أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف، عن استعدادات بلاده لعقد اجتماع بين الرئيس السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد تأكيد وزير الخارجية التركي أن اللقاء سيعقد في "دولة ثالثة" وإشارات من الرئيس السوري بشار الأسد بأنه مستعد للقاء ولكن بقواعد.
ولا تزال حكومة دمشق تصر على مطلب انسحاب القوات التركية من الشمال السوري بحسب آخر تصريحات للرئيس السوري بشار الأسد، بينما لم تخوض أنقرة في الحديث عن أجندتها عن اللقاء، مما يثير التساؤلات حول التحديات التي تواجه الطرفان للتطبيع وهل سيأتي على حساب الإدارة الذاتية والقضية الكردية وموقف القوى الأخرى الفاعلة في الملف السوري من التطبيع بل وموقف السوريين الخاضعين للاحتلال التركي.
التعاون ضد الإدارة الذاتية
تعتبر الثمرة الأساسية التي يرغب أردوغان في الحصول عليها من جراء تحالفه مع حكومة دمشق هو توحيد الجهود ضد مناطق الإدارة الذاتية، والتي يقوم كل طرف منهم بأعمال عدائية ضدها، حيث لم تتوقف هجمات الاحتلال التركي ضد مناطق الإدارة خاصة البنية التحتية وقتل المدنيين، ويثير النظام السوري من جهته حلفاؤه المحليين وما يسمى بـ "قوات العشائر" للإغارة على مناطق الإدارة الذاتية، وغالباً ما تتزامن تلك الهجمات.
يقول محمود حبيب الناطق الرسمي باسم قوات الشمال الديمقراطي التابع لقوات سوريا الديمقراطية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الاحداث المتلاحقة والخطيرة التي مرت على سوريا يشير إلى أن هناك تعاون في الخفاء كان مستمر بين نظامي دمشق وأنقرة منذ ٢٠١٢ كما والذي اعترف به جاويش أوغلو وهاكان فيدان وغيرهم وأكده أركان النظام السوري وبهذا ندرك حجم تبادل المصالح على الأرض والتي ساهمت في إنتاج الوضع الراهن.
وأضاف، أنه منذ العام الماضي أخذت هذه الصورة تتضح اكثر من خلال لقاءات وزراء الخارجية والدفاع والاستخبارات وكان من الواضح أن هذا التقارب والتفاهم لن يكون بعيداً عن العمل المشترك ضد الإدارة الذاتية و قد صرح أردوغان و غيره من المسؤولين الأتراك عن رغبتهم في تعاون بين النظامين لضرب مناطق الإدارة الذاتية، مشيراً إلى أن خيار العداء للإدارة الذاتية خياراً صعباً و خصوصاً إذا علمنا مخاطر هذا الأمر من إمكانية عودة داعش وكذلك وجود قوات التحالف التي لا تسمح في تغيير معادلة السيطرة الحالية وبهذا فأن التفاهمات بين أنقرة و دمشق تمر بمخاض عسير.
الأحوال الداخلية في تركيا وسوريا
يعتبر التحدي الثاني الذي يواجه حكومتي أنقرة ودمشق هو تدهور الأوضاع في كليهما، سواء الأوضاع السياسية لدى حكومة أنقرة والائتلاف الحاكم بقيادة رجب طيب أردوغان، حيث أضطر أردوغان لخوض جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الماضية وخسارة حزبه الانتخابات البلدية وخروج جميع البلديات الكبرى من قبضته، وأشار آخر استطلاع للرأي شركة Yöneylemعن تراجع شعبية أردوغان بين السياسيين الأتراك وحصوله على المركز الرابع بينهم بنسبة 39% من الأصوات.
بينما تعاني حكومة دمشق من أزمات اقتصادية حادة، وبحسب المرصد الاقتصادي لسوريا في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي، وارتفع تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 93%، طال الفقر نحو 14.5 مليون سوري.
ولفت الناطق الرسمي باسم قوات الشمال الديمقراطي، إلى أنه من الممكن ان يحسن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة الأوضاع السياسية من خلال كسب التأييد في الداخل التركي بالنسبة لأردوغان والاقتصادية للأسد وأردوغان من خلال فتح الطرق الدولية، ولكن يبقى الوضع في سوريا مرهونا بالتوافق الدولي والإقليمي أكثر ما هو مرهون برغبات الطرفين السوري والتركي.
بينما يقول عبد الرحمن ربوع، الكاتب والصحفي السوري في تواصل هاتفي مع وكالة فرات للأنباء (ANF)، إن النظام التركي يسعى مؤخراً لإعادة فتح جسور العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع النظام السوري لعدة أسباب تتعلق بالأوضاع المزرية التي وصلت إليها تركيا بسبب أخطاء جسيمة وجرائم خطيرة ارتكبها أردوغان وحزبه ونظامه في تركيا جعلته منبوذاً إقليمياً ودولياً.
شرعنة الاحتلال التركي أم الانسحاب من الشمال
تمثل القوات التركية في الشمال السوري والتغيير الديمغرافي الملفين الأكثر إثارة للجدل بين دمشق وأنقرة، حيث يرغب أردوغان في شرعنة وجوده عبر التطبيع مع الأسد، بينما تصر حكومة دمشق على الانسحاب التركي، ويرتبط القضية بعملية التغيير الديمغرافي التي قام بها الجانبين في أراضي سوريا.
وأضاف الكاتب والصحفي السوري، أن أردوغان يبحث عن حليف سوري جديد في حربه ضد الكرد، فبعد أن استنزف حلفاءه من المعارضة السورية يريد اليوم استغلال ورقة مهمة بيد دمشق هي شرعنة الاحتلال التركي للشمال السوري، والتعاون لترسيخ جرائم التغيير الديمغرافي في سوريا، حيث يريد أردوغان تقديم هدية ثمينة لبشار الأسد وهي ترسيخ التغيير الديمغرافي الذي نفذته حكومة دمشق بمساعدة روسيا وإيران على مدى ثلاثة عشر سنة.
ويشير ربوع، إلى أن حكومة دمشق أجبرت الملايين من أهالي دمشق وحمص وحماة وحلب ودرعا واللاذقية على إخلاء منازلهم والخروج من مدنهم وقراهم لاجئين ونازحين، وقامت بتوطين مواطنين شيعة من إدلب وحلب مكانهم، كما قامت بتجنيس آلاف الإيرانيين والعراقيين والباكستانيين والأفغان ووطنهم في دمشق وحمص، مبيناً أن أردوغان يأتي اليوم لإكمال المهمة وتوطين جزء كبير من اللاجئين السوريين في تركيا في مناطق يحتلها الجيش التركي في شمال سوريا وخصوصاً في المناطق الكردية في عفرين ورأس العين (سري كانيه) وتل أبيض (كري سبي) وسلوك. لتصبح عودتهم إلى مناطقهم التي نزحوا عنها مستحيلة في المستقبل.
وحول تأثير تلك الخطوة، يقول الكاتب السوري، إن ما يعتزم أردوغان القيام به بدعم وتنسيق مع الأسد هو جريمة ضد الإنسانية، مشيراً إلى أنه يفتح الباب في المستقبل لحروب أهلية مستقبلية، لأن من تم تهجيرهم على يد الجيش التركي وأصبحوا لاجئين ونازحين لابد وأن يعودوا يوماً إلى أراضيهم وعقاراتهم بعد أن يزول هذا الاحتلال، ولن يتخلوا عنها وساعتئذ ستحدث مواجهات وصدامات تفتح الباب على حرب الخاسر الوحيد فيها هو السوريون.
وعلى العكس من ذلك يرى "حبيب"، أن هناك العديد من العوامل التي تعرقل الوصول إلى التطبيع بين أنقرة ودمشق ومنها عدم رغبة تركيا بالتخلص من الجماعات الإرهابية في شمال غرب سورية، ورفض الانسحاب من الأراضي السورية وبالتالي سيطرة دمشق على تلك المناطق، وعدم التفاهم على عودة اللاجئين بشكل آمن إلى مناطقهم.
اللاعبين الدوليين
كما لا يمكن إغفال دور اللاعبين الآخرين في المشهد السوري على مسار التطبيع بين حكومتي دمشق وأنقرة، خاصة من أطراف اتفاق أستانا أصحاب النفوذ داخل الأراضي السورية مثل روسيا وإيران.
وحول الدور الروسي والإيراني يقول عبد الرحمن ربوع، إنه على الرغم من كل الضغوط التي يبذلها أردوغان لمصالحة الأسد والتعاون معه لا يبدو الأسد مرتاحاً أو مطمئناً للاندفاع التركي، رغم وجود الوساطة الروسية القوية والفاعلة، لكن الأسد يريد إجراءات واقعية على الأرض تتمثل بتمكينه من دخول مناطق المعارضة التي تحميها قوات الاحتلال التركي، مبيناً أن دمشق تحتاج موافقة إيران لإبرام أي اتفاق مع الأتراك، وهذا غير ممكن حالياً لأن طهران تعتقد أن أي تقارب بين أردوغان والأسد سيكون على حسابها وحساب مصالحها.
الرفض الشعبي للتطبيع
يشكل مجتمع شمال غرب سوريا الخاضع للاحتلال التركي سواء من السكان الأصليين في مناطق إدلب وأعزاز وعفرين أو المهجرين قسراً مجتمع رافض للتطبيع مع حكومة دمشق، حيث تضرر سكان مناطق إدلب وأعزاز وغيرها من جراء قصف حكومة دمشق على مناطقهم وفقدوا الألاف من القتلى والمصابين في عملياته، بينما يمثل الرافضين لحكومة دمشق معظم النازحين إلى مناطق عفرين وسري كانيه وكري سبي، والذي قام الاحتلال التركي باستبدالهم مكان السكان الكرد أصحاب الأرض الأصليين.
ويقول أحمد الحزوري، الإعلامي السوري المقيم في شمال غرب سوريا في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن سكان المناطق الخاضعة لسلطة الائتلاف السوري في إدلب وأعزاز والباب وغيرها من المدن رافضين لفكرة التطبيع مع حكومة دمشق ورافضين تمييع الثورة السورية، والتنازل عن ثوابت الثورة السورية، ولا يقبلون التصالح مع النظام.
وأضاف، أن هناك تأثير كبير ضاغط على كل من القوات التركية والفصائل السورية المتحالفة معها لرفض المصالحة مع حكومة دمشق، مبيناً أنه أجرى استطلاع مصور في الفترة الأخيرة تحدث فيه الكثيرين عن مخاوفهم من المصالحة مع حكومة دمشق التي قامت بتهجيرهم وتشريدهم واعتقال وقتل أفراد من أسرهم.
ويقول سياسي سوري معارض رفض ذكر اسمه، إن منطقة إدلب والشمال السوري الخاضع للاحتلال التركي يمثل نقطة الخلاف الكبرى بين أنقرة ودمشق، لأنها منطقة تتمتع بنسبة كبيرة من الشباب منهم عدد ضخم من المسلحين الذين تم ترحيلهم من الغوطة ودرعا وريف حمص رفضاً لحكومة دمشق، وهؤلاء لن يقبلون بالتصالح لسلطة دمشق وقاموا باحتجاجات وإغلاق مقرات الائتلاف في رسالة واضحة لأنقرة، وحكومة دمشق نفسها لا تريد إعادة هؤلاء النازحين لما يمثلون من خطر على بقائها.
ملف حقوق الإنسان
ولا يزال سجل حقوق الإنسان ملف شائك يقف عقبة في وجه تطبيع العلاقات بين أردوغان والأسد، لا سيما وأن ملف كل منهما يمتلئ بانتهاكات لحقوق الانسان، حيث وجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات المسلحة التركية ووكالات المخابرات التركية متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها في الشمال السوري، كما وثق المرصد السوري منذ بداية العام الجاري استشهاد 567 مدنياً في مناطق الخاضعة لحكومة دمشق.
وتقول آفين جمعة الإدارية في منظمة حقوق الإنسان في مقاطعة الجزيرة في تصريح خاص لوكالة فرات (ANF)، أن التطبيع لن يكون سوى على حساب القضاء على القوى الموحدة من السوريين المتماسكين بحقهم في الوجود ومطالبهم بحقوق المواطنة المتساوية مع الجميع وبالتالي هم يشكلون الخطر الأكبر على الهيمنة والفكر الاستبدادي للفئات الحاكمة الرافضة لأجندات التغيير وهو ما يدفعها للتوافق مع المحتل.
وأضافت، أن ملف حقوق الانسان ملف شائك في سوريا فلا نصر في حرب وقودها الشعب مهما كانت قوميته أو دينه أو عرقه أو طائفته أو حتى جنسه، وكلمته لذلك الاتفاقات الأخيرة المزمع تنفيذها سينتج عنها تحركات في المنطقة وحملات جديدة لن يدفع ثمنها سوى الشعب من جديد وسيرسخ الاحتلال ولن ينهيه.
وتشير الناشطة في مجال حقوق الإنسان، أن التوافق التركي السوري يتم بفواتير باهظة خاصة في ملف حقوق الإنسان والذي يشكل الكرد الصفحة الرئيسية في هذا الملف، مبينة أن جميع القوى متفقة على معاداة الكرد ويقومون بممارسات وجرائم ترتكب بحقهم كونهم أصحاب فكر ديمقراطي انساني منفتحين ويرفضون التطرف ومتمسكون بوجودهم وحقهم التعايش مع الآخرين بخصوصيتها في اللغة والدين والهوية والمساواة في حقوق المواطنة مع الآخرين وهو ما يجعلهم الأكثر استهداف.
وأكدت جمعة في ختام تصريحاتها لوكالة فرات للأنباء، أن التوافق بين حكومتي أنقرة ودمشق لن يكون لصالح الشعب المطالب بالحرية وبدور فعال بالمشاركة في إدارة البلاد وحفظ حقوق أبنائهم خاصة في ملف حقوق الإنسان الذي أصبح غاية في التعقيد والتشابك بهدف السيطرة على الشعب.