تداعيات سقوط الأسد على الحرب الروسية في أوكرانيا

يمثل التغير السياسي الجديد في سوريا تحولاً كبيراً يؤثر على الحرب الروسية في أوكرانيا، ويُعيد تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية العالمية، ويبرز ضعف موقف روسيا في الشرق الأوسط رغم استثمارها الكبير، ما قد يدفع موسكو إلى إعادة تقييم استراتيجياتها بعد سقوط الأسد.

مع تراجع النفوذ الروسي قد تجد أوكرانيا فرصة لتعزيز موقفها الدولي وكسب دعم أكبر من الدول الغربية التي ترى في سقوط الأسد فرصة لتقويض النفوذ الروسي على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما يفضي إلى زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا ويعزز قدراتها العسكرية في الميدان، فضلاً عن إمكانية حدوث اضطرابات في الداخل الروسي لأن دعم بوتين للأسد كان محل خلاف، حيث رأى البعض أن هذا الدعم كان مكلفاً وغير مبرر وقد تتصاعد الانتقادات الداخلية ضد الحكومة الروسية، مما يزيد من الضغوط على الرئيس فلاديمير بوتين ويضعف موقفه الداخلي بما يؤثر على استقرار النظام ويزيد من التحديات التي تواجهها الحكومة في إدارة الحرب على أوكرانيا.

حالة من الترقب

وتشهد القارة الأوروبية حالة من الترقب تزامناً مع استمرار التوغل الروسي نحو العاصمة كييف واستهداف مكثف لعدة مقاطعات هو الأول من نوعه منذ بدء  الحرب وتحديداً داخل دونيتسك الشعبية، وهو ما فسره متابعون بأنه ردة فعل روسية جراء ما حدث في سوريا وحال تصعيد أوكرانيا بتكرار الضربات للعمق الروسي، وهو ما حدث بالفعل في عملية اغتيال أحد قادة الجيش في قلب روسيا،  فقد تلجأ موسكو إلى استهداف مراكز صنع القرار السياسي والعسكري في العاصمة الأوكرانية بالصواريخ الباليستية، وسط تفاؤل حذر بشأن الدخول في مفاوضات أوكرانية روسية لوقف إطلاق النار عقب تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب مهام منصبه في البيت الأبيض، خاصة بعد إبداء كييف مرونة وإعلانها تقديم تنازلات وهو ما قد يدفع بوتين إلى القبول بمبدأ التفاوض حال تعرضه لضغوط من الرئيس ترامب.

ويمثل إعلان الاتحاد الأوروبي عن وصول الدفعة الثانية من طائرات «إف - 16»، تصعيداً غربياً ضد روسيا، تزامناً مع سقوط الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط ما قد يدفع الرئيس الروسي إلى الإصرار على تحقيق هدف جيوسياسي للحد من النكسة التي واجهتها موسكو في دمشق وبالتالي ضرورة تحقيق انتصار ملموس في أوكرانيا حيث يتحول الانتصار في الحرب إلى هدف محوري يعيد المكانة القوية لروسيا ويقلل من الغضب الداخلي جراء الخسائر البشرية والاقتصادية الضخمة الناجمة عن تلك الحرب.

مستقبل الحرب الأوكرانية

الدكتور رامي القليوبي المحلل السياسي والأستاذ في كلية الاستشراق بموسكو، قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF »، إنّ «ما حدث في سوريا لا يمثل خسارة لروسيا سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، مشيراً إلى أن موسكو ستركز قدراتها في أوكرانيا بما يدعم خططها وأهدافها، وفيما يخص القواعد العسكرية في سوريا ستظل تلك القواعد وفقاً لتفاهمات جديدة»، فيما يذهب عمار قناة المحلل السياسي إلى أن بوتين سيحاول جاهداً استعادة الهيبة خلال الأيام المقبلة من خلال تحقيق نصر في ميدان الحرب لتعويض خسائره، وأضاف في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنه «حال فشله في تحقيق هذا الهدف قد يؤدي إلى انتكاسة روسية تقلص فرص المساومة على اتفاق سلام في أوكرانيا، وقد تعتمد روسيا على تكتيكات أكثر تشدداً لتعويض خسائرها في الشرق الأوسط، مما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوتر والبحث عن سبل لتقليص الأضرار«.

النفوذ الروسي

يأتي هذا وسط توقعات بأن تزداد أوكرانيا قوة في مواجهة روسيا على جبهتها الشرقية، تزامناً مع بوادر تراجع النفوذ الروسي في العديد من المناطق وخاصة القارة الإفريقية بعد تكبد ذراعها العسكرية «فاغنر »، العديد من الخسائر في مواقع مهمة من بينها السودان وليبيا بما يؤشر إلى انحسار الوجود الروسي في مواقع إفريقية متعددة، وهو ما قد يدفع الدول الغربية إلى استغلال الوهن الروسي وإعادة التموضع في العديد من الدول لتعزيز نفوذها مرة أخرى، فضلاً عن التأثيرات المحتملة على الدول التي تقع ضمن الامتداد الجغرافي الروسي في آسيا بعد الضربة التي تلقتها موسكو في سوريا، وقد تبدأ تلك الدول في التخلص من الهيمنة الروسية التي طالت لعقود بدعوى حماية أمنها القومي.

من المحتمل أن يتأثر الدعم الصيني المطلق لروسيا، حيث بدأت بكين دراسة الموقف ومراقبة الأحداث المتتالية عن كثب فيما يخص النفوذ الروسي، الذي يُعتبر من أهم حلفاء الصين على الإطلاق، وقد ترى بكين أن تراجع نفوذ الدب الروسي قد يمثل تهديداً لمصالحها في المنطقة، ما قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية في آسيا الوسطى، كما قد يؤدي ذلك إلى تراجع الزخم الذي شهدته مجموعة البريكس وتوسعاتها وخططها المستقبلية خلال العامين الماضيين.