أكد السفير نبيل بدر، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن توجهات تركيا فيما يخص المنطقة يثبت في كل يوم أنه يصب في إطار نظرة خاطئة وحنين للماضي في غير محله، الخلافة وغيرها، وعنجهية تتصور فيها أن تركيا هي الأكبر والأقوى وهذا غير صحيح تماماً فالتطورات الجارية تثبت غير ذلك.
واعتبر بدر أن الانسحاب الأمريكي من سوريا والذي أعلنه الرئيس ترامب مؤخرا يفسح مجال لمزيد من الاستثمار الإيراني في المنطقة بالمقام الأول، مشدداً على ضرورة أن يكون الاندفاع الوطني السوري الآن يصب في اتجاه إبعاد سوريا عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وبخاصة التركي والإيراني، وحل الموضوعات في إطار توجه وطني، يدفع إلى الوحدة السورية وحل أي خلافات كشأن داخل الوطن السوري.
ورأى أن هذا الانسحاب يشكل فرصة لتحقيق تماسك وطني لكل مكونات الشعب السوري خلال هذه الفترة المهمة.
وأشار السفير بدر، في مقابلة خاصة مع وكالة فرات للأنباء ANF ، إلى أن إعادة فتح بعض السفارات العربية في دمشق هو بمثابة تطور إيجابي مطلوب متوقعاً أن نشهد المزيد.
وأكد أن التطورات الدولية والإقليمية كلها تؤشر إلى خطورة ترك الساحة السورية بعيداً عن عمقها العربي الإقليمي الطبيعي، بما لها من دور واقعي وتاريخي في المنطقة، كما أن ترك الساحة السورية على النحو السابق أفسح المجال لتدخلات أضرت بسوريا وبالمنطقة كلها.
فإلى نص الحوار:
** حتى هذه اللحظة لا زال العالم يبحث آثار وتداعيات إعلان الرئيس الأمريكي بانسحاب بلاده من سوريا، الذي جاء مفاجئا في التوقيت.. كيف تنظر إلى هذه الخطوة؟
بلا شك أن الانسحاب الأمريكي في سوريا يفسح المجال لمزيد من الاستثمار الإيراني ومحاولة دعم مواقفها على الأراضي السورية أو لتعزيز اتصالاته مع جماعات سنية تتعامل مع إيران، معروف عنها الإرتكان للعنف.
ويمكن النظر للموضوع، أيضاً، بأنه فرصة مهمة لتحقيق تماسك لكل مكونات الشعب السوري، بمعنى أنه مهما كانت هناك اختلافات أو طموحات لدى جماعات عرقية داخل سوريا نفسها إلا أنني يمكن أن أقول – وقد عملت في سوريا من قبل – أن النسيج السوري الوطني كان يميز هذه العلاقة، وبالتالي كانت مغايرة في علاقاتها لجوانب متطرفة أو معادية على نحو ما تابعناه في مناطق أخرى، ومن ثم فإن الأسبقية بعد هذا الانسحاب تساوي استعادة الدولة الوطنية السورية لأرضها وحدودها وكيانها الوطني، والسعي من خلال هذه الوحدة لحل أي مشاكل داخلية، والأجواء مهيأة لذلك، ثم النأي بهذه الخلافات عن تدخلات خارجية.
** هل من هذا المنطلق تقرأ دعوة الكرد للنظام السوري لدخول منبج؟
تركيزي الآن أن يكون الاندفاع الوطني السوري نحو إبعاد سوريا عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، وبخاصة التركي والإيراني، وحل الموضوعات في إطار توجه وطني، يدفع إلى الوحدة السورية وحل أي خلافات كشأن داخل الوطن السوري.
وأعتقد أن الخلفية التاريخية والواقعية يمكن أن تعاون على هذا التوجه الذي يدعمه من جانب آخر تجنب فتح الباب لتدخلات خارجية ليس لها مصلحة لا في تماسك سوريا ولا في الحفاظ على المكونات التي تدخل في الدولة السورية وبينهم الأكراد.
** قبل أيام تابعنا مسألة عودة السفارة الإماراتية وتجهيزها لممارسة عملها في دمشق، وكذا حديث عن عودة البحرين وكذا عدد من السفارات العربية.. كيف تنظر إلى هذا التطور في الوضع الراهن؟
تطور إيجابي مطلوب وأتوقع أن نشهد المزيد وهذا أمر طبيعي، لأن التطورات الدولية والإقليمية كلها تؤشر إلى خطورة ترك الساحة السورية بعيداً عن عمقها العربي الإقليمي الطبيعي، بما لها من دور واقعي وتاريخي في المنطقة، وهذا من ناحية، كما أن ترك الساحة السورية على النحو السابق أفسح المجال لتدخلات أضرت بسوريا وبالمنطقة كلها.
في ظل التطورات التي حدثت وتجارب 7 سنوات ماضية، فالموقف يستدعي إعادة التواجد الطبيعي لسوريا ضمن الإطار العربي وعوة العلاقات على نحو سوف يساعد سوريا والمنطقة في آن واحد.
** يرى بعض المتابعين أن التحول الإقليمي والدولي يبدأ من سوريا في هذه الحقبة التارخية المهمة وأن ما يجري في سوريا سيعيد تشكيل الخريطة الدولية بشكل العام فما رأيكم؟
من المعروف منذ سنوات أن الاستراتيجية الأمريكية كانت تتجه للتركيز على احتمالات الصراع في شرق آسيا، أي في منطقة الصين، ومن ثم التخفيف من التركيز على منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا بطبيعة الحال، وبالتالي فإن التقدير ليس جديد تماماً، لكن بالطبع أسلوب تنفيذه من التاحية التكتيكية أمر يخضع للتقدير وفقاً لظروف كل مرحلة ونتائجها، لكن المنظور الاستراتيجي كان لا يزال أن تتجه الولايات المتحدة وبالتبعية الصراع يتجه إلى شرق أسيا.
ويهمها بطبيعة الحال الاحتفاظ بركائز في الشرق الأوسط وعلاقات خاصة مع بعض الدول في المنطقة، طبعا إسرائيل في المقام الأول، وهي تدخل ضمن هذا المنظور على كل حال.
** لكن استراتيجية الولايات المتحدة بالنسبة للشرق الأوسط أيضا تغيرت فلم يصبح بترول المنطقة من أولوياتها كما في السابق؟
هذا أحد العناصر بالطبع، إنما لا ننسى أن الولايات المتحدة الولايات المتحدة تعتبر أن مسؤوليتها تمتد لمساعدة أصدقائها ونقصد هنا غرب أوروبا.
** لكن أيضا هناك توجه أمريكي مغاير لوضع الولايات المتحدة في سياق العولمة، والمتمثل في العودة إلى فكرة الدولة القومية التي أعلنها ترامب عندما قال أمريكا أولاً؟
هو توجه خاص بالرئيس الأمريكي؛ لكن في حقيقة الأمر نفس تطبيق هذه الرؤوية لا يمكن أن تبتعد دولة في وضع الولايات المتحدة كالدولة الأولى الأقوى والأكثر امتداداً وربما مسؤولية عن التعامل ووضع مقتضيات المناطق الأخرى.
وبمعنى آخر هي صيحة تمثل رد فعل لقطاعات معينة في الشعب الأمريكي، أما في مجال التطبيق فهذا أمر يخضع وسوف يخضع لمزيد من التقييم الواقعي.
** ماذا أيضا عن روسيا والتي مثلت سوريا ساحة مهمة لعودتها لممارسة دور إقليمي ودولي وللخروج من الموقف الغربي الذي فرض عليها بعد أزمة القرم؟
روسيا طبعاً لها علاقات قوية مع سوريا تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، مثلا تم الاتفاق على طرطوس من قبل الحرب السورية الأخيرة، فقاعدة هذه العلاقات قائمة.
أما التطورات القائمة في المنطقة، وليست سوريا وحدها، وإنما في مجملها أفسحت المجال بالتأكيد لتحرك روسي يشمل المنطقة خاصة مع كثير من التجاوزات والأخطاء الأمريكية في إدارة علاقاتها بملفات حيوية في المنطقة، وهو الأمر الواقع حتى الآن.
** ماذا أيضا عن تركيا وتدخّلها في سوريا واحتلالها للأرض في عفرين وغيرها، وتلويحها بمزيد من التحرك العسكري على الأرض في شمال سوريا؟
التوجّه التركي تجاه المنطقة ككل هو توجه غير سليم، وبالتأكيد يثبت في كل يوم أنه توجه لا يستهدف في حقيقة الأمر إلا مصلحته من وجهة نظر ضيقة وليس إقامة علاقات قوية ومتطورة مع المنطقة العربية، تدخلاته في سوريا، احتلاله للشمال السوري، ولجزء من العراق، تدخلاته في دعم المليشيات المسلحة في ليبيا، محاولة سعيه لمناطق أخرى.
استخدامه للإخوان المسلمين، ليس حبا فيهم وإنما كأحد أدوات تصور أنها تحدث تأثيراً معينا، وهذه أمور كلها واضحة، ثم لكنة التي تجمع بين نظرة خاطئة وحنين للماضي في غير محله (الخلافة وغيرها) وعنجهية تتصور فيها أن تركيا هي الأكبر والأقوى وهذا غير صحيح تماماً فالتطورات الجارية تثبت غير ذلك.
وبلا شك فإن الخط البياني التركي محل نظر، الموضوع الكردي لم يعالج وكان الأولى بهم معالجته، ومن ثم فتركيا لا شك في وضع تتناقض فيه مع توجهات تم كشفها وتعريتها من الجانب الأكبر من الشعوب العربية.
** أخيراً ماذا عن الدور المصري حول الوضع الراهن في سوريا؟
موقف مصر من الوضع في سوريا يتأسس على الحفاظ على الدولة الوطنية في سوريا والمحافظة عليها ودعمها، وأن الخلافات السورية داخلية وضرورة عدم التدخل واستثمارها على النحو الذي لجأت إليه اطراف اقليمية في مقدمتها تركيا وإيران.
وهذا الموقف في تقديري معروف لدى الشعب السوري ولدى الحكومة السورية أيضا لذا فأعتقد أن مستقبل العلاقات بين الدولتين والشعبين ينبئ بكثير من الإيجابية في المرحلة القادمة.