وذكر تحليل مطوّل نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة أردوغان كانت توحيد أطياف المعارضة الرئيسية وخاصة دعم حزب الشعوب الديمقراطي والناخبين الكرد للإطاحة بمرشح أردوغان، متغلبين على مساعي مثيرة للسخرية قام بها السلطات التركية ومرشحها بن علي يلدرم خلال الانتخابات.
وتابع التقرير: "من اسباب نجاح المعارضة في الانتخابات البلدية لعام 2019 هو أنها توسطت في اتفاق فعال بين أحزاب المعارضة الرئيسية، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري ، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد والحزب الوطني، إنهم ليسوا حلفاء طبيعيين. وأثبت الدعم الذي قدمه حزب الشعوب الديمقراطي للمعارضة دوره في نجاح الرئيسي في نجاح المعارضة.
لمواجهة المعارضة الموحدة، قام حزب العدالة والتنمية بمحاولة للفوز باصوات الناخبين الكرد، حيث قام مرشح حزب العدالة والتنمية بزيارة مدينة آمد/ ديار بكر ذات الأغلبية الكردية كجزء من رغبته في الفوز بأصوات الكرد في إسطنبول، وحتى أنه من تحدث بضع كلمات من اللغة الكردية خلال خطابه.
بعد ذلك، وبصورة مثيرة للصدمة والسخرية، حاولت الحكومة الاستفادة من زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، الذي يعاني إلى حد كبير في الحبس الانفرادي، على مدار العشرين عامًا الماضية من خلال السماح له بزيارات مع محاميه وعائلته. وأصدر أوجلان خطابًا، في إشارة إلى ما روجت له وسائل الإعلام التركية الرسمية حول الدعوة بشأن الانتخابات، حيث رد حزب الشعوب الديمقراطي بتصريحات أشاد فيها بشجاعة أوجلان، وتابع التقرير: "إذا أرادت الحكومة التركية استعادة الدعم الكردي الذي فقدته، فسوف تحتاج إلى تطوير سياسة تقارب جادة، وليس الانخراط في تظاهر مثير للسخرية."
لماذا لم يتمكن أردوغان من تزوير الإنتخابات؟
كانت نتائج انتخابات نهاية الأسبوع الماضي بمثابة إهانة مذهلة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وكان النصر الواضح في الانتخابات البلدية الجديدة في إسطنبول لمرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، الذي أطاح بحكم العدالة والتنمية الذي دام 25 عامًا من قبل حزب أردوغان للعدل والتنمية وأسلافه في المدينة.
إنها نقطة تحول بالنسبة للمدينة التي يبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، وفي الواقع بالنسبة لكل تركيا. التداعيات الكاملة لانتخابات يوم الأحد قد تستغرق سنوات لفهمها بالكامل، لكن بعض الدروس واضحة بالفعل.
وقال الباحث أن حالة من التشاؤوم سادت بعد أن تحولت الإنتخابات إلى حالة غير عادلة وغير نزيهة، حيث يمتلك أردوغان أدوات استبدادية للحد من فعالية المعارضة، حيث كانت المؤشرات توحي بان أردوغان أستغل حالة الانتخابات المتنازع عليها للتصميم على الفوز بها، حتى لو مارس التزوير، لكن إسطنبول أثبتت خطأ المتشائمين، حيث يحتاج النظام التركي إلى معارضة مقسمة ليمارس ألاعيبه في تزوير الارادة الشعبية، ولكن نظام أردوغان وجد نفسه في تحدي صعب، حيث أثبت نظامه الخاص للفوز بالانتخابات بما في ذلك مضايقة مرشحي المعارضة، والتلاعب في قوائم الناخبين والسيطرة على وسائل الإعلام أنه يصعب الحفاظ عليه في الانتخابات المحلية، وخاصة في المراكز الحضرية الكبرى، مقارنةً بالانتخابات الوطنية.
وتابع البروفيسور المتخصص في الشؤون التركية: "في حين أن أردوغان أثبت استعداده للتلاعب بالانتخابات عندما كان الفارق ضئيلاً، من خلال تسليح مجلس الانتخابات بصلاحية الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، فقد أثبت حتى الآن أنه غير راغب في الانخراط في تزوير أكثر وضوحًا. ويبدو أن ناخبي إسطنبول عاقبوا أردوغان بتلاعبه في الانتخابات التي جرت في اسطنبول في 31 آذار/ مارس، عندما فاز إمام أوغلو يوم الأحد بأغلبية ساحقة، حيث حصل على 54 في المائة من الأصوات وفاز بالأغلبية في معاقل حزب العدالة والتنمية."
وأكد الباحث أن خطاب إمام أوغلو تغلب على إنغلاق حزب الشعب الجمهوري وأصبح بذلك أكثر تسامحا وإنفتاحا، وأوضح أن دعوات إمام أوغلو للحكم الرشيد كانت مقنعة لأن اقتصاد تركيا في حالة من الفوضى. ويبلغ معدل التضخم الرسمي 19 في المائة، رغم أن معدل التضخم الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير، كما أن البلاد تواجه أزمة ديون كبيرة. وبينما لاحظ الكثيرون الاستقطاب السياسي لتركيا، إلا أن الاقتصاد كان تاريخيًا أفضل مؤشر لتفضيلات الناخبين. واستفاد حزب العدالة والتنمية في سنواته الأولى من سمعته في النمو الاقتصادي، إلا إنه يعاقب على إخفاقاته الآن.
ورطة أردوغان
وقال الباحث إن أردوغان في ورطة، لكن الطريق إلى تركيا الأكثر ديمقراطية لا يزال محفوف بالمخاطر، متوقعا أن يلجأ الرئيس التركي الذي وصفه بأنه فقد بوصلته السياسية إلى مزيد من القمع والاستبداد.
وأعتبر أن قرار أردوغان بإجبار مجلس الانتخابات على إسقاط نتيجة الانتخابات في اسطنبول بشكل مثير للصدمة دون أي خطة واضحة لضمان النصر، قد ضاعف الخسارة الثانية بشكل كبير من الأضرار السياسية التي تعرض لها في الهزيمة الأولى.
لا أمل في تغير أردوغان.. والانفتاح سيعني نهايته
هذا الإخفاق جاء صنيعة القرار السياسي الذي مثل رمزا لما أصبح عليه حكم أردوغان الذي يعتمد على أسرته وبعض المنتفعين بدلا من التكنوقراط والتحالفات السياسية. وتابع: "لقد استندت استبدادية أردوغان إلى ظهور المنافسة. ومن غير المحتمل أن يحافظ حكمه على بيئة تنافسية حرة ونزيهة، ولن يكون من السهل الحفاظ على بيئة قمعية بالكامل لفترة طويلة".
وفي الوقت الذي يمكن فيه لحلفاء تركيا والمستثمرين والناخبين أن يأملوا في أن يصحح أردوغان مساره عن طريق إعادة إنشاء عناصر حكم الدولة التي أدت به إلى النجاح في المقام الأول، لكن من غير الواضح أن أردوغان قادر عقلياً على إحداث هذا التحول. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يعني ذلك زواله سياسيا، فمن شأن نظام أكثر انفتاحاً أن يكسر الهيمنة السياسية لحزب العدالة والتنمية. ونظراً للفساد والمخالفات التي ميزت حكم أردوغان، فإن خطر السجن لنفسه وزنزانته سيكون حادًا”.
وتوقع المقال أن يضاعف أردوغان من القمع الذي تصاعد في ظل حكمه، حيث يتمتع بالسيطرة على القضاء والأجهزة الأمنية ولديه صلاحيات طوارئ واسعة. لكن هذا من شأنه أن يكثف أزمة تركيا المستمرة. وأختتم مقاله بالقول: "كما توضح انتخابات إسطنبول، من غير المرجح أن يقبل الجمهور التركي الديكتاتورية المطلقة دون قتال".