"زلزال سياسي".. قراءة في تعاطي الداخل التركي مع دعوة أوجلان
مواقف متباينة أثارتها دعوة القائد عبد الله أوجلان التاريخية في الداخل التركي؛ كما لو كانت زلزالاً سياسياً، لا سيما وأن بيان "آبو" تجاوز أكثر التوقعات تفاؤلاً.
مواقف متباينة أثارتها دعوة القائد عبد الله أوجلان التاريخية في الداخل التركي؛ كما لو كانت زلزالاً سياسياً، لا سيما وأن بيان "آبو" تجاوز أكثر التوقعات تفاؤلاً.
بين الترحيب والقلق، تنوعت مواقف القوى السياسية التركية من النظام إلى المعارضة، إزاء البيان التاريخي للمفكر والمناضل عبدالله أوجلان، بدعوته حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح، وعقد مؤتمر عام لاتخاذ قرار بحله، في دعوة تحمل الكثير من الدلائل والرسائل.
ويقبع المفكر والمناضل عبد الله أوجلان، البالغ من العمر 75 عاماً، أسيراً في سجن بجزيرة إمرالي، منذ عام 1999، وذلك في إطار مؤامرة دولية شاركت فيها الاستخبارات التركية والموساد الإسرائيلي، وكذلك دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الأطراف الأخرى.
موقف النظام
موقف النظام الرسمي بدرجة كبيرة جاء ملامحه مقبولة إلى حدٍ ما، إذ وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوة أوجلان بـ "الفرصة التاريخية لأخوة عمرها ألف عام بين الترك والكرد"، مؤكداً أن بلاده دخلت "مرحلة جديدة"، كما شدد على أن "من يفسد هذه العملية يجب أن يواجه معارضة جميع الكرد والترك".
أما حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي – حليف النظام – الذي وصف بعراب ذلك التوافق التاريخي، فموقفه جاء مرحباً بطبيعة الحال، عكس مواقف بعض القوى والأطراف القومية الأخرى، التي يمكن القول إنها ذات تأثير محدود في الأوساط القومية مقارنة بحزب الحركة.
وقالت تقارير تركية إن أردوغان صاحب مصلحة كبيرة في أن تنجح تلك التفاهمات مع عبد الله أوجلان، في ظل رغبته في تعديل الدستور على نحو يتيح له الترشح لولاية رئاسية ثالثة، إذ تحتاج تلك العملية 360 صوتاً في البرلمان، ما يعني أن الرئيس التركي وتحالفه بحاجة إلى 57 صوت إضافي من خلال حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، الذي لعب الدور المحوري في التواصل بين النظام و"آبو".
عن موقف التحالف الحاكم، يقول كرم سعيد الخبير في الشأن التركي، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن هذه الدعوة التي أطلقها أوجلان تلبي كثيراً من الحاجات لدى النظام التركي، أولها أنه سيعمل على توظيفها باعتبارها انتصاراً للدولة في نهاية المطاف في مواجهة حزب العمال الكردستاني.
وأضاف سعيد أنه إلى جانب ذلك، فإنه في حال الدخول في مفاوضات سلام، فإن هذا يتيح لأردوغان وحزبه إمكانية الاستفادة من قاعدة الأصوات التابعة لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب في البرلمان لتمرير التعديل الدستوري المحتمل، الذي يعطي لأردوغان أحقية الترشح لولاية ثلاثة.
ويلفت الخبير السياسي المصري إلى أن إبداء النظام التركي مواقف إيجابية من بيان أوجلان يشكل أيضاً فرصة مهمة لديه في إعادة صياغة علاقاته الخارجية، في ظل حالة الدعم الإقليمي والدولي الواضحة لبيان حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح.
ويرى سعيد، في ختام تصريحه لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الأهم هو كيفية التغلب على التحديات التي يمكن أن تواجه تلك التفاهمات، وسيكون في مقدمتها مدى مرونة وانفتاح حزب العدالة والتنمية في الإقرار بالحقوق الثقافية والخاصة بالهوية الكردية.
وكان عضو المجلس التنفيذي في منظومة المجتمع الكردستاني (KCK) زبير آيدار صرح أنه قبل دعوة القائد آبو زار المسؤولون في الدولة إمرالي بعلم وإذن أردوغان، مشدداً على أنه يجب على الدولة أن تأخذ خطوات في المسائل التي اتفقوا عليها.
موقف المعارضة
مواقف القوى السياسية الرئيسية خارج السلطة جاءت في الغالب مؤيدة وداعمة لدعوة القائد أوجلان، إذ رحّب أوزغور أوزيل زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، بدعوة "آبو"، وقال إن حزبه سيواصل الدعوة إلى حل القضية الكردية، من خلال الوسائل الديمقراطية، مع قيام البرلمان التركي بدور منتدى للحوار في هذا الشأن، داعياً إلى اتخاذ إجراءات تدعم السلام الدائم.
كما رحب علي بابا جان وأحمد داود أوغلو، وهما اثنان من القادة السابقين في حزب العدالة والتنمية الحاكم والآن زعيمين لحزبين سياسيين، بدعوة أوجلان إلى نزع السلاح، ففي حين وصف الأول دعوة "آبو" بأنها "تطور تاريخي"، قال الثاني إن البرلمان التركي يجب أن يلعب دوراً مركزياً في عملية السلام.
لكن بعض الأحزاب القومية في المقابل انتقدت الحديث عن تسوية القضية الكردية بهذه الصورة، وعلى رأسهم درويش أوغلو، رئيسة حزب الخير القومي المعارض، حيث انتقد نهج الحكومة في التعامل مع القضية الكردية، وحذرت من أن يكون الأمر مجرد صفقة تضمن لأردوغان رئاسة تركيا مدى الحياة.
تعقيباً على موقف تلك الأحزاب القومية، يقول الباحث السياسي مصطفى صلاح، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنها أحزاب صغيرة وموقفها ليس له التأثير الكبير، إلا أن قضية مثل القضية الكردية تتطلب أن يكون هناك أكبر قدر ممكن من التوافق السياسي والمجتمعي حول طريقة معالجتها.
واعتبر الباحث السياسي أن مسؤولية النظام السياسي التركي العمل على توسيع حالة التوافق الشعبي والمجتمعي بشأن مسار حل القضية الكردية، لا سيما وأن الأحزاب الرافضة بعضها يرفض ليس لمجرد الرفض لأي تسوية للقضية الكردية، وإنما رفضاً للمسار أو الطريقة التي يتم بها معالجة هذا الأمر.
ولاقت دعوة "آبو" على مدار الأيام الماضية دعماً وترحيباً إقليمياً ودولياً واسعاً، سواء في الأوساط الرسمية أو غير الرسمية، وسط دعوات تحث النظام التركي على التعاطي الإيجابي معها، وألا تفوّت تلك المبادرة غير المسبوقة كفرصة لتحقيق السلام والاستقرار والعيش المشترك بين الكرد والأتراك وطيّ صفحة الصراع.