إعادة تدوير آل بونغو..كواليس إنقلاب الغابون وسر الموقف الغربي منه

يستمر إعصار الإنقلابات العسكرية في إفريقيا بوقوع إنقلاب عسكري في الغابون العملاق النفطي الأفريقي ضد حكم آل بونغو وهي العائلة التي تحكم البلاد منذ عام 1964.

ولكن على عكس إنقلاب النيجر خرجت ردود أفعال خجولة لا تعدو تعليق وتجميد عضوية البلاد في إيكاس والإتحاد الأفريقي، دون الحديث عن عقوبات سواء سياسية أو إقتصادية، ومشاعر فرحة غامرة من الشعب الغابوني لإنتهاء حكم تلك العائلة، مما يثير التساؤلات حول طبيعة الإنقلاب وتبعاته.

حكم آل بونغو والانتخابات الأخيرة

 وكشفت ليلى أونجال، مستشارة رئيس الجمهورية في الغابون، ونائبة رئيس الهلال الأحمر الغابونن، أنه في الغابون، كل شيء يسير نحو الأفضل بعد التحرك العسكري الأخير، والإطاحة بحكم الرئيس علي بونغو.

وأكدت أونجال في تصريح خاص لوكالة فرات، أن السكان في الغابون سعداء جدًا بهذا التغيير ويدعمون العمل العسكري الأخير الذي قام به جنرالات الجيش الغابوني..

كما وكشف محمد جمال، الباحث بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، أنه يعتبر إنقلاب النيجر العسكري إستكمالًا لوباء الانقلابات الذي انتشر في القارة الأفريقية وفي الغرب وغرب الوسط الافريقي بصفة خاصة، لانه يعد رابع إنقلاب في غضون سنتين، لا يفصل بين كل منهما سوى عدة شهور، حيث استولى مجموعة عسكريين على الحكم وأنهوا حكم الرئيس علي بونغو الذي استمر ١٣ عام، وذلك بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية لولاية ثالثة ونجح بنسبة ٦٤.٤٪ وكان أمامه مرشح وحيد من المعارضة حصل على نسبة ٣٠٪،وتم إلغاء نتيجة الانتخابات وحل جميع أجهزة الدولة، ووضعوا الرئيس تحت الإقامة الجبرية وحاكموا ابنه بتهمة الخيانة العظمى، بجوار اثنين من مستشاري الرئاسة.

وأكد جمال في تصريح خاص لوكالة فرات، أن علي بونغو ظل 13 عام في الحكم بدعم فرنسي كامل، وكان قبله والده عمر بونغو حكم البلاد منذ عام 1967، وحتى عام 2009 ليقضي 43 عام في الحكم ومن بعده  ورث الحكم لإبنه، مشيرًا إلى أن الإنقلاب الأخير يدل على السقوط الفرنسي وسقوط المستعمرات الفرنسية، في القارة الأفريقية بدعم روسي وصيني.

التأييد الشعبي

وأضاف الباحث بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، أن الشارع الغابوني أيد الانقلاب العسكري بسبب الأحوال الاقتصادية وحالة الفقر التي يعيشها المجتمع الغابوني رغم كونها دولة غنية بالنفط ولكن المستفيد الأول والأخير به فرنسا إلا أنها تأخذه بمبالغ زهيدة ، ولذلك البلاد تعاني من الفقر.

وبين جمال، ان من قام بعملية الانقلاب هي القيادات الوسطى في الجيش الغابوني، وليست القيادات العليا، والـ 12 عضو في المجلس العسكري الذي قام بالانقلاب منهم ضباط في الرئاسة الغابونية والحرس الرئاسي وضباط من الشرطة وضابطين من الجيش.

  وبين جمال، أن  الإنقلاب استند على أن علي بونغو انتهك الدستور وأنه ليس له حق في ولاية ثالثة لحكم البلاد، مما شجع العسكريين على الانقلاب ضده، ورغم دعوة علي بونغو.

الشارع الغابوني لمساندته ضد الانقلاب العسكري إلا أن ما حدث كان العكس.

إعادة تدوير حكم آل بونغو

بينما كشف الهادي الزهواني، المحلل السياسي التونسي، أن الجنرال بريس نغيما  قائد الإنقلاب في الغابون هو في الأصل ابن  عمة علي بونغو، مبينًا أن مسرحية الانقلاب هي   في الأساس  حركة  إعادة توزيع المناصب داخل عائلة بنغو برعاية فرنسية .

وأكد الزهراني في تصريح خاص لوكالة فرات، أن فرنسا استبقت الأمور و عقدت  صفقة جديدة  مع اخت علي بونغو باسكلين  بأن يقع استبعاد   اخوها علي من السلطة وأن يتولى بريس نغيما  ابن ابنة عمتها السلطة، موضحًا أن هذا   الأخير  هو صنيعة عمر بنغو  إذ رعاه  وبعثه للدراسة في المغرب في الكليات الحربية وتخرج منها .

وأضاف المحلل السياسي التونسي، أن بريس نغيما هو جنرال  في الجيش وهو رجل قوي  لانه مسنود من باسكالين  بنغو اخت علي  بونغو وهو مسنود أيضا من فرنسا.

خلافات داخل عائلة أل بونغو

وأوضح الزهواني، أن خطأ  علي بونغو أنه  كان على خلاف مع اخته  باسكالين  الحاكمة الفعلية للغابون منذ رحيل والدها، خصوصا و ان  باسكالين  تدعي ان علي بونغو ليس  ابن عمر بونغو بل وقع تبنيه من طرف أبيها  عمر وهو في الأصل نيجيري  او من البنين، و لكن الحقيقة ان علي بونغو ابن عمر بونغو  فعلا من  امرأة أصلها من نيجيريا و تحمل الجنسية البنينية.

وبين المحلل السياسي التونسي، أن  باسكالين   البنت الكبرى لعمر بنغو  هي الحاكمة الفعلية للغابون  وهي ضد خروج فرنسا  من الغابون بأي شكل من الأشكال و تعتبر فرنسا ضمان وحدة وسلام الغابون لذلك هناك معاهدات حماية  موقعة  مع فرنسا منذ الستينات إبان استلاء عمر بنقو على السلطة، وهذه المعاهدات  فيها شق عسكري و شق  اقتصادي، مما يكشف سر التعامل الفرنسي مع الإنقلاب في الغابون على عكس مواقفها المتشددة مع النيجر.

وأشار الزهواني، إلى أن علي بونغو  كان منبوذا فرنسيًا  في أواخر عهده و منبوذا من معظم عائلته و معاديا لأخته   باسكالين  خصوصا و أنه أقصى زوجها جون بينغ  من الوصول إلى السلطة سنة 2016، و جون بنغ من أصول صينية غابونية ، ابوه صيني و امهم غابونية و تزوج  باسكالين   بونغو  وله منها  ابنين،  وكان  في  حرب مع عائلته وخاصة  باسكالين  اخته  التي كانت ولا تزال متصلة بفرنسا و لا تسمح ابدًا بخروج فرنسا أو حتى  تغيير الاتفاقيات المجحفة في حق الغابونيين . 

الدور الفرنسي

وتطرق الزهواني للدور الفرنسي في الإطاحة بالرئيس، مبينًا ان علي بونغو عمل على  إيجاد توازن  لمقاومة فرنسا فقوى علاقته بالمغرب و بالصين و انضم إلى الكومنولث و  حافظ على امتيازات فرنسا، ولكن في الاخير  اخته  باسكالين  وفرنسا استبقوا  الأمور  و دعوا  الجيش لاستلام السلطة و  تنحية  علي بونغو وإرساله للعيش في المغرب الذي  له معها علاقات جيدة و خاصة في تجارة الالماس.

قائد الإنقلاب

وأردف المحلل السياسي التونسي،  أن الجنرال بريس نغيما هو من عائلة بنغو  ومتورط في الفساد إلى حد النخاع و لكن مسكوت عنه فرنسيا  و صينيا و أمريكيا  و مقبول من

 باسكلين  اخت علي بونغو لأنه جاء في إطار تفاهم بين فرنسا و أمريكا و الصين و المغرب على مواصلة كل طرف اخذ حصة من الكعكة الغابونية.

كما أن بريس نغيما أعلن إسلامه إبان كان شابا يافعا في المغرب و لكنه  رجع للمسيحية   عكس عمر بونغو الذي أعلن إسلامه  في الخمسينات من عمره  و كذلك علي بنغو الذي أعلن إسلامه وهو في سن السابعةعشر و قد أجريت عملية ختان عمر وابنه  علي  في المغرب، عكس بريس  نغيما الذي لم يختن، و بريس غيمة  قبل رشوة من علي  بونغو  لشراء ثلاث  منازل في أمريكا بما يفوق مليون دولار مقابل  التعهد بتحضير وحماية ابن علي  بونغو للرئاسة و لكنه نكث بالعهد، بحسب المحلل السياسي التونسي.

المصالح الدولية بعد الإنقلاب

 وأفاد المحلل السياسي التونسي، أن الانقلاب  يسمح لفرنسا ان  تواصل استغلال النفط و التعدين  و أخذ الضرائب على كل الموانئ و المواليد الجدد و غيرها و تبقي على جيشها  هناك، و للعلم  اذا رحل الجيش الفرنسي من الغابون فإن  الحرب الأهلية ستندلع مباشرة بين الإثنيات الموجودة هناك،  بينما  أمريكا تواصل  أخذ ليبروفيل كمركز مراقبة لوسط أفريقيا خاصة وأن سفارة أمريكا في ليبروفيل هي أكبر  سفارة أمريكية في أفريقيا ( بناها مقاولون تونسيون) و تواصل أمريكا  أخذ حصتها من النفط  خاصة في البحر.

كما حافظ الإنقلاب على المصالح الصينية أيضُا، حيث ستواصل أخذ حصتها من النفط وتواصل احتكارها لإنشاء الطرق و الموانئ واحتكار  تجارة الخشب بحيث  تقص الخشب من الغابات  و تبحث عن الذهب هناك بدون أي رادع، بحسب الزهواني.

وأختتم الزهواني حديثه، بأن الشعب الغابوني الذي لا يتعدى تعداده  مليون و نصف  سيفيق بعد مدة غير قصيرة بأن  ما حدث مسرحية وعائلة بنغو مازالت تحكم .

أسباب سقوط النظام

كما أوضح سلطان ألبان، الخبير الموريتاني المتخصص في الشئون الأفريقية، أنه كان الجميع يتوقع حدوث انقلاب في الغابون خصوصا بعد وقوع 7 إنقلابات في 3 سنوات الأخيرة في افريقيا, وقاد معظم الانقلابات قادة الحرس الرئاسي المَعنيّين في المقام الأول بحراسة الرئيس, لكن عوامل أخرى كانت كافية لحدوث انقلاب في الغابون, منها طبيعية الحكم "البانغي". نحن أمام دولة شابة لا تعرف إلا أسرة واحدة حكمت البلاد منذ 1967-2023، وخلال فترة حُكمها مارست الكثير من الدكتاتورية والقمع في حق الخصوم السياسيين.

وأكد إلبان في تصريح خاص لوكالة فرات، أن سلطة بونغو مكّنت لفرنسا من شؤونها الاقتصادية وحتى السياسية إسقاطا على عدد المواطنين الفرنسيين في الغابون الذي وصل إلى 12 ألف مواطن فرنسي، كما تتخطى الشركات الفرنسية حاجز 80 شركة نشطة, بالاضافة إلى أن معظم أملاك الرئيس علي بونغو الذي حكم البلاد طيلة 14 عاما موجودة في فرنسا حسب تقرير للشرطة الفرنسية الذي رصد أكثر من 39 عقار تعود ملكيتها للرئيس، بل عملية الانصهار في فرنسا تجاوزت المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي إلى درجة المصاهرة، فالسيدة الأولى في قصر بونغو بالغابون فرنسية.

وأضاف الخبير الموريتاني المتخصص في الشئون الأفريقية،  أن قاصمة الظهر التي مكنت لخطوة حاسمة نحو الانقلاب على علي بونغو اودينمبا هي التجاوزات الكبيرة التي حصلت في الانتخابات الأخيرة، حيثت أُتُهم من طرف الخصوم بالتزوير، كما قام بقطع الانترنت، و أعلن حالة الطوارئ في البلاد تزامنا مع فرز النتائج، بالإضافة إلى حملة اعتقالات واسعة ضد خصومه الذي احتجوا على هذه الظروف.

وبين إلبان، أن الانقلاب لم يكن مثل الانقلابات الذي شهدها العالم في دول غرب افريقيا, انقلاب الغابون قاده جنرال كان يحتل المرتبة الثانية في حكم علي بونغو، وهو الجنرال بريس أوليغى نغيما الذي بدأ يتدرج في الرتب منذ 2018 بعد أن نال ثقة الرئيس المخلوع علي بونغو، واجتماعيا هو ابن عم علي بونغو, وربما رأى أن فرصة الانقضاض على الحكم قد حانت خصوصا في ظل ظروف الرئيس بونغو الصحية وسوء السمعة التي يحظى بها،  بالإضافة إلى تحضيره لنجله نورد الدين بونغو ليرثه الحكم.

وأوضح الخبير الموريتاني المتخصص في الشئون الأفريقية،   مكانة الجنرال نغيما في حكم بونغو النافذة وبقاء السلطة في دائرة نفس الأسرة هو ما دفع بزعيم المعارضة والمنافس الشرس في الانتخابات الأخيرة السيد ألبير أوندو أووسا، يقول: عبر قناة فرنسية"ان الذي حدث ليس انقلابا إنما هو ثورة داخل القصر" في إشارة واضحة ربما إلى اتهام جهات بتقديم الضوء الأخضر للجنرال المُنقلب للإستيلاء على السلطة لتغيير وجه النظام دون أن يتحرك جسمه.

وأردف لبان، أن الانقلاب في الغابون لم يتحرك العالم لنجدة الرئيس علي بونغو بل هناك من وجه له انتقادات حادة، على سبيل الذّكر وليس الحصر، تصريحات مسؤول السياسة الأوروبية جوزيف برويل الذي قال؛ "علي بونغو لم يحتوي الديمقراطية و الانتخابات كانت مشبوهة" أما الولايات المتحدة الامريكية فلم تعر الأمر أكثر من تنديد تقليدي لا يساوي سعر الحبر الذي كتب به، ويرجع ذلك لعدم اهتمامها بالغابون، حيث لا وجود لقوة عسكرية أمريكية في الغابون على عكس فرنسا التي تملك قوة عسكرية هناك قوامها 370 عسكري.

وأشار إلبان إلى أنه اتخذت فرنسا من انقلاب الغابون مسافة مريبة، عنوانها "لا نتدخل في شؤون الغابون الداخلية" وهذا مغاير حرفيًا للصورة في النيجر، وفي ذات السياق علّقت أهم الشركات النفطية الفرنسية عملها في الغابون لتستأنفه بعد أقل من يوم واحد مما يعني عدم وجود مؤشرات ضد وجوده،  بل إن قائد الانقلاب الجنرال بريس أولغى نغيما طمأن فرنسا بطريقة غير مباشرة معلقًا على العلاقات الخارجية للغابون قائلا: " ليس لدينا نيّته  إلى تغيير الاتفاقيات مع الشركاء الدوليتين أو تعكير صفو (المستثمرين)" حتى على مستوى الجماهير التي تخرج بعد الانقلابات، لم تكن هناك أعلام روسية لدى الجماهير الغابونية كما هو الحال في دول غرب افريقيا، ولم تهتف الجماهير بعبارات مناهضة لفرنسا وعلاقتها مع الغابون، وهذا نقيض واقع الجماهير في البلدان الثلاثة (النيجر، بوركينا فاسو ، مالي).