ الأمل وطحل صروف الدّهر، لا يعرف خيبة المبتغى، يحمل ريشه ويمرر يداه على ألم بلاده، يداوي جروح العهيد بألوانه الجارفة، ليقول: "لا أعرف الاستسلام لأغلمة العالم، الاحتلال التّركيّ يسيطر على مدينتي جغرافيًّا ولكن أبيت أن أستذلَّ لدولةٍ لا تعرف الشَرفَ ولا الوطنيّةَ ولا حتّى الانسانيّةَ، تركيا لا تستطيع دحر إرادتنا وقوّتنا وتعلّقنا مع ثقافتنا ولغتنا، كيف لنا أن نرضخ للعدو ونترك أبناء شعبنا في وجه التّعسفيّة والاستبداد النّفسيّ والجسديّ".

وأضاف الفنّان التّشكيليّ "أهريمان حسن" أنَّ من يضع لنفسه فراشَ العبوديّة، فهو لا يستحق أن يعيش بين النّضاليّين والمكافحين، فالقوة تبدأ عندما يبدأ الفرد بتخطيط أفكاره ووضع طور الإنسانيّة في وجهه ووجه بلاده لأجل حياةٍ أنفة وحسيبة، فالعدو يعمل على طمس هويتنا العرقيّة وثقافتنا العفرينيّة الرّثة، ألا إنّه يفشل في كلّ مرة مثل ما حاول في تاريخنا العريق، إن كنّا في دأب العودة، فنحن بالأمر الحاتم سنحصل على رفحة السّلام وتعزيز الرّجوع بصلابتنا، ووصف أهريمان، كلمة الفنّان بـ "بمرآة المجتمع".

الفنّ التّشكيليّ ما بين صيحةِ الماضي ودَعَةِ اليوم، كيف لعب الفنّ الكلاسيكيّ دورة أبّ الفنّ العالميّ؟

وعلى شفا أزمةِ الجرف الحاليّ، والمقارنة التّوضيحيّة بين الماضي والحاضر، يقول حسن: "إنّ التّقدميّة الِاستحسانيّة في المجالات قاطبةً أمر لا ريب فيه، مِثل الطبّ والإعلام والفنّ، فنحن نلازم ونواكب الأحداث لرؤية المنظور الأخير فيما يستقل عن الحاضر بوزرها، فمثلاً الطبّ البديل والعربيّ يزهد ويغض في الآونة الأخيرة، الإعلام والصحف (الجرائد)، لم نعد نشاهد حمل الجرائد على عاتق أحدٍ، فالجميع يهدفون أفكارهم في الحجرة الإلكترونيّة الجامدة أمام العقل البشريّ، الدّيباجة تكرّر نفسها، الرّسم والفنّ يتطوّران بتطوّر الخطّة البشريّة لوجود الحداثة الرّأسماليّة والتّكنيكيّة، لا نختار الأدوات من المستقبل، نحن نراقب الماضي ونستهلّ الحاضر بما في وسعنا، ولكلّ مدرسة وأسلوب تحصيليّ ناقد، فالمدارس الحديثة تنتقد مجريات المدرسة الاتباعيّة التّقليديّة".

يبذل "أهريمان حسن" قصارى جهده ليبرز نمق الواقع ويحوّله إلى موثّقات منفذيّة، عن طريق لوحاته التّلامسيّة للوجود، عمل على أكثر من ثلاثين لوحةٍ على الأقل، ومنهن اللوحات المائيّة والزيتيّة والخشبيّة وقلم الرصاص والعمل الفحميّ، لا يتوقّف حسن عن الرّسم حتّى يجفّ يراعه، فالرّسم بالنّسبة له "حياة الجنّة".