من القضية الكردية إلى الفلسطينية.. أفكار أوجلان علاج متطور لأزمات الشرق الأوسط

لا تزال أفكار ورؤى القائد عبد الله أوجلان هي الترياق المعالج للكثير من أزمات الشرق الأوسط، بداية من القضية الكردية ومروراً بالقضية الأرمينية ووصولا إلى القضية الفلسطينية.

يعتبر القائد عبد الله أوجلان هو مفكر أممي لم يحصر نفسه في القضية الكردية فقط، ولكنه قدم حلول للعديد من المشاكل العالقة في الشرق الأوسط وفق رؤية شاملة في إطار الحل الديمقراطي تتجاوز مفهوم الدولة القومية.

لا يتوفر وصف.

كشف طه علي الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن القائد أوجلان ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها منطقة متنوعة ومتجانسة، متنوعة أي أنها تضم عدد كبير من الشعوب من ذوي الأصول المتنوعة مثل العرب والكرد والآشوريين والكلدان والسريان، ولكنها متجانسة في ضوء التعايش الإيجابي الذي ضم تلك الشعوب على مر التاريخ.

وأكد علي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الجغرافيا حكمت هذه الشعوب وجعلتهم يتضامنون ويتماسكون للدفاع عن بقائهم والدفاع عن التهديدات الأمنية الوافدة عليهم من الخارج مثل ما حدث في مواجهة المغول والغزوات الأجنبية وهي عديدة، وأيضاً الكرد تضامنوا مع المصريين في جيش محمد علي فالكرد لعبوا دور في الحروب الجيش المصري في المنطقة، في فتح الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وعلى أكتافهم تأسست الدولة الأيوبية، والأرمن في مرحلة من مراحل التاريخ، هذا التعايش التاريخي جعل تلك الشعوب تتعايش في جو من الانسجام.

وأضاف الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن كل تلك الثقافات ارتبطت بوحدة المصير لأنها ترتبط بنطاق جغرافي محدد، وهذا التعايش التاريخي جعل هذه الشعوب تتواجد في جو من الانسجام، فمثلا الثقافة العربية والكردية والأرمنية هي ثقافة تلاحمت وتفاعلت واستفادت من بعضها البعض مثل النموذج الإسلامي.

وبيّن علي، أنه لا ننسى حالات المصاهرة التي تمت بين مصر الفرعونية وأماكن تواجد الكرد التاريخية في أيام الملك المصري تحتمس الثالث الذي تزاوج من كردية وأنجب الملك تحتمس الرابع من الدولة الميتانية، وهو ما يدل على وجود حالة من التعايش والانصهار بين شعوب المنطقة، مبيناً أن رؤية عبد الله أوجلان تحث على ضرورة استغلال هذا التنوع وهذا الانسجام في تعزيز فكرة الحل الديمقراطي القائم على المجتمع.

وأوضح الباحث في قضايا الشرق الأوسط وشؤون الهوية، أن الحل الديمقراطي القائم على المجتمع يعني أنه في إطار مجتمع معين يضم عدد من المتنوعين يمكنهم إدارة شؤونهم الذاتية بشكل تشاركي، وهذه التشاركية تقوم على قبول الآخر والتعايش معه، من حسن حظ تلك المنطقة أنها تعايشت معا مما يساعد على هذا الحل التشاركي في إطار فكرة الأمة الديمقراطية، سواء الفلسطينية أو الأرمينية أو الكردية، ومن المهم أن يتعايش الجميع والأهم فكرة القبول المشترك.

ودلل علي على ذلك بالقضية الكردية حيث تعايش العرب والكرد بشكل تاريخي يجعلهم قادرين على التعايش حالياً والوصول على نموذج ناجح في ضوء الخبرة التاريخية، والقضية الأرمينية أيضاً يمكن حلها في إطار تلك الخبرة التاريخية.

وأردف الباحث في قضايا الشرق الأوسط وشؤون الهوية، أن القضية الفلسطينية يلعب فيها البعد القومي دور مهم جداً، لأن الإطار القومي للمتطرفين اليهود في إطار الصهيونية التي تمتزج مع الدين في إطار قومي بشكل متطرف يسمى الصهيونية الدينية المتطرفة، والتي لا تقبل الآخر، وإذا كانت فكرة الأمة الديمقراطية كمدخل لحل القضية الفلسطينية هو أن يقبل الجميع بعضهم البعض في إطار تشاركي.

وأشار على إلى أن عبد الله أوجلان يدعوا التشاركية كحل في إدارة شؤون المجتمع، فإن هذا الحل في القضية الفلسطينية هو حل مرفوض لأن العرب ينظرون لتلك الأرض باعتبارها أرض عربية وينبغي أن يكون فيها سيادة للعرب، أما اليهود يرون أنها صهيونية ويجب أن تقوم عليها مملكة الرب، وبالتالي ليس للعرب أي مكان فيها على الإطلاق، وهذا ما رأيناه في الحرب الأخيرة، حيث قامت القوات الإسرائيلية بتجاوز حماس باعتبارها فاعل عسكري وقاموا بضرب الشعب الفلسطيني، والإدراك الشائع بين الأوساط الإسرائيلية الشعبية يهاجمون العرق العربي كليا والمتطرفين الدينيين في إسرائيل يرفعون راية ضد الإسلام في ذاته ولذلك وقوع القضية الفلسطينية بين يد المتطرفين صهيونيا ودينيا، يجعل حل الأمة الديمقراطية صعب، لأن الأمة الديمقراطية هو الرضا والتشارك بين الطرفين، وتقوم على قبول الآخر، ولكن طبيعة العقلية الإسرائيلية هي عقلية إقصائية تتذرع بأن حماس إرهابية، ولكن 95% ممن قتل في الحملة الأخيرة هم من النساء والأطفال والمدنيين، وضرب مستشفيات يفند مزاعم إسرائيل بأنها تضرب حماس ولكنها تضرب الفلسطينيين بشكل عام، ولكن شرط الأمة الديمقراطية كحل للقضية الفلسطينية هو أن يتقبل الفلسطينيون والإسرائيليون بعضهم البعض وأن يدركوا أن هذه الأرض هي أرض الجميع ولكن لن يقبل الفلسطينيون أو الإسرائيليين بهذا الحل.

وعاد الباحث في قضايا الشرق الأوسط وشؤون الهوية، إلى ما حدث بعد عام 1947 عندما ظهر قرار 181 إسرائيل رفضته على الإطلاق ، وسنة 1948 خرج قرار 194 بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم إسرائيل أيضاً، بينما إسرائيل دعت إلى هجرة اليهود من كل أنحاء العالم إلى العيش في الجنة الموعودة المسماة إسرائيل، أقام مجتمع إحلالي حيث منعت الفلسطيني من العودة وشجعت اليهودي على المجيء واليهودي الذي ولد وله 300 سنة يعيش في أوروبا تدعوه للمجيء والفلسطيني الذي له آلاف السنوات تمنعه من العودة، ولذلك شرط تطبيق رؤية الأمة الديمقراطية باعتبار أنها نموذج ديمقراطي تفترض قبول الطرفين للتعايش بعضهم البعض.

No description available.

بينما كشف رامي زهدي السياسي المصري المهتم بالقضية الكردية، أن القائد عبد الله أوجلان قبل أن يكون مناضلاً باحث عن حرية شعبه، كان دائماً مهتماً بقضايا التحرر في المنطقة والعالم، وكون أوجلان معاصراً لأزمة مجتمع الكرد ومدرك جيدا لكل أبعاد المشكلة بحكم كونه كردياً قبل أن يكون مناضلاً وقائداً للكرد ومدافع عن القضية، كل هذه الاعتبارات جعلت لآراء أوجلان في قضايا العنصرية و الإقصاء في المنطقة والعالم محل تقدير خاص.

وأكد زهدي في تصريح خاص لوكالة فرات، أن الأمور متشابهة جداً في القضايا الكردية ونظيرتها الفلسطينية والأرمينية، الأزمة أزمة إقصاء سياسي و طائفي ومحاولة طمس هوية شعب لصالح شعب آخر طمعاً في ثروات ومقدرات الشعوب، وبالتالي، توصيف القائد أوجلان لهذه المشكلات كان واضحاً ومطابق للواقع، ومن هنا كان رؤيته للحل واقعية وممكنة، دائما ما يرى أن الديمقراطية والتعايش الآمن بين كل الشعوب بحكم التشاركية الجغرافية لنفس الأرض وتحت نفس السماء هي ملاذ آمن للجميع.

وأضاف السياسي المصري، أن فكرة القومية فكرة قديمة لم تنجح في أوروبا أو آسيا على مر التاريخ، بينما نجحت فكرة الدولة الوطنية التي تتشارك في قواعد المواطنة وتقبل وتحترم الاختلافات مهما كانت، وأن إدراك الجميع لمسؤولية العمل الوطني الجمعي هي أصدق وأكثر تأثيراً لإحداث حياة متوازنة للشعوب.

وأوضح زهدي، أن حل القضية الكردية، الفلسطينية والأرمنية ما يماثلها من أزمات من وجهة نظر القائد أوجلان، مبيناً أنه يتفق معه في الرأي، لأنه يكمن الحل في تعميق قدرة استيعاب الآخر، كلما تمكنت الأمم المختلفة ظاهرياً أن تتحد خلف قواعد الإنسانية وهي قواعد مشتركة يمكن أن تقرب الجميع، وأن نبحث جميعا عن نقاط الالتقاء والتجاوز عن نقاط الاختلاف، كلما مكنا ذلك من تجاوز الأزمات التي بدت أنها مستعصية على الحل.