قراءة في موقف بشار الأسد والصراع بين إسرائيل وحزب الله

تأتي الضربات الإسرائيلية تجاه حزب الله لتشكل خطورة كبيرة تجاه أكبر حلفاء بشار الأسد، رغم ذلك فإن الأخير يبدو قد اختار أن "يكون خارج نطاق الخدمة" أي بعيداً عن هذا الصراع.

وقد كثفت إسرائيل ضرباتها باتجاه حزب الله اللبناني مع اجتياح بري لجنوب لبنان، بلغت ذروة قوتها مع اغتيال حسن نصرالله، كما أن تلك الضربات لم تكن في نطاق الأراضي اللبنانية فقط، بل امتدت إلى مناطق بالقرب من العاصمة السورية دمشق وفي الساحل السوري، وحتى تجاوز محدود للحدود السورية في محافظة القنيطرة، إلا أنه لم يصدر عن بشار الأسد أي خطوة انتقامية أو يُرى أي مظاهر دعم لوجيستي لحليفه.

ويأتي موقف بشار الأسد هذا ولديه عديد من المبررات التي يمكن أن يكون أحدها صحيحاً أو جميعها، فمن ناحية يخشى أن توجه إليه إسرائيل أي ضربات انتقامية مباشرة إذا دعم حزب الله، كما أنه يفضل بقاء الوضع الراهن مع تل أبيب كونه يريد الانفتاح ولو قليلاً على الدول الغربية وبالتالي لن يساند عدوهم اللبناني، فضلاً عن أن تركيزه يبدو منصباً على إعادة نشر قواته في المناطق الموجودة خارج سيطرة.

أيضاً هنا احتمال آخر لموقف بشار الأسد يتمثل في أنه لا يريد خسارة بعض الدول العربية المناوئة لإيران ووكيلها حزب الله والتي تقاربت معه وإعادته إلى الجامعة العربية مقابل تقليل النفوذ الإيراني، وأيضاً مقابل بعض التسهيلات الاقتصادية التي هو في أمس الحاجة لها، فضلاً عن وعود منها بإقناع القوى الغربية بإلغاء العقوبات الاقتصادية على دمشق، ما يشكل متنفساً كبيراً لهذا النظام الذي يتصاعد الغضب في مناطق سيطرته جراء الأوضاع المعيشية.

ارتباط استراتيجي؟

"ارتباط استراتيجي لكنه ليس أرثوذكسياً مؤبداً"، بتلك العبارة يستهل الكاتب السوري عبد الرحمن ربوع، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، تحليله لموقف بشار الأسد، إذ يقول إن التحالف بينه وبين إيران استراتيجي ومصلحي واستفادوا من بعضهما بشكل متبادل، لكن حين يصل الأمر إلى معركة مصيرية شاملة فإن هذه العلاقة تنتهي، في إشارة منه إلى أن تل أبيب تتعامل في هذه الحرب غير كل مرة سابقة إذ أنها "حرب شاملة" على كل ما يسمى بـ "محور المقاومة" من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحليفته أمريكا.

وأضاف أن بشار الأسد يعلم أن إسرائيل وحليفتها أمريكا مقدمتان على تغيير استراتيجي في المنطقة بما في ذلك إسقاط نظام الملالي في طهران، ولهذا فقد فضّل النأي بنفسه، وتناسى كل ما كان يروج له من دعاية سابقة بأنه عضو في "حلف المقاومة"، مؤكداً أن كل ما يعني بشار حالياً أن تمر هذه العاصفة وينجو برأسه، بل هناك تعاون أمني واستخباراتي لدمشق مع تل أبيب وواشنطن.

واعتبر ربوع أن موقف بشار الأسد هذا هو الذي جعل إسرائيل تستثنيه من بنك أهدافها التي شملت إيران وحماس وحزب الله والحوثيين، معرباً عن رؤيته بأن الأسد بهذه التصرفات خرج عملياً عما يسمى بـ "حلف المقاومة" أو "حلف طهران" وانضم عملياً لما يعرف بـ "حلف الاعتدال العربي"، فضلاً عن أنه يرفض التقارب مع تركيا لأنه يعلم أن نظام أردوغان سيكون لاحقاً هدفاً لتل أبيب، على حد قوله.

لكن حتى لو كان الأسد نأى بنفسه عما يجري، فإنه لم يمنع على مدار الفترة الماضية أي عمليات لحزب الله أو وكلاء إيران من على أراضيه تجاه إسرائيل أو تجاه أهداف أمريكية إذا كان يملك القدرة على ذلك، لكن الأكيد أنه أراد تصوير نفسه أمام الغرب بأنه لا يملك القوة الكافية لمنع هذا التصعيد.

إذن وكأن الواقع يقول إن بشار الأسد بين نارين، فمن ناحية لا يستطيع أن يكون طرفاً في الصراع عبر إشعال جبهة الجولان وبالتالي يكون إلى جانب حلفائه الذين لهم الفضل مع روسيا في بقائه رئيساً حتى الآن، ومن ناحية ثانية فهو لا يستطيع السيطرة على هؤلاء الحلفاء ومنعهم من استخدام أراضيه ومن ثم تركهم ويبدو أخذ موقفاً محايداً يساعده على البقاء خاصة أن أشلاء نظامه لا تساعده على مواجهة مع إسرائيل وأمريكا.

بشار بين موسكو وطهران

لكن إذا أخذ الموقف الروسي في الاعتبار فإننا نكون أمام رؤية أكثر واقعية، فروسيا هي صاحبة الفضل الرئيسي في بقاء بشار الأسد رئيساً حتى لو كان على مساحة لا تتجاوز 40% من الأراضي السورية، ومن ثم فقد غيرت دفة الأمور عسكرياً لصالح حكومة دمشق، كما أنها مؤمنة بكافة مسارات تطبيع العلاقات بين بشار والدول الأخرى حتى لو كان بعضها ليست علاقاتهم على ما يرام مع الجانب الروسي.

وكانت فكرة موسكو من هذا المسار أن تراجع الدول عن عدم الاعتراف بنظام بشار الأسد وإعادة الشرعية الدولية إليه بمثابة إنهاء فعلي لما يسمى بـ "الثورة السورية"، وضمانة فعلية لبقاء حليفها في السلطة بقبول إقليمي ودولي، وهو ما تجلى بعود دمشق إلى مقعدها بجامعة الدول العربية، وشبه انفتاح أمريكي غربي على النظام وإن كان لا يزال مقترناً ببعض الاشتراطات.

يتفق مع تلك الرؤية الباحث السياسي محمد صابر، والذي يقول إن بشار الأسد يرتهن في الأساس بالموقف الروسي وليس بالموقف الإيراني حتى لو كانت طهران ساعدته على البقاء في السلطة، خاصة أن بشار سعى خلال الفترة الماضية إلى فتح علاقات مع عديد من الأطراف وخاصة الدول الغربية، وبالتالي تدخله مع حماس أو حزب الله سيؤثر بشكل سلبي كبير عليه.

ويؤكد، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا الأمر يتماشى مع الرؤية الروسية التي تريد جعل نظام بشار نظاماً طبيعياً ولا تريد حرمانه من فرصة القبول به في المجتمع الدولي، وبالتالي المسألة بالنسبة لدمشق ليست خوفاً وإنما الحاجة الملحة إلى الانفتاح على الغرب وإمكانية تجاوز تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه وما ترتب عليها من تدهور اقتصادي.

إن مؤشرات السنوات الماضية تقول إن روسيا لن تسمح بإسقاط نظام بشار الأسد بدليل تدخلها عسكرياً قبل سنوات في وقت كان نظامه على وشك الانهيار، فخسارته تعني خسارة نفوذها في منطقة جغرافية حيوية بالنسبة للمصالح السياسية والعسكرية الروسية، ومن ثم فإنها لن تقبل من بشار الانجرار إلى صراع إسرائيل وحزب الله ومن ثم إمكانية استهدافه بضربات إسرائيلية شديدة تمنح قبلة الحياة إلى خصومه، أو قد يجر موسكو إلى مواجهة مع تل أبيب وواشنطن على الأراضي السورية، ومن ثم وكأنه اتفاق ضمني على تحييد دمشق.

وكانت وسائل إعلام غربية ذكرت أن إحدى الضربات الإسرائيلية طالت منزل ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، في رسالة تحذيرية يبدو من تل أبيب له بعدم الإقدام على أي مساعدة لحزب الله، خاصة أنه قيل إن إيران طلبت نقل أسلحة من خلاله إلى الحزب الذي سحب غالبية مقاتليه من سوريا إلى لبنان في ظل المواجهة مع إسرائيل. ولكن الصعوبة تكمن إنه إذا حدثت حرب إقليمية وشاملة فإن الحكومة السورية عندها، هل ستستطيع الوقوف في هذا الموقف؟ ربما لن تستطيع.