مختار غباشي: أوجلان 'مانديلا الكرد' وحقبة جديدة نحو الحل للقضية الكردية

أكد نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية د. مختار غباشي أن رسالة القائد عبد الله أوجلان الأخيرة تمثل بداية حقبة جديدة للنضال الكردي، حيث يتجه من الكفاح المسلح إلى حلول السياسية والاجتماعية.

تعتبر القضية الكردية واحدة من أكثر القضايا الإقليمية تعقيداً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيها المصالح السياسية والتاريخية مع التحديات الأمنية والاجتماعية، على الرغم من أن الكرد يعيشون في العديد من دول المنطقة مثل تركيا، العراق، سوريا وإيران، فإنهم ظلوا يعانون من الإقصاء والتهميش لسنوات طويلة، مما دفعهم في بعض الأحيان إلى اللجوء للوسائل العسكرية لتحقيق مطالبهم في الاستقلال أو الحكم الذاتي. ومع ذلك، يشهد الواقع الكردي في الآونة الأخيرة تحولاً لافتاً في مواقف العديد من القيادات الكردية، حيث بدأت الأصوات الداعية إلى التحول من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي والاجتماعي بالظهور بقوة.

وتأتي رسالة القائد عبد الله أوجلان الأخيرة لتكون محورية في مسار هذه القضية. القائد عبد الله أوجلان، الذي يعتبر رمزاً تاريخياً للنضال الكردي وقائد حزب العمال الكردستاني، قد طرح في رسالته الأخيرة رؤية استراتيجية جديدة تهدف إلى تحريك مسار القضية الكردية من الميدان العسكري إلى الساحة السياسية، متضمناً فكرة نزع السلاح وحل حزب العمال الكردستاني كجزء من مساعٍ أكبر لتحقيق الاعتراف بحقوق الكرد من قبل الحكومات الإقليمية والدولية.

إن الرسالة التي أرسلها أوجلان لا تقتصر فقط على الدعوة للسلام أو لمفاوضات سياسية بين الأطراف المعنية، بل هي تعبير عن تحول عميق في مفهوم النضال الكردي. حيث يسعى أوجلان إلى وضع أسس جديدة للتعامل مع القضايا الكردية.

تحول المقاومة من العسكري إلى السياسي

د. مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحدث قائلاً: "رسالة القائد عبدالله أوجلان تعد رسالة مهمة للغاية، خاصة بعد استجابة حزب العمال الكردستاني لنداء القائد أوجلان. فالسيد أوجلان ليس فقط ملهماً للقضية الكردية وعراباً لها، بل يُعتبر أيضاً "مانديلا الكرد". وعندما يتحدث عبد الله أوجلان، فإن كل الأمور الأخرى تصمت بالنسبة للواقع الكردي. ومن وجهة نظري، فإن الواقع الكردي ليس مرتبطاً بقيادة عبدالله أوجلان لحزب العمال الكردستاني فحسب، بل إن السيد أوجلان له تأثير عميق على العديد من الأطراف الكردية. والدليل على ذلك حديثه عن شمال وشرق سوريا، حيث أكد على ضرورة أن يكون مظلوم عبدي مسؤولاً عن هذا الإقليم. كما تحدث عن إقليم جنوب كردستان وأرسل رسالة إلى الرئيس مسعود بارزاني، مشيراً إلى أنه لا بد من النظر في العديد من جوانب الواقع الكردي. إن رسالة السيد أوجلان مهمة جداً، وستنقل الواقع الكردي من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى".

الدور الذي لعبه حزب العمال الكردستاني في النضال الكردي هو دور بالغ الأهمية، منذ نشأته في الثمانينيات، عندما بدأ مع ظهور السيد أوجلان. كان له دور رئيسي وأساسي في النضال ضد الجيش التركي، وهو ما شكل نقطة تحول في مسار القضية الكردية. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وتركيا تصنفان حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، إلا أن تاريخ الحزب في النضال الكردي نضال معروف والسيد عبد الله اوجلان يعد القائد الروحي لحزب العمال الكردستاني.

ويرى السيد أوجلان أن حل حزب العمال الكردستاني وإلقاء السلاح في مرحلة تاريخية حساسة ومهمة، حيث يشكل ذلك نوعاً من أشكال حقوق الاعتراف بالكرد. ففي الوقت الذي كان فيه حمل السلاح، كان هناك عدم اعتراف، وكان هناك مطاردة لآليات الحزب وإنكار وجوده وإنكار القومية الكردية. ولكن اليوم، يقول السيد أوجلان إنه يوجد اعتراف، وهناك تاريخ مشترك بين الكرد والأتراك. وأنا أعتقد أن رسالة القائد عبدالله أوجلان لها معنى كبير، وخاصة بعد اللقاءات التي سبقت الإعلان عن الرسالة. ومن خلال هذه اللقاءات التي حدثت، كان هناك حديث مطول بخصوص هذه المسألة. ولذلك، فإن مفهوم المقاومة يتغير حسب الظروف، وحسب الواقع الدولي، وحسب الظروف الإقليمية، وحسب موقف الكرد أنفسهم.

التحديات الإقليمية في الملف الكردي

وذكر غباشي إن الكرد جميعهم في مرحلة تاريخية مهمة، على سبيل المثال في شمال وشرق سوريا، هم أيضاً في مرحلة تاريخية حساسة. وآلية التعامل مع إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا قد تؤدي إلى انتقال إقليم شمال وشرق سوريا إلى مرحلة أخرى. إن وضع الكرد مرتبط على المستوى الإقليمي وليس فقط في سوريا والعراق. أعتقد أن تركيا هي عامل أساسي في ذلك، لأن نصف القومية الكردية موجودة في تركيا، كما أن الداخل الإيراني أيضاً معني بهذا الملف. لذلك، فإن الملف الكردي هو ملف دولي. وأعتقد أن المفاوضات الحالية لها تأثير كبير في نقل تاريخ النضال الكردي من مرحلة إلى مرحلة أخرى. كما أن التاريخ السابق من المفاوضات الكردية التركية مليء بالتسويات والمواجهات العسكرية وغيرها. لذلك، هذا الأمر في الحسبان، ومن الضروري أن يكون هناك تحفظات من الأطراف الكردية، وهي تعتبر تحفظات مشروعة.

التحديات التي يواجهها مشروع الأمة الديمقراطية

وبشأن الاعتراف بمشروع الأمة الديمقراطية، قال غباشي: "هي مسألة ليست سهلة وليست هينة، فالمسألة سوف تأخذ وقتاً من النقاشات الطويلة والاعتراف. وعلى سبيل المثال، من أجل دمج قوات سوريا الديمقراطية مع الحكومة المركزية في دمشق، يجب أن تكون هناك ضمانات تقدم، وليس من السهولة أن يتم الاندماج."

مستقبل النضال الكردي وتفاعل القوى الدولية

مضيقاً: لذلك يرى السيد أوجلان أن النضال لا ينتهي بل يتطور حسب الظروف وحسب المواقف الإقليمية والدولية وحسب الاعتراف من الأطراف الأخرى. فإن النضال الكردي ليس مرتبطاً بدولة معينة فقط، بل يتصل بالطرف التركي والسوري والعراقي والإيراني والقوى الإقليمية والدولية الموجودة. فهذا ليس بعيداً عن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأطراف الغربية مثل فرنسا وإنجلترا.

رؤية أوجلان التحول إلى العمل السياسي والاجتماعي

وفي ختام حديثه، قال غباشي: "رؤية السيد أوجلان في تحويل المقاومة العسكرية إلى العمل السياسي والاجتماعي هي رؤية ذات وزن سياسي. وأعتقد أن رسالة السيد أوجلان بشأن مسألة إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني تتضمن اعترافا بالقومية الكردية وآلية في التعامل مع هذا الشأن. وهذه الأمور تأتي من النضال الذي مارسه حزب العمال الكردستاني تحت قيادة السيد أوجلان الذي أصبح ملهماً للقضية الكردية، ويُعتبر مانديلا الكرد، رغم سجنه، فهو بمثابة كتابة حقبة تاريخية للكرد".