أحداث سوريا تغيّر موازين وتموضع القوى في الشرق الأوسط

جسّد التغيير السياسي في سوريا صدمة استراتيجية ستكون لها تداعيات كبيرة على موازين القوى في المنطقة، فضلاً عن تأثير الحدث على السياسات الإقليمية والدولية نظراً لارتباط دمشق بقوى دولية وإقليمية تمثل فاعلاً رئيسياً في الإقليم.

زلزال عنيف ضرب منطقة الشرق الأوسط، إثر إعلان خبر خروج الأسد إلى روسيا، ليترك فراغاً دستورياً وسياسياً كبيراً بعد 11 عاماً من القتل الممنهج والتعذيب والإقصاء والسجن، وسط دعوات لتوحيد قوى المعارضة وتكوين دولة ديموقراطية تقوم على احترام الحقوق والقوميات والحريات، ما سيُلقي بظلاله على المنطقة، على الصعيدين السياسي والعسكري.

تدخل القوى الإقليمية والدولية 

منذ اندلاع الاضطرابات في سويا خلال 2011، تحولت الأراضي السورية إلى مسرح لنفوذ القوى الدولية، وكان هذا التحول من أحد أبرز العوامل التي غيّرت موازين القوى في الشرق الأوسط عبر التدخل الدولي والإقليمي في الشأن السوري بطرق مختلفة، لتشكل محوراً جديداً دُعَامته إيران وسوريا وحزب الله عبر دعم عسكري كان له دوراً كبيراً في الحفاظ على الأسد من السقوط، فضلاً عن ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال استغلال موسكو لقواعدها العسكرية في طرطوس وحميميم في دعم القبائل والجماعات المسلحة في ليبيا إلى جانب دعم بعض الحركات المتمردة وتنفيذ انقلابات عسكرية في بعض دول إفريقيا وخاصة الدول الحليفة للدول الأوروبية والبيت الأبيض، إلى جانب دعم مرتزقة «فاغنر»، في السودان وليبيا وبعض الدول الإفريقية الأخرى.

ممر المقاومة

ظل تمدد النفوذ الإيراني، حلماً تسعى طهران إلى تنفيذه منذ عقود، وبمرور الوقت نجحت في السيطرة على العراق بعد الحرب الأمريكية ضد صدام حسين، عبر إنشاء قوات الحشد الشعبي التي باتت قوة مؤثرة موازية للجيش العراقي، والسيطرة على العملية السياسية من خلال مواليها وأتباعها ليسقط العراق رهينة في يد إيران، تزامناً مع تقوية شوكة حزب الله وتسلحيه واللعب على وتر الدين من خلال استمالة حركة حماس وتكوين علاقات سياسية وعسكرية قوية معها حتى أنها شكلت لجنة سياسية باسم لجنة المقاومة العربية الإسلامية تضم رموزاً سياسية من دول عدة وكانت تحتفي بيوم القدس العالمي في جميع سفاراتها بالدول العربية، فضلاً عن دعم سيطرة الحوثيين على مقدرات اليمن واستغلال موقعها الاستراتيجي في تهديد أهم ممرات التجارة الدولية في العالم.
«تشابك العلاقات في الملف اللبناني بين طهران ودمشق خلق حالة تفاهم بين بشار الأسد وإيران حيث استغلته الأخيرة كخط إمداد لحزب الله».. قالها حاتم صدام الباحث والكاتب الإيراني في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، مشيراً إلى أنّ «الأراضي السورية هي أسهل ممر لإيران لتوصيل الأسلحة والصواريخ والمعدات إلى الضاحية الجنوبية في لبنان»، وحينما اندلعت أحداث 2011 في سوريا دعمت طهران بشار الأسد بكل قوة دفاعاً عن مشروعها السياسي، واستدعت روسيا لتكون شريكة معها مقابل إقامة قواعد بحرية وعسكرية في المياه الدافئة، ليتحول معسكر الشرق إلى أداة فاعلة في الجغرافيا السياسية بمنطقة الشرق الأوسط بعد أن بات يسيطر على بقعة جغرافية تمتد من البحر المتوسط إلى إيران.

انحسار نفوذ طهران ورحيل موسكو

«عقب التغيير الحاصل في سوريا، بدأت بوادر أفول الحلم الإيراني»، قالها محمود جابر الباحث في الشأن الإيراني في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، لافتاً إلى أنّ «الدعم العسكري لحزب الله وحركة حماس توقف، وإذا ما نفذت إسرائيل ما سبق وأن عزمت عليه حين أكدت أنها ستستهدف الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، فإن المنطقة بذلك ستشهد إعلان وفاة إيران كقوة إقليمية تتحكم في 4 أو 5 عواصم عربية، لتعود طهران دولة طبيعية داخل حدودها على غرار عهد الشاه».

إن التغيير الحاصل  في سوريا وسيطرة الفصائل على مقاليد الحكم تمهيداً لإقامة دولة ديموقراطية قد يعيد المكون السني الإسلامي إلى صفوف النخب في الأنظمة العربية مرة أخرى في محاولة من القوى العظمى لخلق حالة من التوازن بين المكونين الإسلاميين في المنطقة خاصة بعد عودة طالبان للحكم في أفغانستان ويبدو أن هذا الأمر سيجري تباعاً، مع الوضع في الحسبان إمكانية عودة تيارات التطرف مثل داعش والقاعدة، فضلاً عن أن هذا التوجه بالطبع سيزعج روسيا التي أيقنت منذ عقود بأن الإسلاميين هم من أسقطوا الاتحاد السوفييتي، وترفض كل ما هو إسلامي وتدعم الديكتاتوريات.

خروج روسيا من المياه الدافئة، نتيجة شبه مؤكدة بعد التغيير الذي جرى في سوريا، الأمر الذي سيترتب عليه إعادة التموضع في المنطقة وفقاً للمتغيرات العسكرية الجديدة ومن بينها أيضاً انحسار وجود الميليشيات الإيرانية، وهو الفراغ الذي من الممكن أن تشغله الولايات المتحدة الأمريكية، وحال رفض الأخيرة قد تكون تركيا هي الدول المسؤولة عن ذلك ولكن بشروط أمريكية تحقق مصالح الطرفين وتضمن حقوق الأقليات والقوميات المختلفة.  

بالفعل بدأت العديد من القوى الإقليمية والدولية تكثيف تدخلها في الشأن السوري، وعلى رأسها تركيا، التي كانت لها مصلحة كبيرة في التغيير السياسي في سوريا، ما دفعها إلى تكثيف دعمها لميلشياتها وفق مزاعم إنشاء منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، فيما أصيبت إيران -الداعم الأول للأسد- بصدمة أفقدتها توازنها لتجد نفسها أمام تحدٍ كبير للحفاظ على نفوذها في المنطقة، تزامنا مع تحركات روسية لدعم الحلفاء المتبقين، واستمرار الولايات المتحدة وحلفاؤها في مراقبة الوضع عن كثب.