صعق سكان العاصمة الروسية موسكو بفاجعة جديدة ولكن تلك المرة ليست بأخبار على الجبهات أو طائرة مسيرة متسللة، ولكن بعملية إرهابية استهدفت حفلاً موسيقياً داخل العاصمة، تلك العملية التي أعلن تنظيم داعش وجناحه المسمى ولاية خراسان عن تبينها، مع اتهام الكثيرين أوكرانيا وأجهزة الاستخبارات الغربية بالوقوف خلف الحادث، مما يثير التساؤلات حول سر عودة داعش لتهديد دول العالم الكبرى ومنها روسيا وهل هو من قام بالعملية الأخيرة وأهدافه منها.
كشف دينيس كوركودينوف، رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي والمحلل السياسي الروسي، إن العمل الإرهابي الذي ارتكب في 22 آذار/ مارس 2024 في العاصمة الروسية هو شكل متطرف من مظاهر العجز والوحشية والدونية لعملائها ومنظميها، الذين ليس لديهم القدرة على حل المشاكل الجيوسياسية بطريقة متحضرة وبطريقة دبلوماسية، واللجوء إلى الطريقة الأكثر دنيئة وإجرامية ومثيرة للاشمئزاز وهي قتل الأبرياء.
وأكد كوركودينوف في تصريح خاص لوكالة فرات، أنه تتحدد الحاجة إلى تحليل الهجوم الإرهابي المرتكب بعدة أسباب، أولها أنه كانت الأنشطة الإرهابية تهدف فقط إلى خلق شعور بالخوف في المجتمع الروسي من الانتخابات التي أجرتها الأغلبية الساحقة من الناخبين الروس لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما أدى الهجوم الإرهابي على قاعة مدينة كروكوس إلى ظهور عدد من التصريحات السلبية للغاية وحتى الاستفزازية من ممثلي كتلة الدول المناهضة لروسيا، والتي كشف قادتها الرسميون، ربما دون علمهم، عن مشاركتهم واهتمامهم المباشر بـ التنظيم والتحضير للمجزرة بحق المدنيين.
وأضاف رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، أنه على الرغم من الظروف المذكورة أعلاه، فإن الطريقة التي رد بها الشعب الروسي، في معظمه، والدولة الروسية على التهديد الكامل، تشير إلى أن روسيا تبين أنها أقوى من أعدائها. علاوة على ذلك، أظهر الشعب الروسي وحدته وقوته وعدم قابليته للتدمير، وهو ما لا يستطيع الكثير من شعوب الدول الغربية التباهي به الآن، ومما لا شك فيه أن أي هجمات إرهابية، مهما كانت شنيعة وخطيرة، لن تكون قادرة على كسر روسيا، التي أثبتت، من خلال انتخابها لصالح فلاديمير بوتين ومساره السياسي، أن طريقها هو الطريق الصحيح..
وبين كوركودينوف، أنه بالنسبة لتورط داعش وهي منظمة إرهابية محظورة في روسيا، والتي أعلنت بالفعل مسؤوليتها علناً، فمن غير المرجح أن يكون الجهاديون هم العقول المدبرة للجريمة حقاً، وذلك لعدة أسباب منها إن الهجوم الإرهابي المرتكب ليس "عملا إيمانيا"، مثل الهجوم الإرهابي على دوبروفكا (نورد أوست) في عام 2002. ولم تكن الاستشهادية جزءاً من خطط الإرهابيين، وعلاوة على ذلك، لم تكن هدفهم في حد ذاته: لم تكن هناك "أحزمة ناسفة" ولا أي نية واضحة للتضحية بالنفس، و لم يتم الإعلان عن أي غرض من الهجوم أو المطالب المصاحبة له، وإنما كان مجزرة برمتها.
وأوضح رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، أنه للتأكيد على أن ولاية خراسان لا علاقة لها بالهجوم الإرهابي الذي وقع في موسكو، كما تؤكد الصحافة الغربية، أشير إلى أن هذا الفرع من داعش قد تحول عمليا إلى العمل السري بعد وفاة آخر زعيم له، وعلاوة على ذلك، فإن حركة طالبان، بعد استيلائها على السلطة في كابول، حققت الآن نجاحا كبيرا في تدمير مستودعات الأسلحة الرئيسية للمنظمة، ومراكز التدريب والتجنيد في المقاطعات الشمالية.
وتابع كوركودينوف، أنه من المعروف عن آخر زعيم لولاية خراسان شهاب المهاجر والمعروف أيضاً بالاسم المستعار صنع الله الصادق، وهو من مواليد 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، مواطن عراقي، ويقود التنظيم منذ عام 2020 بعد الانقلاب، والقبض على سطام فاروقي، وعاش في منطقة شاكر دار في كابول وكان أستاذا في جامعة كابول، وكانت عائلته تنتمي إلى تنظيم الحزب الإسلامي، ألا أنه قُتل مع ستة من إخوته في 9 حزيران/ يونيو 2023، وبعد ذلك لم تنتخب ولاية خراسان زعيماً جديداً، وتمتلك جماعة الدولة الإسلامية- خراسان ملاذات ومراكز تدريب في تيرا وكونار والمناطق الجبلية في ننكرهار، مثل سنجاري ودور بابا.
وأردف رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، أنه في الوقت نفسه، أصبحت ولاية خراسان الآن في حالة من الكساد وغير قادرة ليس فقط على تنظيم التحركات الدولية، ولكن أيضاً على إظهار أي نشاط ملحوظ داخل أفغانستان بسبب نقص الموارد العسكرية والمالية الكافية ونقص الأفراد.
ودلل كوركودينوف، على عدم ارتكاب داعش المجزرة هو أن مصدر المعلومات الرسمي أعماق، التابع لتنظيم داعش، قدم صورة عامة للإرهابيين الذين ارتكبوا المجزرة في قاعة مدينة كروكوس. إلا أن هذه الصورة تثير شكوكا موضوعية، وتحتوي على علامات واضحة للتزييف. وهكذا، فإن إشارة الإرهابيين، التي تشير إلى الإيمان بالله الواحد، لم تتم بيدهم اليمنى، بل بيدهم اليسرى، لكن هذا لا ينفي إمكانية أن يكون تنظيم داعش قد استخدم من قبل من أمر بالعملية الإرهابية كمنظمة غطاء، وتحمل مسؤوليته رسمياً عن جريمة لم يرتكبها. وفي هذه الحالة، كان اهتمام داعش يقتصر على المال فقط. لقد تم شراء مسؤوليتها الرسمية عن الهجوم الإرهابي من قبل أولئك الذين أمروا بارتكاب الجريمة الفظيعة.
وأشار رئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي، إلى أنه أثبتت الخدمات الخاصة الروسية أن تجنيد الإرهابيين الذين ارتكبوا المجزرة في قاعة مدينة كروكوس تم من خلال السفارة الأوكرانية في طاجيكستان، وتم تنفيذ أنشطة التجنيد مباشرة من قبل السفير فوق العادة لأوكرانيا لدى طاجيكستان فاليري إيفدوكيموف. تم تعيينه في هذا المنصب من قبل رئيس الدولة الأوكرانية فلاديمير زيلينسكي في 24 حزيران / يونيو 2022.
وكانت النقطة المثيرة للاهتمام بشكل خاص في سيرة الدبلوماسي الأوكراني هي أنه في الفترة من 20 أيلول/ سبتمبر 2019 إلى 5 حزيران/ يونيو 2020، ترأس المخابرات الخارجية، وكان هو الذي أشرف على ما يسمى بـ "فيلق الدفاع الدولي" - وهي منظمة إرهابية تم إنشاؤها تحت رعاية جهاز المخابرات الأوكراني من أجل تنفيذ هجمات إرهابية على الأراضي الروسية، وتتألف هذه المنظمة في المقام الأول من مواطني آسيا الوسطى، بما في ذلك طاجيكستان، ومواطنوها هم الإرهابيون الذين ارتكبوا الجريمة في منطقة موسكو، بحسب كوركو دينوف.
بينما كشف أحمد سلطان، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أن داعش خراسان كانوا مجموعة من المقاتلين انشقوا عن الحالة الطالبانية، سواء من طالبان باكستان أو طالبان أفغانستان، وأصبحت تعرف باسم ولاية خراسان منذ أواخر ٢٠١٤ إلى اوائل ٢٠١٥، والتنظيم تعاقب عليه مجموعة من القادة آخرهم أبو شهاب المهاجر، وهو أحد المطلوبين لدي الولايات المتحدة بسبب دوره في الهجمات على المصالح الأمريكية خاصة الهجوم على مطار كابول، والتنظيم حاليا يركز على العمليات الخارجية وهي العمليات التي تنفذ خارج أفغانستان، وهو وجد فرصة أنه يجند مجموعات من الطاجيك والأوزبك، ومن العرب وحتى من الأوروبيين، مستفيداً من حالة السيولة الأمنية الموجودة في أفغانستان والتي ما زالت مستمرة.
وأكد الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أنه رغم أن طالبان خاضت ضد تنظيم داعش خراسان معارك عديدة، نجحت في تحييد مجموعة من كبار قيادته، إلا أن التنظيم مازال مستمرا، وبقي في العديد من المناطق مثل قندهار، وكابول، وبعض المناطق الأخرى، ومصلحة طالبان القضاء على داعش خراسان هي مسألة ايدولوجية، حيث تعتبرهم خوارج يجب القضاء عليهم، لأن خرجوا على أمير المؤمنين الخاص بطالبان، طالبان نجحت في تقويض جزء كبير من قدراته ولكنها لم تنجح في القضاء عليه تماماً.
وأضاف سلطان، أن تركيز التنظيم على أهداف خارجية جاء من قيادة التنظيم المركزية، خاصة بعد ربط جنسيات من الموجودين في تركيا من الطاجيك والاوزبك بالتنظيم في أفغانستان، وطلب منه أن يلبي هذه الهجمات، وهجوم روسيا لم يكن الهجوم الوحيد، ولكن حدثت ثلاث هجمات، نفذها التنظيم بإيعاز من التنظيم المركزي، مثل هجوم كرمان في إيران وكنيسة سانتا ماريا في اسطنبول في تركيا وهجوم موسكو.
وبيّن الباحث في الجماعات الإرهابية أن هجوم روسيا اثار الجدل بسبب ما أشيع عنه بأنه كان بإيعاز من الاستخبارات الغربية، وهو افتراض خاطئ، لأن الهجوم بالأساس استهدف مدنيين ولم يستهدف أهداف عسكرية، وهذا الاستهداف يخدم الحكومة الروسية ولا يضر بها، وهذا الهدف يجعل الشعب يلتف حول قياداته، ولكن أي عملية مدعومة من المخابرات الغربية كانت تستهدف إحداث انشقاق في الجبهة الداخلية.
وأوضح سلطان، أن ما عزز فرضية وجود مساعدات خارجية هو الرواية التي تحدثت على أن منفذي الهجوم كانوا متجهين إلى أوكرانيا، ثانيا تناقضها رواية رئيس بيلا روسيا، والذي ذكر أنهم كانوا متجهين إلى بلاده، وليس إلى أوكرانيا، ولكن خرجت تلك الروايات من الإعلام استباقا للتحقيقات، ولا يستبعد أن تكون المخابرات الروسية هي من نشرت تلك الروايات لتستفيد من الحادثة في سياق الزخم في الحرب الأوكرانية للتوجيه ضد أوكرانيا.
وتابع الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، أن سر تجهيز التنظيم لعملياته من تركيا أن عرقية الطاجيك هو سهولة دخولها إلى البلاد باعتبارهم عرق تركي، وهم ذهبوا إلى تركيا كجزء من عملية التجنيد والتجهيز للعملية، غير حركة السياحة النشطة بين روسيا وتركيا.
وتطرق سلطان إلى دوافع ولاية خراسان في القيام بالهجوم، مبيناً أن اتحاد الجمهوريات الروسية يوجد به جمهوريات إسلامية، هو واحد من الأهداف في حد ذاته، كما أنه توجد حركة جهادية نشطة في منطقة القوقاز خاصة ومجموعات جهادية أخرى فيها، وهو يحاول أن يقدم نفسه كتنظيم ذو منهج جهادي قويم لاستقطاب تلك المجموعات، خاصة وأن هناك مجموعات جهادية أخرى تقاتل من داخل أوكرانيا مثل مجموعة جند القوقاز التي يقودها عبد الحكيم الشيشاني.
وأشار الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، إلى أن مجموعة جند القوقاز يمكن أن نتحدث حولها بسهولة عن دور الاستخبارات الغربية فهي مجموعة يقودها قيادي جهادي معروف وتم نقلها من شمال غرب سوريا حيث كانت تقاتل في إدلب وتم نقلها إلى أوكرانيا، وانتقلت سلاحها وقادتها المتابعين من قبل أجهزة المخابرات الدولية إلى أوكرانيا وتقاتل بجوار الجيش الأوكراني، وهذا أيضاً كان سبب قيامه بالعملية لأن التنظيم يقدم نفسه بأنه الوحيد صاحب المنهج الجهادي القويم وتلك المجموعات تقوم بتقديم نفسها وتقوم بعمليات ضد روسيا، وأدرك داعش أنه حين لا يقاتل ضد روسيا فإنه يخصم من رصيد التنظيم.
واستبعد سلطان فرضية أن الاستخبارات الغربية دعمت العملية، لأنها عبارة عن مجموعة مسلحين دخلوا إلى قاعة موسيقية ضربوا من بها وقاموا بالهجوم وهربوا وتم إلقاء القبض على منفذيها، وهي ليست عملية معقدة تستحق الوقوف أمامها.